تسعى أذرعٌ إسرائيلية لاستغلال النفوذ الأمريكي لدى الأمم المتحدة، المُستمَد من إسهامات واشنطن التمويلية في المنظمة الأممية، وذلك في أعقاب تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو الماضي، الذي منح السلطة الفلسطينية حقوقًا إضافية ضمن وضعها كمراقب دائم في المنظمة الدولية.
وذكر موقع "JNS" الإسرائيلي، أنّ 28 عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي تقدموا بمشروع قانون يهدف لقطع التمويل عن الأمم المتحدة ومؤسساتها، حال اتخاذ أي إجراءات تؤثر على مكانة إسرائيل بالمنظمة الدولية، في محاولة للضغط عليها وإثناء أعضائها عن ممارسة حقوقهم السيادية في اتخاذ القرارات.
ابتزاز بغطاء تشريعي
يمثل مشروع القانون الجديد الذي قدمه السيناتور جيم ريش وزملاؤه الجمهوريون، ويحمل عنوان "قانون الوقوف مع إسرائيل"، نموذجًا لاستخدام القوة المالية في تقويض استقلالية المؤسسات الدولية، إذ يتضمن بنودًا صارمة تمنع الحكومة الفيدرالية من تقديم أي دعم مالي للأمم المتحدة أو أي من هيئاتها ووكالاتها المتخصصة في حال اتخاذ أي إجراء يمسُّ مكانة إسرائيل، وتشمل هذه الإجراءات الطرد أو تخفيض العضوية أو تقييد المشاركة في أي من أنشطة المنظمة الدولية.
وتساهم واشنطن بنحو 18 مليار دولار سنويًا، وهو ما يمثل ثلث ميزانية الأمم المتحدة بأكملها، وتأتي هذه المساهمات في إطار نظام "المساهمات المقررة" الإلزامي لجميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة، ويشكل هذا المبلغ الضخم ورقة ضغط قوية في يد صُناع القرار الأمريكيين.
ويأتي هذا التحرك التشريعي في أعقاب تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو الماضي، والذي أدى إلى منح السلطة الفلسطينية حقوقًا إضافية لوضعها كمراقب دائم في المنظمة الدولية.
ويندرج مشروع القانون الأمريكي في إطار سلسلة من الإجراءات التي تستخدم فيها واشنطن نفوذها المالي للتأثير على سياسات المنظمة الدولية وقراراتها، وأشارت وثائق مجلس الشيوخ إلى أنّ هذا التحرك يهدف إلى منع أي تغييرات محتملة في الوضع القانوني للدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
تاريخ الضغط المالي
لم يكن هذا التهديد بقطع التمويل الأول من نوعه في تاريخ العلاقات الأمريكية مع الأمم المتحدة، ففي عام 1982، هدد وزير الخارجية جورج شولتز بانسحاب بلاده من أي هيئة أممية لا تقبل عضوية إسرائيل.
وفي عام 1999، كادت الولايات المتحدة أن تفقد حق التصويت في الجمعية العامة بسبب نزاع حول الميزانية.
وفي عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، شهدت العلاقات مع الأمم المتحدة توترًا كبيرًا، إذ قطع التمويل عن وكالة عوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في 2018، وفرض تخفيضات كبيرة على الميزانية العامة للمنظمة في 2017.
ولم تختلف سياسة إدارة بايدن كثيرًا عن سابقاتها، فبعد أنْ أعاد التمويل لـ"أونروا" في بداية ولايته، اضطر لتعليقه مجددًا في مارس 2024 تحت ضغط الاتهامات الإسرائيلية لبعض موظفي الوكالة بالمشاركة في أحداث 7 أكتوبر 2023.
دعم مجلس النواب
لم يقتصر الأمر على مجلس الشيوخ، إذ شهد مجلس النواب تحركًا موازيًا في أغسطس الماضي، عندما قدم النائبان الجمهوري مايك لولر والديمقراطي جاريد موسكوفيتز مشروع قانون مماثلًا.
ويثير هذا التطور مخاوف جدية في الأوساط الدبلوماسية الدولية من تأثير الضغوط المالية الأمريكية على استقلالية قرارات المنظمة الدولية، فالقانون الأمريكي الحالي يفرض بالفعل قيودًا على التمويل في حال منح الفلسطينيين عضوية كاملة خارج إطار المفاوضات مع إسرائيل، وهو ما يعدُّه كثيرون تدخلًا سافرًا في عمل المنظمة الدولية.