بينما يعيش العالم على وقع الأزمات السياسية والاجتماعية، شهدت كوريا الجنوبية حدثًا دراميًا أعاد إلى الواجهة صراع القوى بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذلك بعدما قرر الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول إعلان الأحكام العرفية، تحت ذريعة مواجهة تهديدات داخلية وخارجية، ما قوبل بتحدٍ مباشر من البرلمان الذي يسيطر عليه حزب المعارضة الديمقراطي.
فهل سينجح البرلمان في تقويض قرار الرئيس.. أم أن الأحكام العرفية ستفرض نفسها كواقع جديد على البلاد؟
ذريعة أمنية أم تجاوز للصلاحيات؟
في خطاب تلفزيوني مفاجئ وغير معلن، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول فرضه الأحكام العرفية، مبررًا قراره بضرورة حماية البلاد من التهديدات التي تشكلها القوات الشيوعية في كوريا الشمالية، إضافة إلى "القضاء على العناصر المناهضة للدولة"، وفق وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية.
وأكد "يون" أن قراره يستهدف الحفاظ على النظام الدستوري الليبرالي، لكنه لم يفصح عن تفاصيل الخطوات التي ستُتخذ بموجب هذا الإعلان.
وأثار إعلان الأحكام العرفية، وهو الأول منذ التحول الديمقراطي في كوريا الجنوبية عام 1987، تساؤلات واسعة حول مدى شرعيته، فوفقًا للقانون الكوري الجنوبي، يمكن للبرلمان رفع الأحكام العرفية إذا صوّتت أغلبية أعضائه على ذلك. هذا القانون جعل البرلمان، الذي تسيطر عليه المعارضة، مركز الصراع الحالي، وفق وكالة "أسوشيتد برس".
البرلمان يتحدى الرئيس
في خطوة حاسمة، تحرك البرلمان الكوري الجنوبي سريعًا لمواجهة قرار الرئيس، وقدّم رئيس الجمعية الوطنية، وو وون سيك، قرارًا لرفع الأحكام العرفية خلال جلسة استثنائية في ساعة متأخرة من الليل.
وبحضور 190 من أصل 300 عضو برلماني، تم تمرير القرار بالإجماع، ما يمثل صفعة قوية للرئيس يون.
هذا التصويت لم يكن مجرد رد فعل، بل كشف عن قوة المعارضة الليبرالية في البرلمان، التي استفادت من أغلبيتها لإفشال الخطوة التي اعتبرتها غير دستورية ومنافية للمبادئ الديمقراطية.
جذور الخلاف
يعكس إعلان الأحكام العرفية عمق الأزمة السياسية التي تعيشها كوريا الجنوبية، فمنذ تولي يون سوك يول منصبه عام 2022، واجه تحديات مستمرة بسبب سيطرة المعارضة على البرلمان، وفق "بي بي سي".
الخلاف حول مشروع قانون الميزانية للعام المقبل كان القشة التي قصمت ظهر البعير، فبينما سعت المعارضة إلى تقليص الميزانيات الحكومية، رفض يون التنازل، إلى جانب ذلك، تحركت المعارضة لمحاولة عزل ثلاثة من كبار المدعين العامين، في خطوة اعتبرها حزب الرئيس انتقامًا سياسيًا من التحقيقات الجارية ضد زعيم المعارضة لي جاي ميونغ، الذي يُعد المرشح الأبرز للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويواجه الرئيس الكوري الجنوبي معدلات قبول منخفضة بسبب الخلافات والفضائح المختلفة، بما في ذلك تلك التي تورطت فيها زوجته، مثل التلاعب المزعوم في الأسهم وقبول حقيبة يد فاخرة، التي اعتذر عنها "يون" قائلًا: "من المفترض أن تتصرف زوجتي بشكل أفضل".
ففضائح الرئيس "يون" لم تُسهم إلا في تأجيج الأزمة، وكان أبرزها اتهامات طالت زوجته بشأن الفساد واستغلال النفوذ، التي رفض يون الدعوات لإجراء تحقيق مستقل بشأنها، ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إليه.
تداعيات قانونية واجتماعية
الأحكام العرفية التي أعلنها "يون" تفرض تغييرات جذرية على المشهد السياسي والقانوني في البلاد، تشمل هذه التغييرات تعليق الحقوق المدنية، وتوسيع السلطات العسكرية، وفرض قيود على وسائل الإعلام، إضافة إلى حظر النشاط البرلماني.
وبحسب وكالة يونهاب للأنباء، يمكن اعتقال منتهكي الأحكام العرفية دون الحاجة إلى مذكرة توقيف، ما يعكس الطبيعة الصارمة لهذه الإجراءات.
على الصعيد الاجتماعي، أثار الإعلان مخاوف بين المواطنين. وأظهرت صور متداولة انتشارًا أمنيًا مكثفًا، شمل إغلاق البرلمان بالدبابات والطائرات الهليكوبتر. وفي الوقت نفسه، دعت المعارضة أنصارها إلى التظاهر أمام الجمعية الوطنية، ما أدى إلى تجمعات حاشدة وسط شعارات رافضة للأحكام العرفية.
ترقب وحذر دولي
خارج حدود كوريا الجنوبية، أثارت التطورات اهتمامًا دوليًا واسعًا. أعربت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قلقها من تصاعد الأزمة، مؤكدة أنها تتابع الوضع عن كثب بالتنسيق مع السلطات الكورية الجنوبية. ومع ذلك، لم يصدر أي تعليق مباشر من الرئيس الأمريكي بشأن إعلان الأحكام العرفية.
مَن ينتصر في معركة الديمقراطية؟
بينما تتشابك القوى السياسية في كوريا الجنوبية في صراع غير مسبوق، يبقى السؤال الأساسي: هل سينجح البرلمان في إنهاء الأحكام العرفية وإعادة البلاد إلى مسارها الديمقراطي؟ أم أن الرئيس يون سيستخدم سلطاته لفرض رؤيته، حتى لو تطلب الأمر تصعيدًا أكبر؟.. الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الديمقراطية الكورية الجنوبية.