أهّلت الخبرة العريضة في إدارة المهرجانات السينمائية المصرية، الناقد السينمائي عصام زكريا، ليكون جديرًا بمنصب مدير مهرجان القاهرة السينمائي، ليخوض تجربة جديدة مع الدورة الـ45 التي تنطلق خلال الأيام المقبلة محملة بالكثير من التحديات، خصوصًا في ظل الأحداث الجارية عربيًا وعالميًا، والتي لا تنفصل عنها فعاليات المهرجان.
حول هذه التحديات وسط الظروف المحيطة، قال "زكريا" إنّ هناك اهتمامًا خاصًا بالسينما والقضية الفلسطينية، بداية من اختيار فيلم الافتتاح "أحلام عابرة" للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، وصولًا بتخصيص جوائز للسينما الفلسطينية وبرامج عروض وفعاليات متنوعة تبرز الصوت الفلسطيني، مؤكدًا حرصه على أن تكون القضية حاضرة بقوة في المهرجان، ورفض إدارة المهرجان القاطع لفكرة التعاون مع أي جهة مدرجة في قائمة المقاطعة.
السينما العربية
ومع تنافس المهرجانات المختلفة على جذب أبرز إصدارات السينما العربية، أشار "زكريا"، في تصريحات صحفية، إلى أن برنامج السينما العربية يتضمن في الدورة المقبلة عددًا غير مسبوق من الأفلام الجيدة جدًا فنيًا، كما تم استحداث تغييرات مهمة في ما يتعلق بالجوائز المقدمة للسينما العربية تحقق توازنًا مستحقًا، لتصبح جوائز مالية لأول مرة، وتتنافس عليها كل الأفلام العربية الطويلة المشاركة في المهرجان، سواءً في المسابقة الدولية أو في آفاق السينما العربية الذي تحوّل إلى برنامج وليس مسابقة.
أما عن مشاركة فيلم مصري واحد فقط –حتى الآن- في المسابقة الدولية، يرى مدير المهرجان أنّه ليس شرطًا كون المهرجان يحدث في مصر أن يولي عناية خاصة بعرض الفيلم المصري، لأن "القاهرة السينمائي" مهرجان دولي بالأساس، مشددًا على أن الأولى دعم الفيلم المصري من خلال عرضه في مهرجانات أخرى.
كما كشف الناقد السينمائي أنه تم تدشين برنامج جديد بعنوان "بانوراما الفيلم القصير"، يضم عددًا كبيرًا من الأفلام القصيرة لصناع أفلام مصريين لكن خارج المسابقة، سعيًا لتمكينهم، ودعم صناعة الأفلام في مصر.
تفاصيل صغيرة
يعتني مدير مهرجان القاهرة السينمائي بالتفاصيل الصغيرة بنفس قدر الاهتمام بالأمور الكبيرة، ومنها التفكير بأمور لوجيستية عديدة توفرها ضروري لإقامة المهرجان، أبرزها حفلا الافتتاح والختام، وتوفير تذاكر الطيران ومصروفات الإقامة التي تلتهم الجزء الأكبر من الميزانية، وكذلك شراء حقوق عرض الأفلام الذي يحتاج إلى مبالغ طائلة، لذا تم إعادة النظر وترتيب الأوراق في كيفية توزيع الميزانية بطريقة غير تقليدية تحقق أقصى استفادة من الموارد دون التنازل عن مكانة المهرجان الدولي شكلًا وموضوعًا، ومنها تحمل الصحفيين الأجانب تكلفة الطيران في مقابل أن يتم استضافتهم طيلة فعاليات المهرجان وليس نصف المدة فقط، وذلك نظرًا لأهمية التغطية الإعلامية للحدث السينمائي الدولي.
من أبرز الأمور الأخرى التي حرصت إدارة المهرجان على تنفيذها عدم الاستعانة بخبرات أجنبية مكلفة جدًا في ظل وجود خبرات مصرية يمكنها أن تنفذ نفس الأعمال بالجودة ذاتها، لتكون الاستعانة بالخبرات الأجنبية في حدود أن تمثل إضافة حقيقية وضرورية لفريق العمل وللمهرجان.
تقليل النفقات
وفي ما يتعلق بشراء حقوق عرض الأفلام، قال "زكريا": "قررنا اتباع سياسة مدروسة للغاية تعتمد على تقليل النفقات دون التنازل عن جودة الأفلام المختارة بعناية فائقة.. هذه الاستراتيجية اعتمدت على تعضيد فريق البرمجة من خلال الجمع بين نظام المبرمجين المتخصصين جغرافيًا وبين نظام لجان المشاهدة، وبالاستعانة بفريق كبير يساند المبرمجين في مشاهدة الأفلام وتكثيف المناقشات حولها، لكي لا ينحصر اختيار الأفلام على المبرمج وحده".
وأضاف: "بهذا النظام صارت لدينا فرص أكبر لاكتشاف أفلام عالية الجودة فنيًا وتحمل قصصها مضامين إنسانية رائعة.. فالعالم مليء بالأفلام الجيدة التي لا تحصل على فرص لأن الجميع يتسابقون للحصول على عدد محدود فقط والتي لبعضها مكان أيضًا في برنامجنا".
وأكد "زكريا" أن برنامج أفلام مهرجان القاهرة في دورته الـ45 قوي للغاية ويجمع بين الجودة الفنية والقصص الإنسانية المؤثرة والمشوقة، ومفتوح على ثقافات مختلفة وقصص قريبة من واقعنا وجذاب لشرائح متنوعة من الجمهور الذي بالتأكيد يرجع له الحكم النهائي.
أما عن تواصل المهرجان مع الجمهور، فأشار زكريا إلى توسع المهرجان خارج أسوار دار الأوبرا التي حوصر فيها لسنوات، وكذلك خارج النطاق الجغرافي التقليدي لمنطقة وسط القاهرة.
الأفلام الكلاسيكية
ويكتظ برنامج الأفلام الكلاسيكية هذا العام بعدد كبير منها أعمال مصرية مرممة حديثًا، إذ أوضح الناقد السينمائي أن هناك اهتمامًا من جهة الكم والكيف بكلاسيكيات السينما المصرية، قائلًا: "نعيش في لحظة يبدو أن الناس فيها أكثر ميلًا للحنين الى الماضي في مواجهة الوتيرة شديدة السرعة للحياة.. كل يوم يصوّر الناس آلاف الصور ولا يبقى منها شيء بينما في الماضي كانت الصورة الواحدة لها تأثير كبير جدًا.. أعتقد أن هذا وقت مهم جدًا لإعادة التواصل مع تراثنا السينمائي العظيم".
وأضاف: "حرصنا على أن يكون وجود عدد من الأفلام المصرية المرممة متاحة ضمن برنامج عروض الأفلام في قاعات العرض خارج الأوبرا حتى تتاح الفرصة للجمهور العريض أن يشاهد تراثنا السينمائي بجودة غير مسبوقة على شاشة عرض كبيرة.. ويضم برنامجنا أيضًا مجموعة متميزة من الكلاسيكيات العالمية المرممة إلى جانب جواهر السينما المصرية".
الإنتاج المشترك
وتركز فعاليات المهرجان على الإنتاج المشترك، الذي وصفه "زكريا" بـ"سمة العصر الحالي" في إنتاج الأفلام في العالم للدرجة التي غيّرت قواعد اختيار الأفلام في مسابقة الأوسكار، وأوضح: "لدينا اهتمام كبير بمسألة الإنتاج والتوزيع المشترك وهناك فعاليات كثيرة في هذا المجال في برنامج الصناعة. هناك تركيز كبير أيضًا على تصوير الأفلام الأجنبية في مصر من خلال التعاون مع لجنة الأفلام التي صارت تساهم في إتاحة وتسهيل تصوير الأفلام الأجنبية في مصر وسيتم عرض مجموعة من الأفلام الأجنبية التي تم تصويرها بمصر".
ساحة التواصل
وشدد زكريا على وجود رغبة كبيرة من إدارة المهرجان في أن يعود مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد عام من التوقف إلى أن يكون ساحة للالتقاء والتواصل بين الناس من صناع الأفلام والجمهور من كل الشرائح ومحبي السينما والطلاب.