في مشهد سياسي غير مسبوق، حقّق حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا انتصارًا تاريخيًا باحتلاله المركز الأول في الانتخابات البرلمانية، إلا أن هذا الفوز تحوّل لهزيمة سياسية، بعد ما رفضت الأحزاب الأخرى الانضمام إليه في ائتلاف حكومي، ما أجبر الرئيس النمساوي على تكليف المستشار كارل نيهامر بتشكيل الحكومة رغم خسارة حزبه الانتخابات.
وتُعَدّ هذه النتيجة تجسيدًا لتوازنات القوى السياسية المعقدة، حيث يتصادم الفوز الانتخابي مع العزلة السياسية.
فوز غير مكتمل
في انتخابات 29 سبتمبر الماضي، حقّق حزب الحرية اليميني المتطرف فوزًا تاريخيًا، وحصل على 29% من الأصوات، وهو أكبر نصيب يحصل عليه الحزب في تاريخه، ورغم ذلك، لم يكن هذا الفوز كافيًا لضمان تشكيل حكومة، إذ استبعدت الأحزاب الأخرى، مثل حزب الشعب النمساوي (المحافظين) والحزب الاشتراكي الديمقراطي، الجلوس معه في ائتلاف، نتيجة لمواقفه المتشددة تجاه الاتحاد الأوروبي والهجرة، وأيضًا لعدم إدانته الغزو الروسي لأوكرانيا.
تكليف نيهامر
بعد رفض التعاون مع حزب الحرية، أجبر الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلين، يوم الثلاثاء، على إسناد مهمة تشكيل الحكومة إلى كارل نيهامر ، زعيم حزب المحافظين، رغم أن حزبه جاء في المركز الثاني بنسبة 26.3% من الأصوات.
وحصل نيهامر على التفويض لتشكيل الحكومة نتيجة للرفض العام لتحالف مع اليمين المتطرف، وأوضح الرئيس النمساوي أن الانتخابات البرلمانية ليست مجرد سباق يفوز فيه الحزب الأول تلقائيًا بتشكيل الحكومة، مشددًا على أهمية تكوين ائتلاف يضمن استقرار البلاد.
تحالفات محتملة
رغم أن حزب الحرية حصل على أكبر عدد من الأصوات، إلا أن النظام السياسي في النمسا يعتمد على تحالفات لتشكيل حكومة، وبعد مشاورات الرئيس النمساوي فان دير بيلين مع رؤساء الأحزاب الثلاثة الكبرى، بات من الواضح أن حزب الشعب النمساوي (المحافظين) هو المرشح الأول لتشكيل ائتلاف حكومي، وبدأت المفاوضات الائتلافية بين حزب المحافظين والحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي جاء في المركز الثالث بنسبة 21.1%.
ومن المتوقع أن يكون الحزب الليبرالي "نيوس"، الذي حصل على 9.1% من الأصوات، هو الشريك الثالث المحتمل في الائتلاف، وتعد هذه الخطوة محاولة لتجنب تحالف غير مستقر مع حزب الحرية المتطرف، وضمان تشكيل حكومة قادرة على تحقيق الاستقرار في البلاد.
احتجاج حزب الحرية
من جانبه، عبّر زعيم حزب الحرية، هربرت كيكل، عن استيائه من قرار استبعاده من تشكيل الحكومة، واصفًا التحالف المحتمل بين حزب الشعب والحزب الاشتراكي بـ"تحالف الخاسرين"، وقال إنها خطوة غير ديمقراطية تتجاهل إرادة الناخبين.
وفي رسالة لأنصاره على فيسبوك، قال كيكل: "بالنسبة للكثيرين منكم، هذه صفعة على الوجه. ولكن أؤكد لكم: الكلمة الأخيرة لم تُقل بعد".
مستقبل الحكومة النمساوية
يسعى الرئيس النمساوي فان دير بيلين إلى تشكيل حكومة مستقرة تضم أطرافًا قادرة على التعاون وتحقيق التوازن في المشهد السياسي، ومع استمرار المفاوضات بين الأحزاب، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه التحالفات ستنجح في تشكيل حكومة قوية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
رغم فوز حزب الحرية اليميني المتطرف في الانتخابات، فإن المشهد السياسي النمساوي يبرز صعوبة تحويل هذا الفوز إلى نفوذ سياسي فعلي، بينما يستمر الجدل حول تحالف "الخاسرين"، يظل تشكيل الحكومة مسألة حساسة تتطلب توافقًا أكبر بين الأحزاب لضمان استقرار البلاد في المستقبل القريب.