أثبت المخرج البوسني دانيس تانوفيتش مكانته كمخرج عالمي من خلال أعماله المؤثرة، وعلى رأسها فيلمه No Man's Land (أرض لا رجل فيها) الذي حصد جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2001، إلى جانب العديد من الجوائز الأخرى. هذه النجاحات جعلته نموذجًا يُحتذى به في تحويل التجارب الشخصية إلى إبداع فني عالمي.
شارك "تانوفيتش" بعضًا من ملامح تجربته السينمائية مع جمهور مهرجان القاهرة السينمائي، مقدمًا بعض النصائح لصنّاع السينما، كما تطرق إلى ما تشهده فلسطين من مأساة حاليًا، وذلك خلال محاضرة لرئيس لجنة التحكيم الذي تم تكريمه أيضًا ضمن فعاليات المهرجان.
شدّد "تانوفيتش" في المحاضرة على أهمية أن يعرف المخرج ما يريد أن يقوله تمامًا في الشريط السينمائي، وما يرغب المشاهدون في رؤيته، موضحًا أن "جوهر أي فيلم يتمثل في القصة التي يرغب في إيصالها للجمهور، كما أنه من المهم أن يكون المخرج ملمًا بجميع جوانب صناعة الفيلم، ولهذا تعلم التصوير والإنتاج، وأيضا التمثيل".
دانيس تانوفيتش: من جندي في حرب البوسنة إلى مخرج يوثق المأساة
تعد حرب البوسنة (1992-1995) واحدة من أعنف الصراعات التي شهدتها منطقة البلقان، وكانت سببًا رئيسيًا في تفكك جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية إلى عدة دول مستقلة، من بينها البوسنة والهرسك، وكرواتيا، وصربيا. هذه الحرب لم تقتصر على القتال المسلح فقط، بل كانت أيضًا مصدر إلهام وإبداع للفنانين والمخرجين الذين عايشوا تلك الفترة المأساوية، ومن بينهم المخرج البوسني دانيس تانوفيتش.
لعب تانوفيتش، الحاصل على جوائز عالمية، دورًا محوريًا خلال سنوات الحرب، إذ لم يكن مجرد متابع للأحداث، بل كان جزءًا منها. فقد عمل جنديًا لمدة 3 سنوات أثناء الصراع، وشهد بنفسه الأهوال التي تعرّض لها المدنيون والعسكريون على حد سواء. وخلال هذه الفترة، كان يوثق الواقع المؤلم من خلال الكاميرا، مسجلًا لحظات الحرب وآثارها المدمرة على المجتمع البوسني.
من الحرب إلى السينما
وكشف المخرج أنه بعد انتهاء الحرب، قرر استكمال شغفه بالتصوير، فدرس السينما وسخر خبراته السابقة في توثيق الصراع لتقديم أفلام تعكس معاناة الإنسان خلال الحروب، وكان من أبرز أعماله فيلم No Man's Land "أرض لا رجل فيها"، الذي حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2002، ويعكس الفيلم بعمق عبثية الحرب وتأثيرها المدمر على الأفراد والمجتمعات.
الحرب والبدايات
تحدث تانوفيتش عن بداية مسيرته السينمائية خلال الحرب في البوسنة، واصفًا تلك الفترة بأنها الأقرب إلى قلبه رغم قسوتها. كما استرجع ذكرياته عن حضور الأفلام وهو يرتدي الزي العسكري وسط مشاهد الحرب والدمار. وقال: "كنت أذهب للسينما مرتديًا الزي العسكري، وفي أحد الأيام بكيت أثناء مشاهدة فيلم، ووجدت الحضور يبكون أيضًا، وهذا ما جعلني أؤمن بأن السينما ساحرة، وقادرة على التأثير حتى في أصعب الظروف".
توثيق الذاكرة الإنسانية
تمثل أعمال تانوفيتش شهادة حية على فظائع الحرب البوسنية، وتؤكد أهمية السينما كأداة توثيق للذاكرة الإنسانية وتسلّط الضوء على معاناة الشعوب، وتساعد في نقل الحقيقة إلى العالم. وأضفت تجربته الشخصية في الحرب على أفلامه بعدًا إنسانيًا عميقًا، جعلها مؤثرة في سرد المآسي الإنسانية.
مقارنة مع غزة
تطرق المخرج إلى الأوضاع في غزة، معربًا عن تعاطفه العميق مع الشعب الفلسطيني. وأوضح أن ما يحدث في فلسطين أكبر بكثير ولا يقارن بما عاصره وقت حرب البوسنة، متمنيًا أن يتمكن الأطفال هناك يومًا ما من التعبير عن تجربتهم من خلال السينما، لأنها أداة قوية لنقل الحقيقة للعالم.