سلطت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية، الضوء على التوتر المتزايد الذي يشوب العلاقات بين إسرائيل ودول أوروبا، بسبب إصرار جيش الاحتلال على مواصلة العدوان على غزة ولبنان.
وذكرت الشبكة أن الدعم الذي أولته الدول الأوروبية لإسرائيل، بعد هجوم الفصائل الفلسطينية على المستوطنات في غلاف غزة، في 7 أكتوبر 2023، تحول إلى انتقاد واسع في القارة البيضاء لجيش الاحتلال، بسبب حرب الإبادة على غزة، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 42 ألف مدني بالقطاع.
وتجلى التحول في الموقف الأوروبي تجاه إسرائيل، في الدعوات لوقفٍ كامل لمبيعات الأسلحة إلى جيش الاحتلال، والنظر في فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين من اليمين المتطرف، والمحادثات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي بشأن مراجعة اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي.
ونقلت الشبكة عن هيو لوفات، زميل السياسات البارز في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، أن "علاقات إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي تتعرض لضغوط غير مسبوقة في هذه المرحلة".
وتأتي الانتقادات الأوروبية المتزايدة في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة غير قادرة أو غير راغبة في ممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل قبل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، بحسب خبراء.
وقال "لوفات": "هناك الكثير من الإحباط، في عواصم أوروبا الغربية على الأقل، بشأن الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع إسرائيل خلال العام الماضي"، مضيفًا أن "بعض دول الاتحاد الأوروبي شعرت أنّ الولايات المتحدة كان ينبغي أن تفعل المزيد لتعديل وتقييد الإجراءات الإسرائيلية".
وفي نهاية الأسبوع الماضي، بعثت إدارة بايدن برسالة إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلي تطالبها فيها بالتحرك لتحسين الوضع الإنساني في غزة خلال الثلاثين يومًا المقبلة أو المخاطرة بانتهاك القوانين الأمريكية التي تحكم المساعدات العسكرية الأجنبية.
وفي انتقاد مبطن، صرح مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بأنّ عددّا كبيرّا من الناس قد يموتون خلال تلك الفترة، وقال "بوريل" للصحفيين قبل قمة زعماء الاتحاد الأوروبي، الخميس الماضي: "كانت الولايات المتحدة تقول لإسرائيل إنها يجب أن تحسن الدعم الإنساني لغزة، لكنها أعطت إسرائيل تأخيرًا لمدة شهر". وأضاف: "تأخير لمدة شهر بالوتيرة الحالية من قتل الناس.. إنّه عدد كبير جدًا من الناس".
وقال "لوفات" إنّ العلاقات كانت متوترة في البداية بسبب الهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي تعده العديد من الحكومات الأوروبية، بما في ذلك تلك التي لا تزال تدعم إسرائيل، غير متناسب ويتناقض مع القانون الدولي.
وأضاف "لوفات" أن العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، دفع الأمور إلى حافة الهاوية بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية.
وبلغ اللوم الأوروبي لإسرائيل مستويات جديدة عندما بدأ جيش الاحتلال في ضرب مواقع بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان. وتتمركز البعثة الأممية "يونيفيل" هناك منذ عام 1978 وتتكون من 50 جنسية، بما في ذلك قوات من إسبانيا وأيرلندا وإيطاليا وفرنسا.
وقالت مايا سيون تسيدكياهو، مديرة برنامج العلاقات الإسرائيلية الأوروبية في مركز ميتفيم للأبحاث في القدس المحتلة، إنّ "الدول الأوروبية تميل إلى أن تكون أكثر صراحة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن جنودها".
وتفجر الخلاف الدبلوماسي بين إسرائيل وبعض الزعماء الأوروبيين، مؤخرًا، ونُقِل عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قوله في اجتماع لمجلس الوزراء، الثلاثاء الماضي، أن "نتنياهو يجب ألا ينسى أن بلاده أنشئت بقرار من الأمم المتحدة".
وكان الرئيس الفرنسي دعا سابقًا، إلى تعليق كامل لبيع الأسلحة المستخدمة في الحرب على غزة لإسرائيل، مؤكدًا أن فرنسا لم تشارك في توريدها.
كما أدانت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تصرفات إسرائيل في لبنان، بما في ذلك الضربة العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت قاعدة لقوة حفظ السلام تابعة للأمم المتحدة يتمركز فيها نحو 1100 جندي إيطالي.
وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن إيطاليا هي ثالث أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل. ومع ذلك، بعد بدء الحرب على غزة، علقت جميع تراخيص التصدير الجديدة وألغت أي اتفاقيات تم توقيعها بعد 7 أكتوبر.
وكان من بين أشد المنتقدين لإسرائيل الزعيمان الأيرلندي والإسباني، اللذان دعيا الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، قائلين إن دولة الاحتلال تنتهك بند حقوق الإنسان في اتفاقية التجارة في حربها على غزة.
وفي الأسبوع الماضي، قال "بوريل" إن القضية ستتم مناقشتها في مجلس الشؤون الخارجية، وتوجد "أدلة كافية" تستحق المناقشة.
وقالت سيون تسيدكياهو، إن تغيير الاتفاق من شأنه أن يضر بإسرائيل، خاصة إذا تأثرت التجارة. ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ بلغ إجمالي التجارة بين إسرائيل والاتحاد 50.7 مليار دولار (46.8 مليار يورو) في عام 2022، وفقًا لبيانات الاتحاد الأوروبي.
واحتجاجًا على الحرب على غزة، اعترفت إسبانيا وأيرلندا والنرويج رسميًا بالدولة الفلسطينية في مايو. ورغم أنها لم تعد عضوًا في الاتحاد الأوروبي، فقد سعت بريطانيا أيضًا إلى كبح جماح سلوك إسرائيل، ومؤخراً من خلال النظر في فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين من اليمين المتطرف.
وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إن حكومته "تنظر" في فرض عقوبات على وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
ومع ذلك، تمثل ألمانيا الاستثناء الوحيد في أوروبا. وتعد برلين ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، إذ تساهم بنحو 30٪ من أسلحة إسرائيل بدءًا من عام 2023.
وذكرت وكالة الأنباء الألمانية، الأربعاء الماضي، أن الحكومة الألمانية وافقت خلال الأسابيع الثمانية الماضية على تصدير معدات عسكرية وذخائر إلى إسرائيل بقيمة 31 مليون يورو (33.7 مليون دولار).
وعلى الرغم من التوترات الأخيرة مع الكتلة الأوسع، قالت سيون تسيدكياهو إن علاقات الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل "لا تزال قوية للغاية" وتظل "مهمة لإسرائيل".