وسط تصاعد التوترات في الصراع الروسي الأوكراني، يبرز تعيين الجنرال المتقاعد جوزيف كيلوج كمسؤول رئيسي لإدارة خطة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لإنهاء الحرب.
هذه الخطة، التي وُضعت ضمن وثيقة نشرها معهد "أمريكا أولاً للسياسة" (AFPI)، وفق تحليل نشرته صحيفة "كييف بوست" تسعى لتقديم حل دبلوماسي شامل للصراع المستمر، لكن بين الطموحات المعلنة والتحديات الميدانية، تثير الخطة تساؤلات حول واقعيتها وجدواها.
كيلوج.. مهندس الخطة الأمريكية
يُعد كيلوج، المحارب المخضرم في فيتنام، أحد العقول المدبرة لخطة إدارة ترامب القادمة بشأن أوكرانيا، ونشر معهد "أمريكا أولاً للسياسة" وثيقة سياسية أعدها كيلوج وفريد فليتز، تتضمن استراتيجية دبلوماسية تجبر روسيا وأوكرانيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ووعد ترامب خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، ما يعكس طموحًا كبيرًا لإنجاز دبلوماسي سريع.
محاور الخطة
تعتمد الخطة، كما حددها كيلوج، على مجموعة من الافتراضات الأساسية، هي: "روسيا عدوانية ولا يمكن الوثوق بها، الناتو يجب أن يكون قويًا لردع العدوان الروسي، الحرب الطويلة بين أوكرانيا وروسيا تضعف الناتو وتشتت انتباه واشنطن عن الصين، الاعتراف بالاحتلال الروسي لأراضٍ أوكرانية غير مقبول، أوكرانيا لا تستطيع تحمل حرب طويلة بسبب نقص القوى العاملة".
التفاصيل العملية للخطة
تطالب الخطة بوقف إطلاق نار رسمي وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين القوات الروسية والأوكرانية، وتشمل الشروط تخلي أوكرانيا عن الانضمام إلى الناتو مقابل ضمانات أمنية دولية، مع استمرار العقوبات الغربية على روسيا حتى تنسحب قواتها من الأراضي الأوكرانية.
كما تشمل الخطة تمويل إعادة إعمار أوكرانيا من خلال "رسوم" تُفرض على صادرات الطاقة الروسية.
نقاط القوة والضعف
يرى كيلوج أنَّ الحل لمخاوف أوكرانيا الأمنية هو إنشاء بنية أمنية تعتمد على اتفاقيات ثنائية بدلًا من الانضمام إلى الناتو.
ويعترف كيلوج بأن روسيا لم تلتزم بتعهداتها السابقة، ما يثير تساؤلات حول جدوى أي ضمانات أمنية مستقبلية.
تشير التقديرات إلى أنَّ تنفيذ بنية دفاعية طويلة الأمد لأوكرانيا سيكلف الولايات المتحدة أضعاف الدعم الحالي، وهو ما يضع عبئًا ماليًا ثقيلًا على دافعي الضرائب الأمريكيين.
على سبيل المثال، أنفقت الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو نحو 380 مليار دولار عام 2024 على الردع ضد روسيا، مقارنة بـ60 مليار دولار قدمتها واشنطن لأوكرانيا.
ويعاني المخزون الأمريكي من أسلحة مثل صواريخ باتريوت من نقص خطير، ما قد يضعف قدرة الولايات المتحدة على دعم أوكرانيا مستقبلًا.
وأشار الأدميرال سام بيبيو إلى أنَّ التزامات واشنطن تجاه أوكرانيا وإسرائيل أضعفت الإمدادات العسكرية الأمريكية.
تناقضات في تصريحات كيلوج
في عام 2023، شدد "كيلوج" على ضرورة تسليح أوكرانيا حتى تحقيق النصر، لكنه في تصريحاته الأخيرة، دعا إلى مفاوضات لإنهاء الصراع.
وقال كيلوج إنَّ الولايات المتحدة ستدفع الطرفين للتفاوض، مهددًا روسيا بمزيد من التسليح لأوكرانيا إذا رفضت الحوار، لكنه اعترف بأن التهديدات قد تبدو "جوفاء" في غياب قدرة فعلية على تنفيذها.
مواقف روسيا وأوكرانيا من الخطة
وترفض موسكو أي شروط تمس أهدافها المعلنة، بما في ذلك السيطرة على زابوريجيا وخيرسون ودونيتسك ولوغانسك، وتشدد على حياد أوكرانيا وتقليص حجم جيشها.
فيما تُصرُّ كييف على استعادة سيادتها الكاملة، وترفض أي اتفاق يعرّض أمنها للخطر، وتعتبر الدعم العسكري الغربي أمراً حيوياً لمواجهة التهديدات الروسية المستمرة.
عقبات أمام التنفيذ
وتتطلب الخطة زيادة كبيرة في الإنفاق الأمريكي على الدفاع والأمن، ما قد يثير جدلاً سياسيًا داخليًا في واشنطن، وفي غياب عضوية الناتو، سيظل الردع ضد روسيا معتمدًا على التزام غربي طويل الأمد، وهو أمر غير مضمون.
وأظهرت تجربة إدارة ترامب السابقة أنَّ صناع القرار المخضرمين مثل كيلوج قد يُستبعدون إذا تعارضت أفكارهم مع رؤية ترامب الشخصية.
وبين طموحات إنهاء الحرب وتحديات الواقع، تمثل خطة كيلوج محاولة جريئة لإعادة تشكيل ملامح الصراع الروسي الأوكراني، ومع ذلك، فإن نجاحها يعتمد على تحقيق توازن دقيق بين المصالح الأمريكية، ومتطلبات الأمن الأوكراني، وضغوط المجتمع الدولي.
وبينما يبقى التنفيذ أمرًا معقدًا، فإن الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه الخطة قادرة على إنهاء أحد أكثر الصراعات تعقيدًا في العصر الحديث.