يُواجه مبنى البرلمان البريطاني، أحد أشهر المعالم التاريخية في العالم والمدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو، أزمة خطيرة تهدد سلامة آلاف الأشخاص الذين يعملون فيه يوميًا، إذ كشف تحقيق استقصائي موسع أجرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن انتشار مادة "الأسبستوس" القاتلة في أرجاء المبنى التاريخي، ما يضع صحة وحياة النواب والموظفين في خطر محدق.
طبيعة المادة القاتلة
يعتبر الأسبستوس من أخطر المواد المستخدمة في البناء على مر التاريخ، وهو عبارة عن ألياف معدنية طبيعية تم استخدامها على نطاق واسع في مواد البناء والعزل لأكثر من 150 عامًا.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن خطورة هذه المادة تكمن في أن استنشاق أليافها الدقيقة يُمكن أن يؤدي إلى الإصابة بأمراض قاتلة، خاصة سرطان الميزوثيليوما، الذي يصيب الأغشية المحيطة بالرئتين والقلب والأمعاء.
وتمتد فترة كمون المرض من 20 إلى 60 عامًا قبل ظهور الأعراض؛ ما يجعل اكتشافه المبكر أمرًا شبه مستحيل.
انتشار واسع للألياف السامة
كشفت "ديلي ميل" في تحقيقها أن مادة الأسبستوس تنتشر في 2,500 موقع مختلف داخل 680 غرفة في قصر وستمنستر.
ويثير القلق بشكل خاص أن 335 نائبًا جديدًا بدأوا عملهم في البرلمان دون إدراك حجم المخاطر المحيطة بهم، حتى في قاعة مجلس العموم نفسها، حيث يجتمعون لمناقشة القوانين وإدارة شؤون البلاد، وتزداد خطورة الوضع مع تقادم المبنى وتدهور حالته، مما يزيد من احتمالية تحرر الألياف السامة في الهواء.
تعرض 117 شخصًا من العمال والموظفين لألياف الأسبستوس البني خلال أعمال تجديد في مكتب رئيس مجلس العموم، وهو من أخطر أنواع هذه المادة.
ولم يتم اكتشاف التعرض للمادة القاتلة إلا بعد أسابيع من الحادثة، ما زاد من احتمالات الإصابة بالأمراض المرتبطة بها.
وفي حادثة أخرى خلال مشروع ترميم برج "إليزابيث" الشهير، المعروف باسم "بيج بن"، الذي تكلف 80 مليون جنيه إسترليني، تم اكتشاف الأسبستوس بعد بدء أعمال التجديد، مما كشف عن إهمال خطير في إجراء المسوحات اللازمة قبل بدء العمل.
مأساة تتجاوز جدران البرلمان
يكشف التحقيق أن المشكلة لا تقتصر على البرلمان وحده، بل تمتد لتشمل 90% من المستشفيات البريطانية، و83% من المدارس.
وتسجل بريطانيا أعلى معدلات الإصابة بسرطان الميزوثيليوما في العالم، حيث تصل النسبة إلى 60.5 حالة لكل مليون رجل و13 حالة لكل مليون امرأة، وهو معدل يفوق بكثير ما تسجله الولايات المتحدة التي لا تتجاوز فيها النسبة تسع حالات لكل مليون شخص.
تكلفة باهظة وحلول معقدة
تواجه الحكومة البريطانية معضلة صعبة في التعامل مع أزمة الأسبستوس في البرلمان، إذ تقدر تكلفة تجديد قصر وستمنستر وإزالة المادة القاتلة منه بنحو 22 مليار جنيه إسترليني.
ويواجه المسؤولون خيارين صعبين، وهما إما إخلاء المبنى بالكامل لإجراء أعمال التجديد، أو استمرار العمل في المبنى أثناء التجديد، وهو ما قد يمدد المشروع لسبعين عامًا، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على صحة العاملين.
تتخلف بريطانيا عن نظيراتها الأوروبية في معالجة أزمة الأسبستوس، إذ أنشأت بولندا قاعدة بيانات وطنية منذ عام 2013 ووضعت خطة طموحة لإزالة كل الأسبستوس بحلول عام 2032.
كما تعهدت بلجيكا بإزالة المادة من جميع مبانيها بحلول عام 2040.
آثار صحية طويلة المدى
تتسم الأمراض المرتبطة بالأسبستوس بخطورتها البالغة وصعوبة علاجها، فبمجرد ظهور الأعراض، التي تشمل آلامًا في البطن والصدر وسعالًا وضيق تنفس بسبب تراكم السوائل في الرئتين، يتوفى معظم المصابين خلال عام واحد.
ولا يوجد حتى الآن علاج شافٍ، وتقتصر العلاجات المتاحة على العلاج الكيميائي والمناعي لإبطاء نمو السرطان.