غيّب الموت الفنان المصري القدير مصطفى فهمي، فجر اليوم الأربعاء، عن عمر ناهز 82 عامًا، إثر صراع طويل مع مرض السرطان.
وارتبط الفنان الراحل لدى جمهوره ومحبيه بصورة "الجان" المحب للحياة، لكن كان للقدر كلمة أخرى بعد أن داهمه المرض اللعين، فأطفأ في عينه وهج الحياة وبات يصارعه لكنه لم يستطع الانتصار عليه، ليترك خلفه إرثًا فنيًا ضخمًا وذكريات خالدة في قلوب محبيه.
برز مصطفى فهمي كأحد أبرز النجوم في سماء الفن المصري، إذ عُرف بشخصيته الجذابة وأدواره المتنوعة التي أسرت قلوب الجماهير على مدار أكثر من نصف قرن. وجاء رحيله مؤلمًا لأصدقائه وزملائه في الوسط الفني، إذ عاش حياته في هدوء ورحل تاركًا بصمة عميقة في عالم السينما والتلفزيون.
وتشيّع جنازة الفنان الراحل من مسجد النيل بمنطقة الدقي في محافظة الجيزة، على أن يوارى جثمانه الثرى في مقابر العائلة بمدينة السادس من أكتوبر.
معاناة صحية ورحيل هادئ
على الرغم من حرص مصطفى فهمي على صحته وممارسته الرياضة، إلا أنه أصيب بورم سرطاني في المخ داهم حياته بشكل غير متوقع. عانى الراحل آلام المرض، ما استدعى إجراء عملية جراحية لإزالة ذلك الورم، ورغم إصراره على مواجهته بشجاعة وصمت تعرض لتدهور حالته الصحية ورحيله عن عالمنا في نهاية رحلته.
سرادق عزاء
أحدثت وفاة مصطفى فهمي صدمة كبيرة في الوسط الفني المصري، إذ عبّر العديد من النجوم عن حزنهم العميق عبر منصات التواصل الاجتماعي. من بين هؤلاء، الفنانون "كريم عبد العزيز، إلهام شاهين، محمد رمضان، أكرم حسني، وأحمد زاهر"، الذين شاركوا بكلمات مؤثرة تعكس الذكريات الجميلة والعلاقات القوية التي تجمعهم بالراحل.
أحد أهم المبدعين المصريين
نعى أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، في بيان، قال فيه: "فقدت الساحة الثقافية الفنية المصرية والعربية برحيله أحد أهم مبدعيها الذين تميزوا بتقديم الفن الجاد والهادف لخدمة قضايانا المجتمعية".
ونعى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الفقيد بكلمات مؤثرة، إذ قالت إدارة المهرجان: "بالغ الحزن والأسى رحيل الفنان الكبير مصطفى فهمي شقيق النجم حسين فهمي، بعد رحلة طويلة من الإبداع الفني تاركًا إرثًا فنيًا مميزًا سيبقى في تاريخ الفن، بأعمال أسرت شاشة السينما والتليفزيون على مدار أكثر من نصف قرن".
فيما نعته إدارة مهرجان الجونة السينمائي، في بيان قالت فيه: "بقلوب مليئة بالحزن، ينعى مهرجان الجونة السينمائي الفنان الكبير مصطفى فهمي الذي وافته المنية صباح اليوم، ونقدم التعازي للأهل والأصدقاء".
فنان ارستقراطي
مصطفى فهمي (7 أغسطس 1942) ممثل مصري من أصول شركسية لأسرة ارستقراطية مارست العمل السياسي، إذ كان جده محمد باشا فهمي رئيسًا لمجلس الشورى، ووالده محمود باشا فهمي كان سكرتيرًا لمجلس الشورى، كما إن جدته هي أمينة هانم المانسترلي صاحبة استراحة المانسترلي.
حصل على بكالوريوس من معهد السينما قسم تصوير، وشارك كمساعد تصوير في فيلم (أميرة حبي أنا) عام 1974.
بدأ مسيرته التمثيلية بالصدفة ليشارك في بطولة (أين عقلي) بنفس العام، ثم شارك عام 1976 بأربعة أعمال (قمر الزمان، لمن تشرق الشمس، وجها لوجه، ونبتدي منين الحكاية)، لتتوالى بعدها أعماله ما بين السينما والتلفزيون، التي من أبرزها (قصة الأمس، حياة الجوهري، وأيام في الحلال).
صدفة غيرت حياته
دخل مصطفى فهمي عالم الفن من بوابة التصوير، إذ درس هذا التخصص في معهد السينما. وشارك في تصوير فيلم "أميرة حبي أنا" من بطولة شقيقه حسين فهمي، لكن القدر كان له كلمة أخرى، ومنحته الفرصة للتمثيل من خلال المخرج عاطف سالم، الذي اختاره للمشاركة في فيلم "أين عقلي"، ومن هنا بدأت مسيرته الفنية الزاخرة بأكثر من 100 عمل مميز.
تنوع وإبداع فني
تميز مصطفى فهمي بقدرته على تقديم أدوار متنوعة، إذ جسد شخصيات مختلفة بين الشاب الجان والأدوار الجادة، وقدم العديد من الأعمال الناجحة التي حققت شهرة واسعة، منها "القضبان، إني خائفة، الرجل الذي أحب، دموع في عيون وقحة، وحياة الجوهري". كان له تأثير كبير في الأعمال التي شارك فيها، إذ نجح في الحفاظ على مكانته بعالم الفن عبر السنوات.
حس وطني
لم يكن مصطفى فهمي بعيدًا عن القضايا الوطنية، إذ شارك في العديد من الأعمال التي تتناول التاريخ المصري، أبرزها مسلسل "دموع في عيون وقحة"، الذي تصدر بطولته الفنان عادل إمام، وقدم فيه نظرة عميقة على أنشطة المخابرات العامة المصرية ودورها العظيم في انتصارات السادس من أكتوبر عام 1973، كما شارك في فيلم "السرب"، الذي تناول وقائع حقيقية عن جهود الجهات الأمنية المصرية ضد التنظيمات الإرهابية في ليبيا.
عمل يجمع الشقيقين
رغم العلاقات القوية بين الشقيقين حسين ومصطفى فهمي، إلا أنهما لم يتعاونا سوى في عمل واحد، وهو مسلسل "الحفار"، الذي استند إلى سجلات المخابرات العامة المصرية حول عملية الحفار في أبيدجان عام 1968. هذا التعاون الفريد يجسد التحديات التي واجهتها الأعمال المشتركة بينهما، إذ كان كل منهما يسعى لبناء مسيرته الفنية بشكل مستقل.
تعتبر وفاة مصطفى فهمي خسارة كبيرة للوسط الفني المصري، إذ ترك وراءه إرثًا غنيًا من الأعمال والذكريات التي لن تُنسى. إن بصمة هذا الفنان المبدع ستظل خالدة في قلوب محبيه وجمهوره، وستظل ذكراه تضيء سماء الفن العربي لعقود قادمة. رحيل مصطفى فهمي هو تذكير لنا جميعًا بأن الإبداع لا يموت، بل يستمر في التألق من خلال الأعمال التي خلفها، تاركًا لنا دروسًا في التميز والاجتهاد في عالم الفن.