مع تجاوز الحرب الروسية على أوكرانيا حاجز الألف يوم، تتزايد الضغوط الدولية لإيجاد مخرج سلمي للأزمة، خاصة بعد فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في هذا الصدد تكشف صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن تفاصيل المبادرات والخطط المطروحة لإنهاء النزاع، في وقت تتعقد فيه المواقف وتتباعد المصالح بين الأطراف المتحاربة.
تحول في الموقف الأوكراني وتعقيدات المشهد الميداني
يشهد الموقف الأوكراني تحولًا ملحوظًا، إذ أقر الرئيس فولوديمير زيلينسكي، في حديث مع وكالة كيودو اليابانية، بأن القوات الأوكرانية تفتقر إلى القدرة العسكرية اللازمة لاستعادة كامل الأراضي المحتلة.
ويأتي هذا الاعتراف في خضم أوضاع ميدانية بالغة التعقيد، إذ تواجه أوكرانيا خسائر تدريجية في الأراضي أمام الهجمات الروسية المتواصلة، فيما تعاني البنية التحتية للطاقة من أضرار جسيمة، وتتحول العديد من المدن الشرقية إلى أنقاض، مع نزوح الملايين من السكان.
وفي المقابل، تتكبد روسيا خسائر عسكرية غير مسبوقة، وتواجه عقوبات دولية متصاعدة أثرت بشكل كبير على اقتصادها.
وتكشف "بوليتيكو" عن خطة السلام التي يتبناها فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب، والتي يقودها الجنرال المتقاعد كيث كيلوج، المعين حديثًا كمبعوث خاص لروسيا وأوكرانيا.
تتضمن الخطة إطارًا تفاوضيًا يعتمد على مبدأ العصا والجزرة، حيث يستمر تدفق الأسلحة الأمريكية إلى كييف مقابل موافقتها على التفاوض مع موسكو وتعليق مؤقت لمساعيها للانضمام إلى حلف الناتو.
وفي المقابل، يهدد المقترح الأمريكي بزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا في حال رفضت روسيا الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
المبادرات الدولية ومعضلة الحل
وسط هذا المشهد المعقد، تتعدد المبادرات الدولية لحل الأزمة، إذ طرحت الصين والبرازيل مبادرة مشتركة في مايو الماضي، تدعو إلى تجميد الوضع الميداني وإجراء حوار مباشر يفضي إلى وقف لإطلاق النار، يتبعه مؤتمر سلام دولي.
انضمت 17 دولة إلى هذه المبادرة، لكن تركيا تبقى العضو الوحيد في حلف الناتو المشارك فيها.
وبينما وصف زيلينسكي المبادرة في البداية بأنها "مدمرة" لعدم مطالبتها بانسحاب القوات الروسية، أبدى رئيس مكتبه الرئاسي أندريه يرماك انفتاحًا على دمج بعض عناصرها في جهود كييف للسلام.
في سياقٍ متصلٍ، تطرح أوساط دبلوماسية غربية ثلاثة نماذج محتملة لحل الأزمة، النموذج الأول الذي يبدو أن زيلينسكي يميل إليه حاليًا، فيستوحي التجربة الألمانية خلال الحرب الباردة، حيث ينضم غرب أوكرانيا إلى الناتو بينما تبقى المناطق الشرقية المحتلة خارج الحلف مؤقتًا.
والنموذج الثاني يستند إلى التجربة الفنلندية، إذ تعرضت فنلندا للهجوم من قبل الاتحاد السوفيتي في عام 1939، مما أجبرها على اتخاذ مسار صعب للبقاء.
اضطرت هلسنكي للتنازل عن جزء من أراضيها والموافقة على سياسة الحياد لتجنب الابتلاع الكامل من قبل موسكو.
وخلال فترة الحرب الباردة، نجحت فنلندا في البقاء جزءًا من المعسكر الغربي، لكن بسيادة مقيدة واقتصاد مرتبط بشكل وثيق بالاتحاد السوفيتي.
ورغم أن بعض مراكز الأبحاث تطرح هذا النموذج كحل محتمل للأزمة الأوكرانية، إلا أن فنلندا نفسها تعارض هذه الفكرة بشدة.
وتوضح وزيرة الخارجية الفنلندية إلينا فالتونين، موقف بلادها قائلة: "أوكرانيا كانت محايدة قبل أن تتعرض للهجوم من قبل روسيا. هذا بالتأكيد ليس شيئًا أود فرضه على أوكرانيا".
وتجدر الإشارة إلى أن فنلندا نفسها تخلت عن سياسة الحياد التي تبنتها لعقود وانضمت إلى حلف الناتو العام الماضي، في خطوة جاءت كرد مباشر على الحرب الروسية على أوكرانيا، مما يؤكد أن نموذج الحياد قد لا يكون ضمانًا كافيًا للأمن في مواجهة التهديدات الروسية.
معوقات السلام والمستقبل المجهول
تكشف "بوليتيكو" عن عمق الفجوة بين مواقف الأطراف المتصارعة، فبينما يصر الكرملين على شروطه الأساسية المتمثلة في انسحاب أوكرانيا من المناطق التي تسيطر روسيا عليها، والتخلي عن فكرة الانضمام إلى الناتو، والتحول إلى دولة محايدة، يحذر زيلينسكي من أن تجميد النزاع دون موقف قوي لأوكرانيا سيمنح بوتين فرصة للعودة خلال سنوات قليلة "لتدميرنا بشكل كامل".