تحوَّل الفوز المفاجئ للمرشح القومي المتطرف الموالي لروسيا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، إلى اختبار حاسم بالنسبة لتطبيق التواصل الاجتماعي "تيك توك"، بعد الكثير من الإشارات للدور المزعوم الذي لعبه خلال الاقتراع في التلاعب بالناخبين.
وحسب تقرير للنسخة الأوروبية لصحيفة "بوليتيكو"، تجاهل التطبيق المملوك للصين -على مدى سنوات- المخاوف الأمنية في الولايات المتحدة وأوروبا من إمكانية استخدامه للتلاعب الجماعي، لكنَّه يواجه الآن عاصفة تنظيمية مكثفة في بوخارست حول ما إذا كان لعب دورًا في تحريف العملية الديمقراطية في دولة عضو بالاتحاد الأوروبي، يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة.
وأبرز التقرير ظهور علامات استفهام كبرى لدى الجهات التنظيمية للإعلام ومراقبي الانتخابات حول كيفية صعود كالين جورجيسكو، وهو شخص غير معروف ومتشكك في جدوى حلف شمال الأطلسي "الناتو" ومعجب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فجأة من الظل.
ويشتبه بعض السياسيين والخبراء في أنَّ الفوز نتيجة عملية سريَّة أُجريت من خلال آلاف الحسابات المزيفة؛ حسب "بوليتيكو"، بينما اقترح مراقبون آخرون أنَّ جورجيسكو اتبع ببساطة الدليل التقليدي لليمين المتشدد الذي شهد في العام الماضي تفوق الشعبويين على الوسطيين الحاكمين في دول من فرنسا إلى النمسا والولايات المتحدة.
واشتملت هذه الطريقة جزئيًا على تجنب وسائل الإعلام السائدة، واستهداف الناخبين برسائل مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات.
صعود جورجيسكو
بالنسبة للسياسيين الرومانيين، كان تطبيق "تيك توك" ضخمًا للغاية بحيث لا يمكن تجاهله عند إدارة حملتهم الرئاسية لعام 2024، إذ يبلغ عدد مستخدمي التطبيق في البلاد 8 ملايين.
وسئِم معظم الرومانيين عمومًا من التغطية الإخبارية، إذ لا يثق في الأخبار سوى 27% فقط، انخفاضًا من 42% في عام 2021، وفقًا لمعهد "رويترز".
ونقلت "بوليتيكو" عن بوجدان مانوليا، المدير التنفيذي لجمعية التكنولوجيا والإنترنت، وهي منظمة غير حكومية مقرها رومانيا، أنَّ الأحزاب السياسية "حاولت الاستفادة من حقيقة أن الكثير من مستخدمي الإنترنت لم يعودوا يقرؤون وسائل الإعلام التقليدية".
وأكد التقرير أن جورجيسكو استغل هذه القوة على أفضل وجه، إذ كان فعالاً في استخدام "تيك توك" لنقل رسائل قومية مبسطة، لاقت صدى لدى الناخبين من جهة عدم الرضا عن الجماعات السياسية السائدة، كما قال كيث كيلي، منسق المرصد البلغاري الروماني للإعلام الرقمي.
ورغم أنه كان لدى المرشحين الأربعة الرئيسيين عدد كبير من المتابعين على "تيك توك"، لكن الانطلاقة الأخيرة لجورجيسكو دقّت ناقوس الخطر بالنسبة للسلطات.
ففي الشهرين الأخيرين على وجه الخصوص ارتفعت شعبيته، وحصل على 120 مليون مشاهدة، وفقًا لما ذكره المرصد الأوروبي للإعلام الرقمي هذا الأسبوع.
وتدور ادعاءات حول أنَّ صعود جورجيسكو لم يكن مدفوعًا بالمحتوى الجذاب الذي انتشر على نطاق واسع فحسب.
وأشار باحثون ومنظمات غير حكومية إلى تكتيكين مشكوكًا فيهما، ربما اعتمد عليهما جورجيسكو حتى يتم التقاط حسابه بواسطة خوارزمية "تيك توك"، وهما إما أن يتم نشر حسابات مزيفة في حملة منسقة للترويج لحسابه، وإما يتم دفع أموال للمؤثرين للترويج لحسابه بشكل مباشر.
لكنَّ شركة "تيك توك" رفضت هذه الادعاءات بشدة؛ وقالت في رسالة للسلطات الرومانية: "حتى الآن، لم نعثر على أي دليل على وجود عملية تأثير سري على منصتنا خلال الأسابيع القليلة الماضية للانتخابات الرئاسية الجارية في رومانيا، ولا دليل على وجود نفوذ أجنبي".
وأضافت "تيك توك" أنها أزالت أكثر من 150 حسابًا انتحالًا مرتبطًا بجورجيسكو وأكثر من 650 حسابًا مرتبطًا بمرشحين آخرين.
انتهاكات محتملة
بالنسبة لـ"تيك توك"، التطبيق المملوك لشركة "بايت دانس" الصينية، يبدو رد الفعل العنيف في رومانيا أشبه بما واجهته "فيسبوك" في أعقاب تصويت استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، والكشف عن أن شركة البيانات الضخمة "كامبريدج أناليتيكا" ساعدت حملة الخروج من خلال التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي والتأثير على المستخدمين.
ولفت التقرير إلى أن مقاطع الفيديو الجذابة على "تيك توك" -التي أدت إلى صعود جورجيسكو غير المتوقع- كانت مصحوبة بموسيقى درامية وترجمات، إذ ظهر وهو بالكاد يتعرق على مضمار الجري، ويقلب خصومه في الجودو -على طريقة بوتين- ويمتطي حصانًا أبيض مرتديًا قميصًا رومانيا تقليديًا.
وأشارت السلطات في بوخارست إلى "مخالفات مختلفة" بشأن تعامل "تيك توك" بشكل عام مع الانتخابات، والغموض بشأن من دفع ثمن حملة جورجيسكو عبر الإنترنت، والإحباط بسبب الاستجابة البطيئة للتطبيق لطلبات السلطات.
وتوصل المجلس الأعلى للدفاع في رومانيا إلى أنَّ الهجمات الإلكترونية "حاولت التأثير على الانتخابات"، وأشار بقوة إلى أنَّ روسيا "ربما لعبت دورًا في ذلك".
وقال المجلس، في بيانٍ، إن "تيك توك" فشل في تحديد مرشح واحد لم يُذكر اسمه -يُفترض أنه جورجيسكو- كمرشح انتخابي، ما يعني أن مقاطع الفيديو الخاصة به لم تُصنف بموجب قانون انتخابي، كما يقتضي القانون الروماني.
وقال المجلس إنَّ هذا أدى إلى زيادة ظهوره (جورجيسكو) بشكل كبير، وكان له تأثير على النتيجة النهائية في انتهاك للقواعد.
وطالب المجلس سلطات إنفاذ القانون بإجراء مزيد من التحقيقات بشأن انتهاك "تيك توك" لقانون الانتخابات الروماني، كما طلبت المحكمة العليا في رومانيا إعادة فرز الأصوات.
في المقابل، تنفي الشركة المالكة لـ"تيك توك" أن يكون جورجيسكو عُومل بشكل مختلف.
وقال المتحدث باسم الشركة، باولو جانينو: "من الخطأ بشكل قاطع الادعاء بأن حسابه عومل بشكل مختلف عن أي مرشح آخر"، مضيفًا أنَّ المرشح الفائز "عومل بنفس الطريقة التي عومل بها أي مرشح آخر على تيك توك، وخاضعًا لنفس القواعد والقيود تمامًا".
كما نفت الشركة -في وقت سابق- أنَّها لاحظت أي شيء يشبه التدخل الأجنبي أو إساءة استخدام منصتها، ووصف جانينو التقارير المتعلقة بالتدخل المحتمل في الانتخابات بأنها "تخمينية للغاية" و"غير دقيقة ومضللة".