أظهر تحليل شامل نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أن خسارة كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم تكن نتيجة قوة الدعم لدونالد ترامب بقدر ما كانت نتيجة تراجع حاد وغير مسبوق في إقبال الناخبين الديمقراطيين على صناديق الاقتراع، إذ كشفت البيانات الأولية عن انخفاض كبير في أعداد المصوتين بالمعاقل الديمقراطية التقليدية، من المراكز الحضرية إلى الضواحي، مقارنة بما كان عليه الحال في انتخابات 2020، عندما تمكن جو بايدن من هزيمة ترامب.
انهيار المشاركة في المعاقل الديمقراطية التقليدية
كشفت نيويورك تايمز عن تراجع صادم في المقاطعات التي تعتبر معاقل تقليدية للديمقراطيين، إذ سجلت هذه المناطق انخفاضًا بنحو 1.9 مليون صوت لصالح هاريس مقارنة بما حصل عليه بايدن قبل أربع سنوات في انتخابات 2020.
وفي المقابل، نجحت المقاطعات ذات الأغلبية الجمهورية في حشد 1.2 مليون صوت إضافي لصالح ترامب.
وامتد هذا التراجع ليشمل مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك المناطق التي تشهد نموًا اقتصاديًا قويًا والمناطق التي تعاني من خسائر وظيفية، وكذلك المناطق التي تضم نسبة عالية من حاملي الشهادات الجامعية.
معركة الولايات المتأرجحة.. خسارة في التفاصيل
في ولاية بنسلفانيا، التي تعد أكبر جائزة انتخابية على خريطة الولايات المتأرجحة، تجلت المأساة الديمقراطية بشكل واضح، إذ شهدت المقاطعات الخمس التي تضم أعلى نسبة من الناخبين الديمقراطيين المسجلين تراجعًا حادًا في نسب المشاركة.
وعلى الرغم من فوز هاريس في هذه المقاطعات، إلا أن هوامش فوزها لم تكن كافية للتغلب على المناطق ذات الأغلبية الجمهورية.
وتشير الأرقام إلى أن هاريس حصلت على 78 ألف صوت أقل من بايدن في هذه المقاطعات، بينما تمكن ترامب من إضافة 24 ألف صوت إلى رصيده، ما جعل فارق الفوز في الولاية يصل إلى نحو 145 ألف صوت.
مأساة ديترويت وتداعياتها على نتيجة ميشيجان
في ولاية ميشيجان، كان التراجع في مقاطعة واين، التي تضم مدينة ديترويت وضواحيها المتنوعة مثل ديربورن وهامترامك، عاملًا حاسمًا في خسارة هاريس للولاية.
وعلى الرغم من فوزها في المقاطعة، إلا أن حصولها على 61 ألف صوت أقل من بايدن، أي ما يعادل تراجع يصل إلى 10%، مقابل زيادة أصوات ترامب بنحو 24 ألف صوت، قضى على آمالها في الفوز بالولاية التي خسرتها بفارق إجمالي بلغ 81 ألف صوت.
وفي السياق ذاته، يروي براندن سنايدر، المنظم الديمقراطي في ديترويت، تجربة صادمة عندما فشل في إقناع امرأة سوداء في منتصف العمر، بالإدلاء بصوتها خلال الأيام الأخيرة من الحملة، في مؤشر خطير على فقدان الحزب لدعم أكثر قواعده ولاءً.
الأزمة تتجاوز حدود الولايات المتأرجحة
لم تقتصر أزمة المشاركة الديمقراطية على الولايات المتأرجحة فحسب، بل امتدت لتشمل معظم أنحاء البلاد، إذ حصلت هاريس على أصوات أقل من بايدن في 36 ولاية من أصل 47 اكتملت فيها عملية فرز الأصوات.
وفي المقاطعات الحضرية على مستوى البلاد، تراجعت أصوات هاريس بنحو مليوني صوت مقارنة بما حصل عليه بايدن قبل أربع سنوات.
وكان التراجع صارخًا بشكل خاص في مقاطعة كوك بولاية إلينوي، موطن مدينة شيكاغو، إذ انخفض إجمالي المشاركة بنسبة 20%، وحصلت هاريس على 417 ألف صوت أقل من بايدن، في حين حافظ ترامب على مستوى أصواته تقريبًا.
عوامل الخسارة
يرجع المحللون، وفقًا لنيويورك تايمز، أسباب هذه الخسارة إلى مجموعة معقدة من العوامل، فمن ناحية، كان من المتوقع حدوث بعض التراجع بعد المشاركة القياسية في 2020، التي تعززت بفضل التغييرات في قواعد التصويت خلال جائحة كورونا.
كما أن هاريس واجهت تحديًا إضافيًا يتمثل في ضيق الوقت المتاح لها لإعادة هيكلة الحملة بعد تنحي بايدن.
لكن الانتقادات الأكثر حدة وجهت إلى استراتيجية حملتها، خاصة فيما يتعلق بمحاولة استمالة الناخبين الجمهوريين المعتدلين من خلال التحالف مع شخصيات مثل ليز تشيني، في حين كان يمكن استثمار هذا الوقت والجهد في تعزيز الحماس بين القواعد الديمقراطية التقليدية.
تحول استراتيجي في الحملات الانتخابية
برز عامل حاسم آخر في نتيجة الانتخابات يتمثل في الفروق الهيكلية بين الحملتين الجمهورية والديمقراطية، فبينما اعتمدت حملة هاريس على النهج التقليدي في التواصل مع الناخبين من خلال مكاتب ميدانية، استفاد ترامب من قرارات انتخابية فيدرالية جديدة سمحت بالتنسيق المباشر مع المجموعات الخارجية المتخصصة في حشد الناخبين.
وفي السياق ذاته، لعب دعم إيلون ماسك بمبلغ 175 مليون دولار دورًا محوريًا في تمويل حملات التواصل مع الناخبين.
وكما تقول دونا برازيل، الرئيسة السابقة للجنة الوطنية الديمقراطية، فإن المسألة تتعلق باختلاف الاستراتيجيات، إذ نجح ترامب في الحفاظ على زخم رسائله القوية من خلال التجمعات والبودكاست والظهور الإعلامي المكثف، في حين اكتفى الديمقراطيون بالتنافس في 7 ولايات متأرجحة فقط.