تستمد المهرجانات السينمائية الكبرى قوتها وحضورها الدولي إلى حد كبير من درجة تأثيرها ومساهمتها في إثراء الصناعة، وفتح النافذة أمام صناعة السينما المحلية للبلد الذي تقام به فعاليات المهرجان إلى العالمية، سواءً على المستوى الجغرافي أو الكمي من ناحية عدد الإنتاجات السينمائية السنوية، وأيضًا رفع مستوى جودتها لتضاهي الأفلام العالمية.
نحو ذلك الهدف، اتجهت إدارة مهرجان الجونة وعدّلت توجيه بوصلتها أكثر في الدورة السابعة التي أُقيمت في الفترة من 24 أكتوبر حتى 1 نوفمبر الجاري، وتوارى في الوقت نفسه ما يسمى بلقطات "التريند"، ذلك المصطلح الذي ظهر في السنوات الأخيرة مع توغل عالم الإنترنت في حياة المجتمعات.
المهرجان الذي انطلقت دورته الأولى في سبتمبر 2017 وجد نفسه في دائرة الضوء فجأة، مع الاهتمام بفعاليات السجادة الحمراء وحفلي الافتتاح والختام، وإطلالات النجمات وتصريحات الفنانين، وأغنية "3 دقات" التي وصل عدد مشاهداتها إلى 872 مليون مشاهدة حتى الآن، لكن على مدار نسخ دورات المهرجان المتتالية حاول صناعه التأكيد على دوره في صناعة السينما، وأنه ليس فقط مهرجان السجادة الحمراء.
الدورة المنقضية من مهرجان هذا العام ساهمت أكثر في نقل هذه الرؤية عبر العديد من الفعاليات المختلفة، منها ندوات شارك فيها فنانون مخضرمون يمثلون أجيالًا متتالية، ولديهم سجل سينمائي مشهود له ليحكوا عن تجاربهم الذاتية الخاصة، منهم محمود حميدة وإسعاد يونس والمخرج تامر محسن والنجمة هند صبري.
كما ركزت فعاليات المهرجان على دعم المواهب الناشئة من خلال عدة حلقات نقاشية، منها جلسة بعنوان "مواهب جديدة: أضواء على نجوم صاعدة"، إذ تبادل المشاركون في الجلسة تجاربهم الذاتية في صناعة الأفلام، مؤكدين أن السينما وسيلة للتعبير عن التجارب الإنسانية.
ومن أبرز فعاليات المهرجان التي أُقيمت هذا العام إعادة عرض العديد من الأفلام بعد ترميمها، منها فيلم "السلم والثعبان" الذي رُمّم وعُرض لأول مرة بعد أكثر من 20 عامًا من إنتاجه، وكذلك فيلم "قشر البندق" الصادر عام 1995، وعدة أفلام أخرى للمخرج خيري بشارة، وفيلم "جنة الشياطين" و"عمر المختار"، وغيرها من الأفلام، كما أُقيمت جلسة حوارية تحت عنوان “ترميم الأفلام.. رؤية جديدة".
صناعة الفيلم الوثائقي والقصير أيضًا، شكّلت جزءًا من اهتمام الدورة السابعة للمهرجان، سواءً بعرض إنتاجات سينمائية مميزة من مختلف دول العالم، أو عقد حلقات نقاشية، منها جلسة بعنوان "الأفلام القصيرة: إطلاق العنان لمستقبل من الموهبة والإبداع".
ومن منطلق الاهتمام بمختلف عناصر العمل الإبداعي السينمائي، أطلقت إدارة المهرجان هذا العام النسخة الأولى من جائزة "ما وراء الكاميرا"، لتكريم الفنانين الذين يعملون خلف الكاميرات للاحتفاء بمساهماتهم الإبداعية، ومنهم مهندسو الديكور والماكياج والأزياء والإضاءة وغيرها، كما أُقيمت مسابقة "سينما تك"، الهادفة إلى تعزيز إدخال ودمج التكنولوجيا في صناعة السينما.
واستمرارًا لدعم القضية الفلسطينية، خصصت إدارة المهرجان برنامجًا للأفلام الفلسطينية تحت عنوان "نافذة على فلسطين"، هذه الفعالية التي انطلقت العام الماضي في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة، وهي فعاليات تشكّل "أولوية قصوى" للمهرجان، حسبما أكدت مديرته الفنية ماريان خوري.