مخرج العمل: نحن بشر ولسنا أرقامًا.. والفيلم تجربة شخصية عشتها
في عالم يكتظ بالأرقام والإحصاءات التي تختصر الحروب في خسائر مادية وبشرية، يأتي فيلم "جاد وناتالي" ليعيد البشرية إلى لُبّ إنسانيتها، إذ يفتح المخرج الفلسطيني أوس البنا نافذة على قصة حُبٍّ تحطمت على صخور الحرب، لكنه لا يكتفي بسرد ألم الفقد، بل يحوّله إلى رسالة عالمية تحمل بين طياتها قوة الأمل ورغبة الإنسان في الحياة.
من غزة التي عاشت الدمار، ينبثق هذا العمل السينمائي كحلم تحقّق رغم كل التحديات، ليصل إلى أعرق المحافل الفنية، باعثًا رسالةً مفادها أن الفلسطيني يحمل في قلبه حبًا وأحلامًا تفوق حدود المأساة.
"جاد وناتالي" فيلم مستوحى من قصة حقيقية عاشها شخصيًا، وقال "البناء" في تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية": "القصة تعود إلى فترة الحرب على غزة عام 2006، حين كنت على علاقة حب مع فتاة تدعى نور، وكنا نخطط للزواج، وخلال تلك الفترة كنا نحلم بأسماء أطفالنا المستقبليين، واخترنا أن نسميهم جاد وناتالي، ولكن هذا الحلم انتهى مع الحرب التي فرّقت بيننا"، مؤكدًا أن أن الفيلم يجسد تلك القصة التي عاشها، ويعكس الأحلام التي دُمرت بسبب الحرب.
صعوبة الكواليس: وجع الذكريات
استعاد "البنا" لحظات تصوير الفيلم التي وصفها بأنها من أصعب التجارب في حياته، قائلًا: "استرجاع الذكريات أثناء التصوير كان مؤلمًا للغاية، إذ شعرت وكأنني أعيش الصدمة مجددًا.. هذه الكواليس أعادتني إلى حالة اكتئاب عميق، ولكنني كنت مصممًا على إيصال رسالتي إلى العالم"، وأضاف: "رسالتي هي أن الحرب لا تسلب فقط الأرواح، بل الأحلام والحب وكل ما يملكه الإنسان".
تحديات التصوير
استعرض المخرج الفلسطيني التحديات التي واجهها خلال تصوير الفيلم، إذ أشار إلى صعوبة العثور على مواقع مناسبة في ظل ظروف الحرب، قائلًا: "كنا نتنقل بين مواقع مختلفة، وكثيرًا ما كنا نُرفَض من أصحاب المنازل.. إلى جانب ذلك، كنا بحاجة إلى تصاريح تصوير خلال الحرب، ما زاد من تعقيد المهمة".
رسالة الفيلم: الإنسان قبل الأرقام
أكد البنا أن الهدف من الفيلم إيصال رسالة إنسانية للعالم، قائلًا: "نحن بشر ولسنا أرقامًا.. لكل شخص منا حلم وحياة ومشاعر.. الحرب سرقت مني حبيبتي وأحلامي، وأردت أن أوضح أننا في غزة وفي فلسطين نعيش مثل أي إنسان آخر، نحب ونحلم ونتطلع إلى المستقبل".
من الألم إلى الأمل
على الرغم من المصاعب التي واجهها، قرر البنا تحويل معاناته إلى عمل إيجابي، إذ أنشأ مخيمًا للأطفال لدعمهم نفسيًا، موضحًا: "بعد أن فقدت منزلي وأفرادًا من عائلتي وحبيبتي، قررت أن أعمل على مساعدة نفسي ومساعدة الآخرين، فأسست مخيمًا للأطفال لدعمهم نفسيًا، واستمديت منهم طاقة إيجابية أعادت لي الأمل".
ترشيح الفيلم للأوسكار
عبّر البنا عن فخره بترشيح فيلمه لجائزة الأوسكار، إذ قال في هذا الصدد: "منذ دخولي عالم السينما، كان حلمي الوصول إلى هوليوود والأوسكار.. عندما سمعت عن ترشيح الفيلم، شعرت وكأنني تسملت هدية عظيمة.. على الرغم من أنني كنت أطمح لتقديم فيلم بعيد عن القصص المأساوية، إلا أنني فخور بأن قصتي الحقيقية وصلت إلى هذه المرحلة".
مهرجان القاهرة السينمائي
أعرب البنا عن سعادته بالمشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي، إذ أكد أنه طالما كان يحلم بالتعلم والعمل في مصر، قائلًا: "مصر هي بلد الفن، وحلمي دائمًا كان المشاركة في هذا المهرجان.. شعرت بفخر كبير عندما عُرض فيلمي بجانب أفلام لفنانين عالميين ومصريين كنت أتابع أعمالهم".
رشيد مشهراوي: الأب الروحي
اختتم البنا حديثه بالإشادة بالمخرج رشيد مشهراوي، الذي يعتبره الأب الروحي والداعم الأكبر له خلال مسيرته الفنية، قائلاً: "علاقتي به تتجاوز حدود العمل، فهو كان بمثابة أب لي، خاصة بعد فقدان والدي.. دعمني نفسيًا وشجعني على تجاوز المحن، وكان دائمًا بجانبي خطوة بخطوة".
أكد "البنا" تطلعه لمستقبل أفضل للفن الفلسطيني، متمنيًا انتهاء الحروب ليتمكن من تقديم أعمال جديدة تسلط الضوء على الإنسان الفلسطيني وحياته وأحلامه، بعيدًا عن المآسي التي فرضتها الحروب.