في عالم السياسة، حيث نادرًا ما يُمارس العفو، أثار قرار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، جو بايدن، بمنح عفو كامل وغير مشروط لابنه هانتر جدلاً واسعاً.
القرار الذي أثار تساؤلات عميقة حول الحدود الفاصلة بين دور الأب ومسؤوليات الرئيس، عكس في طياته صراعًا داخليًا ومعركة شخصية، وجدد الحديث عن العدالة والنظام السياسي في الولايات المتحدة.
إعلان مفاجئ ومبررات قوية
في خطوة مفاجئة، أعلن بايدن، قبيل انتهاء ولايته، توقيعه عفوًا رئاسيًا كاملًا وغير مشروط عن ابنه هانتر، الذي يواجه تهمًا خطيرة تتعلق بحيازة السلاح والتهرب الضريبي، وأكد بايدن، وفق "سي إن إن" أن هذا القرار، جاء دفاعًا عن ابنه الذي عانى، حسب قوله، من ملاحقة سياسية وانتقائية.
وأشار بايدن إلى أن التهم الموجهة إلى هانتر جاءت في سياق سياسي، حيث استغل خصومه القضية للهجوم عليه وإضعاف رئاسته. وقال بايدن في بيانه: "في محاولة لكسر هانتر، حاولوا كسري. لا يمكن لعقل منصف النظر إلى الحقائق دون أن يدرك أن ابني استهدف لأنه ابني، وهذا خطأ".
هانتر بايدن بين الإدانة والدفاع
هانتر بايدن، البالغ من العمر 54 عامًا، هو الابن الأصغر لجو بايدن، وآخر أبنائه على قيد الحياة بعد وفاة شقيقه الأكبر بو بايدن عام 2015.
وواجه هانتر اتهامات متكررة نتيجة إدمانه السابق للمخدرات وسلوكه الشخصي، إضافة إلى اتهامات بإدارة أعمال مشبوهة في الصين وأوكرانيا أثناء تولي والده منصب نائب الرئيس.
القضية الأولى التي حصل فيها هانتر على العفو تتعلق بالتهرب الضريبي بقيمة 1.4 مليون دولار، والتي أقر خلالها بذنبه كجزء من صفقة إقرار بالذنب كانت ستنتهي بعقوبة مخففة، أما القضية الثانية فتتعلق بحيازة السلاح، حيث ملأ استمارة فيدرالية ادعى فيها أنه ليس مدمنًا، رغم تعاطيه المخدرات آنذاك.
تداعيات سياسية واسعة
قرار بايدن أثار موجة من الانتقادات الحادة من خصومه الجمهوريين وبعض الديمقراطيين على حدٍ سواءٍ. واعتُبر القرار نكثًا لوعده السابق بعدم التدخل في النظام القضائي، ما عرضه لاتهامات بالنفاق.
وقال جيمس كومر، رئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب: "جو بايدن كذب من البداية إلى النهاية بشأن نفوذ عائلته، هذا القرار يعكس استغلالًا للسلطة".
الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي اتهم سابقًا بسوء استغلال العفو الرئاسي، استغل الفرصة ليشكك في نزاهة القرار، قائلًا: "يا له من تشويه للعدالة!"
انتقادات وتحليلات
الإعلام الأمريكي والعالمي لم يلتزم الصمت، إذ وصفت صحيفة "الجارديان" القرار بأنه محاولة سياسية منافقة، بينما أكدت "نيويورك تايمز" أن العفو يمنح ترامب سلاحًا لمهاجمة الديمقراطيين في المستقبل.
وفي تعليق لافت، كتبت "سي إن إن": "القرار يهدد مصداقية بايدن ويضعف النظام القضائي الأمريكي، إذ يبدو وكأنه صفعة لوعوده الانتخابية السابقة باستعادة سيادة القانون".
بين بايدن وأسلافه
بايدن ليس أول رئيس يمنح عفوًا لأحد أفراد أسرته، بيل كلينتون عفا عن أخيه غير الشقيق المدان بتعاطي الكوكايين، بينما منح ترامب عفوًا لوالد صهره وعدد من المقربين منه.
لكن قرار بايدن يعد الأول من نوعه من حيث منح العفو لابنه، ما أثار جدلًا حول ازدواجية المعايير.
ويظل قرار بايدن بمنح العفو لابنه لحظة فاصلة في تاريخ رئاسته، حيث يثير التساؤلات حول العدالة والنزاهة في العمل السياسي، وبينما تتواصل الانتقادات، يبقى القرار انعكاسًا لصراع داخلي بين دور الأب ومسؤوليات القائد، تاركًا إرثًا مثيرًا للجدل بشأن مفهوم العفو الرئاسي في الولايات المتحدة.