تتجه أنظار العالم إلى ولاية بنسلفانيا الأمريكية التي تحولت إلى ساحة المعركة الأهم في السباق الانتخابي بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب، في هذا الصدد سلّطت شبكة "بي بي سي" الضوء على تفاصيل المشهد الانتخابي في هذه الولاية التي يمكن أن تحدد هوية الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية.
معركة الساعات الأخيرة
في مشهد يعكس أهمية الولاية، يخوض المرشحان سباقًا محمومًا، إذ كثّفت نائبة الرئيس كامالا هاريس حضورها في الولاية بأربعة ظهورات متتالية قبل انطلاق الاقتراع، إذ اختارت أن تختتم حملتها بتجمعات جماهيرية حاشدة في مدينتي بيتسبرج وفيلادلفيا.
وفي خطوة لافتة، استعانت هاريس بنجوم المجتمع الأمريكي، على رأسهم الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، في محاولة لحشد أكبر عدد ممكن من الناخبين.
في المقابل، لم يتوان الرئيس السابق دونالد ترامب عن إظهار اهتمامه البالغ بالولاية، إذ عقد تجمعين انتخابيين كبيرين في بيتسبرج وريدينج في ختام حملته قبل انطلاق الاقتراع.
ويأتي هذا التركيز المكثف من الجانبين في ظل تقديرات خبير الانتخابات المعروف نيت سيلفر، الذي يؤكد أن الفائز في بنسلفانيا تتجاوز فرصه 90% للوصول إلى البيت الأبيض.
الطريق إلى البيت الأبيض
أشارت "بي بي سي" إلى أن بنسلفانيا تكتسب أهمية استثنائية في المشهد الانتخابي الأمريكي، فهي تمتلك 19 صوتًا في المجمع الانتخابي، ما يجعلها خامس أكبر ولاية من حيث عدد السكان في الولايات المتحدة.
وتكشف تحليلات الخبراء أن المسار الأقصر للديمقراطيين نحو البيت الأبيض يتطلب الفوز بثلاث ولايات رئيسية، وهي بنسلفانيا وويسكونسن وميشيجان، إضافة إلى دائرة انتخابية واحدة في نبراسكا.
أما المسار الجمهوري، فيتطلب من ترامب الفوز ببنسلفانيا إلى جانب ولايتي نورث كارولينا وجورجيا للعودة إلى البيت الأبيض.
والأهم من ذلك، كما يؤكد المحللون، أن خسارة بنسلفانيا تعني أن ترامب سيحتاج إلى قلب نتائج ثلاث ولايات على الأقل من الولايات التي فاز بها جو بايدن في انتخابات 2020، وهو سيناريو يبدو صعب المنال.
نموذج مصغر لأمريكا
تمثل بنسلفانيا صورة مصغرة للمجتمع الأمريكي بكل تنوعاته وتحولاته، فعلى الصعيد الاقتصادي، تشهد الولاية تحولًا كبيرًا من نموذج الصناعات التقليدية إلى الاقتصاد الحديث، مع احتفاظها بقطاع طاقة قوي يعتمد على احتياطيات النفط الصخري.
وتحتل الزراعة المرتبة الثانية في اقتصاد الولاية، ما يعكس تنوعًا اقتصاديًا لافتًا.
ديموغرافيًا، تعكس الولاية التركيبة السكانية المتغيرة للولايات المتحدة، ففي حين يشكل البيض الأغلبية، تشهد الولاية نموًا متزايدًا في مجتمعات المهاجرين.
وتحولت مدن مثل ألينتاون، المدينة العمالية الشهيرة إلى مدينة ذات أغلبية من أصول إسبانية، كما أن نسبة السكان السود في الولاية، البالغة 12%، تقترب من المعدل الوطني البالغ 13%.
الجغرافيا السياسية والتحديات
تكشف "بي بي سي" عن تعقيدات المشهد السياسي في بنسلفانيا، إذ تميل المدن الكبرى مثل فيلادلفيا وبيتسبرج بقوة نحو الديمقراطيين، بينما تسيطر المناطق الريفية الواسعة بين المدينتين على التوجهات الجمهورية.
وفي تطور لافت، بدأت الضواحي التي كانت معقلًا تقليديًا للمحافظين في الميل نحو اليسار، ما يضيف بعدًا جديدًا للمشهد السياسي.
وتشير آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" وكلية "سيينا" إلى تعادل المرشحين عند نسبة 48% من أصوات الناخبين المحتملين، ما يجعل المعركة في غاية التنافسية.
ويزداد المشهد تعقيدًا مع وجود أكثر من 217 ألف بطاقة اقتراع مكتملة لا يمكن فرزها حتى ليلة الانتخابات، إضافة إلى 27 ألف بطاقة للعسكريين والناخبين في الخارج.
استراتيجيات المرشحين وحسابات الفوز
في ظل هذا المشهد المعقد، يتبع كل مرشح استراتيجية محددة للفوز، إذ تركز حملة هاريس على تحقيق فوز ساحق في المدن الكبرى وضواحيها لتعويض تفوق ترامب في المناطق الريفية، وتسعى لاستمالة الناخبين المعتدلين والجمهوريين، خاصة الـ160 ألف ناخب الذين صوّتوا لنيكي هايلي في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
في المقابل، تركز حملة ترامب على تعبئة قواعده في المناطق المحافظة وتسجيل ناخبين جدد، كما يستهدف فريقه الناخبين من الطبقة العاملة والشباب من الذكور السود، حيث تشير البيانات إلى إحراز تقدم في هذه الفئات.
وقد انخفض الفارق في عدد الناخبين المسجلين بين الحزبين إلى أدنى مستوى منذ بدء تسجيل الأرقام في 1998.
وفي هذا السياق، يحذّر كريج سنايدر، الموظف السابق في مجلس الشيوخ الجمهوري، من أن عملية فرز الأصوات قد تستغرق عدة أيام، وفي حال كانت النتيجة متقاربة، قد نشهد سلسلة من الدعاوى القضائية وعمليات إعادة الفرز، ما يجعل النتيجة النهائية غير محسومة لفترة من الوقت.