قال الدكتور بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، إن مصر نجحت بالتأكيد وبامتياز في تحقيق مبدأ الاتزان الاستراتيجي، ذلك المبدأ المهم الذي أرساه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حفل إفطار العائلة المصرية، وهو بالفعل يمثل المبدأ الأساسي الذي يحكم السياسة الخارجية المصرية، خاصة فيما يتعلق بعدم الدخول في أي محاور دولية، وعدم الانجرار وراء حالة الاستقطاب الدولي التي نشهدها في الوقت الحالي، وأيضًا الالتزام بمعنى الانفتاح على الجميع بدون أحكام أيديولوجية مُسبقة، وأن يكون المحرك الأساسي هو المصلحة الوطنية المصرية.
وعن سؤاله حول نجاح مصر في تقديم مبدأ الاتزان الاستراتيجي وسط حالة الصراع التي تسيطر على السياسة الدولية، أكد "عبدالعاطي"، خلال لقاء خاص مع الإعلامي والكاتب الصحفي أحمد الطاهري، على شاشة "القاهرة الإخبارية"، أن مصر لديها شراكات استراتيجية مع كل القوى العالمية الفاعلة، رغم وجود تناقضات بين هذه القوى؛ هذا دليل على نجاح سياسة الاتزان الاستراتيجي، موضحًا أن مصر لديها حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة، وعقدت إحدى جولاته مؤخرًا بالقاهرة، وأيضًا شراكة استراتيجية وشاملة مع الاتحاد الأوروبي تم تدشينها منذ عدة أشهر، وحوار استراتيجي مع الصين ويتم الاحتفال حاليًا بمرور عشر سنوات على تدشينه، وحوار استراتيجي مع روسيا الاتحادية والبرازيل، والهند، منوهًا إلى أن مصر في المراحل النهائية لتدشين حوار استراتيجي مع ألمانيا وإسبانيا، وهو ما يعكس سلامة التوجه المصري، وأن مصر تنفذ مبدأ الاتزان الاستراتيجية بحكمة، وتعكس مدى تقدير المجتمع الدولي للدور المصري، إذ إنه دور أساسي ولا غنى عنه والكل يحرص على مزيد من تطوير العلاقات مع مصر.
وأوضح وزير الخارجية المصري، أن مصر من الدول القليلة جدًا، إن لم تكن الوحيدة في الإقليم، التي لديها علاقات واتصالات مع كل الأطراف الإقليمية والدولية وهناك اتصالات مستمرة حتى تكون هناك سياسة خارجية فعّالة تصب في النهاية في مصلحة الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدًا هذه السياسة أثبتت تمامًا سلامتها ونجاحها بدليل ما نشهده باختراق مصر العديد من الملفات والعلاقات مع الدول الفاعلة في النظام الإقليمي والدولي على حدٍ سواءٍ.
وعن سؤاله عن الجهود المصرية لوقف نزيف الدم في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والسيولة الإقليمية، قال وزير الخارجية المصري، إن الدور المصري واضح للغاية للعيان فيما يتعلق بالحركة الدائبة للعمل على وقف حمامات الدم والاعتداءات الممنهجة اليومية الإسرائيلية على أهالينا في قطاع غزة، وفى الضفة الغربية وفي لبنان.
وتابع وزير الخارجية المصري: "مصر لطالما كانت الدولة الوحيدة التي حذرت مرارًا وتكرارًا من المخاوف من اتساع رقعة الصراع والتصعيد في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ البداية ومنذ وقوع أحداث السابع من أكتوبر، ومصر كانت في طليعة الدول التي تحركت بكل قوة واستضافت اجتماعًا دوليًا في القاهرة "اجتماع القاهرة للسلام" بحضور العديد من دول العالم وكان الهدف الأساسي منه هو التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف القتل الممنهج للمدنيين".
وذكر وزير الخارجية المصري، أن الجهود المصرية الدؤوبة استمرت بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة في جهود الوساطة، وكنا أقرب ما يكون أكثر من مرة للتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح جميع المحتجزين ويؤسس لوقف إطلاق النار والنفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية والطبية لقطاع غزة، لكن بسبب غياب الإرادة السياسية لإسرائيل بطبيعة الحال، فكلما كنا نقترب من التوصل إلى صفقة والتي تحقق مصالح الجميع بما في ذلك إطلاق سراح جميع المحتجزين وجانب من الأسري الفلسطينيين يأتي الجانب الإسرائيلي ويطالب بمطالب غير واقعية ويجد ذرائع مختلفة حتى يتنصل من إمكانية التوصل لمثل هذا الاتفاق.
وتابع وزير الخارجية المصري: "للأسف الشديد تمت إضاعة أكثر من فرصة كانت كفيلة لإطلاق سراح كل المحتجزين، وأيضًا تجنيب المدنيين خاصة من النساء والأطفال عمليات القتل الممنهجة، ومثلما توقعت مصر وحذرت من اتساع رقعة الصراع بدلًا من غزة هناك عدوان ممنهج في الضفة الغربية وترحيل مستمر للفلسطينيين من قراهم إلى بعض المدن الفلسطينية، وبعد ذلك امتدت رقعة الصراع إلى لبنان الشقيق، لطالما كنا نحذر من انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة وللأسف الشديد نحن بالفعل على مشارف هذه الحرب الشاملة".
واستطرد وزير الخارجية المصري: "هناك عدوان على لبنان وهناك احتمال لتوسيع رقعة الصراع لتشمل إيران إيضا وأن أي خطأ في الحسابات أو تهور قد يقود إلى حرب شاملة قد تؤدي إلى الخراب والدمار في هذه المنطقة في وقت نحن فيه لأمس الحاجة لعملية التنمية والتعمير وعملية تحسين مستوى الشعوب في المنطقة لكن للأسف الشديد هناك أطراف حريصة على التصعيد والعدوان وعلي أن تكون فوق القانون وأن لا تكون قابلة للمساءلة الدولية وما يحدث أمر غير مسبوق في تاريخ الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
ونوه وزير الخارجية المصري: "لدينا حرب وعدوان مستمر تجاوزنا العام ولدينا أكثر من 150 ألف شهيد وجريح ولدينا أكثر من 1.7 مليون نازح داخلي في قطاع غزة يمثلون أكثر من 75% من سكان القطاع، لدينا أكثر من 15 ألف فلسطيني جثث تحت الركام نحن في حالة من الصدمة والدهشة من العجز الدولي ومجلس الأمن والمجتمع الدولي عليه أن يحرك ساكنًا".
قائلًا: "هناك سياسة ممنهجة لاستخدام التجويع واستخدامه للعقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، فضلًا عن تفشي الأوبئة، بما في ذلك مرض شلل الأطفال لا نستطيع تطعيم الأطفال في شمال القطاع كل هذا بسبب سياسات ممنهجة من الجانب الإسرائيلي لوضع قيود شديدة جدًا على تدفق المساعدات، وهناك آلاف من الشاحنات تنتظر الدخول للأسف الشديد المجتمع الدولي يتفرج ولا يحرك ساكنًا في التعامل مع الخرق الفاضح في التعامل مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، خاصة من دول تلقي الدروس حول حقوق الإنسان وأهمية احترام حقوق الإنسان لكن مع هذه المأساة الكاملة الأركان ظهرت ازدواجية المعايير".
وعن سؤاله حول تهجير الفلسطينيين داخل أو خارج قطاع غزة مع الإعلان المباشر عن رفض مصر تهجير سكان القطاع لأرض سيناء، قال "عبدالعاطي": إنه فيما يتعلق بتهجير أهالي غزة أو رفض تهجير أهل غزة لسيناء له جانبان مهمان، الأول عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء من قطاع غزة، هذا أمر لا يخص الأمن القومي المصري فقط، ولكن يخص القضية الفلسطينية، مضيفًا: "هذا السيناريو الذي كان يخطط له الجانب الإسرائيلي يعني التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية، الشعب الفلسطيني متمسك بالأرض المحتلة ولا يزال موجودًا عليها".
وواصل وزير الخارجية المصري: "كانت مصر والرئيس عبدالفتاح السيسي واعين لهذا المخطط؛ ولذلك تم وضع خط أحمر على هذا الأمر بأن مصر لن تقبل به تحت أي ظرف من الظروف، لحماية القضية الفلسطينية ومنع تصفيتها بالتأكيد وصيانة الأمن القومي المصري".
وأوضح أن الموقف المصري كان واضحًا، وتضامنّا مع الأشقاء في الأردن؛ لأنه حينما فشلت إسرائيل في تنفيذ هذا المخطط التهجيري لسكان القطاع إلى الجانب المصري كانت هناك محاولات دؤوبة -ولا تزال مستمرة- للعمل على تهجير سكان الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية، والقيادتان والبلدان متفقان ومتطابقان في مواقفهما بعدم السماح لأي تهجير؛ لأن هذا يعني انتهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها كاملة، متابعًا: "رفضنا رفضًا مطلقًا ولن نسمح تحت أي ظرف أن تتم تصفية هذه القضية على حساب دولتي الجوار مصر والأردن".
وفيما يتعلق بالتوجهات الإسرائيلية والرغبة في فرض إرادتها على المنطقة، تحدث وزير الخارجية المصري: "نؤكد ونذكر في دروس الماضي والتاريخ بأن غطرسة القوة لا يمكن أن تحقق الأمن والسلام لإسرائيل، لم ولن تحقق الأمن والاستقرار والسلام لإسرائيل، السلام والأمن للإسرائيليين والشعب والدولة الإسرائيلية مرهون فقط بإرجاع الحقوق لأهلها وتلبية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني"، مشيرًا: "كانت هناك حالات كثيرة لغطرسة القوة وكانت هناك الحرب المجيدة في 6 أكتوبر 1973، وهذا ذكر الجانب الإسرائيلي وذكر العالم أجمع بأن غطرسة القوة لا يمكن أن تؤدي إلى السلام في المنطقة".
لا تهاون فيما يخص الحدود المصرية
وقال وزير الخارجية المصري، إن الحدود المصرية أمر لا تهاون فيه، وهناك رسائل كثيرة وعديدة للغاية من الدولة المصرية، منها جاهزية القوات المسلحة المصرية على مستوى المعدات والتدريب والقتال للدفاع عن الحدود، هذا أمر مفروغ منه، قائلًا: "في تقديري لا يجرؤ أي طرف أن يمس السيادة والحدود المصرية؛ لأنه يعلم تمامًا مدى الرد المصري الذي سيكون قاسيًا للغاية إذا تم المساس بالحدود المصرية والسيادة والأمن القومي المصري".
وواصل وزير الخارجية المصري: "أما فيما يتعلق بالمنطقة، ففرض الإرادة والقوة لا يمكن أن يحقق أي سلام أو استقرار، ولدينا دروس عديدة في التاريخ في أوروبا ومنطقتنا ومناطق أخرى، ما لم يكن هناك سلام عادل وشامل يقوم على تلبية مصالح كل الشعوب وتحقيق تطلعاتها لا يمكن أن تنعم أي دولة بما فيها إسرائيل بالأمن والسلام والاستقرار، طالما هناك حقوق مشروعة لشعب لم يحصل عليها وطالما هناك احتلال لهذا الشعب وأراضي هذا الشعب".
وفيما يتعلق بالسلام والاستقرار بالمنطقة، أكد الدكتور بدر عبدالعاطي، أن مصر واعية تمامًا لكل ما يتم التخطيط له في المنطقة، إذ إنها هي من قادت عملية السلام وبدونها لن يكون هناك تصور لإمكانية تحقيقه، والرئيس الشهيد محمد أنور السادات، دفع حياته ثمنًا لمبادرته لتحقيق السلام مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن "مصر تدرك تمامًا وتقتنع والقيادة المصرية تعي تمامًا، بأنه لا يوجد سلام بدون قوة تحميه وهي مسألة مفروغ منها".
وتابع وزير الخارجية المصري: "أن مصر لم تتآمر أو تعتدي، القوات المصرية والجيش المصري داخل حدوده، ويحمي حدوده، ولم يكن منذ قديم الأزل يخرج إلى الخارج إلا للدفاع عن الأمن القومي المصري، فبالتالي الجيش المصري موجود وعلى أتم الاستعداد للذود عن الوطن وعن الحدود المصرية وعن السيادة المصرية، فهذه مسألة مفروغ منها، "ونحن محتاجين السلام بالتأكيد، لأنه مسألة مهمة للحفاظ على أرواح الشعوب ومرتبط بقضية التنمية؛ لتوليد فرص العمل التي قد تتجاوز مليون فرصة عمل سنويًا؛ ولتحقيق هذا الهدف لابد من أن تكون هناك استثمارات أجنبية، لأن معدلات الادخار الداخلي محدودة؛ فبالتالي لا بديل عن جذب الاستثمارات الأجنبية وتدفقها للاقتصاد المصري، مُشيرًا إلى أن التدفقات الخارجية مسألة وجودية للاقتصاد المصري، وهذا أمر نسعى فيه بالتأكيد؛ رغم كل الظروف الحالية وهناك تدفق في الاستثمارات الأجنبية في قطاعات بعينها، بعد عقد المؤتمر المهم جداً للاستثمار بين مصر والاتحاد الأوروبي يومي 29 و 30 يونيو الذي دشنه الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع رئيسة المفوضية الأوروبية".
وتابع وزير الخارجية المصري: "رغم تدفق هذه الاستثمارات ورغم وجود رغبة حقيقية من العديد من الشركات العالمية في انتهاز الفرص التي يتيحها مناخ الاستثمار في مصر، إلا أنه لو كان هناك سلام إقليمي في المنطقة، كان جعل ذلك الاقتصاد يتضاعف".
وأكد أنه رغم الظروف شديدة الصعوبة والتحديات، أثبت الاقتصاد المصري قدرته على الصمود، وعلى مجابهة التحديات والعمل على جذب الاستثمارات في الخارج، مُشيرًا إلى أن هناك تحضيرات مصرية في الربع الأول من العام القادم؛ لعقد مؤتمر ومنتدى كبير للاستثمار، متابعًا: "عند مشاركتي في الشق رفيع المستوى لأعمال الدورة 79 للجمعية العامة في نيويورك التقيت بأكثر من 100 شركة أمريكية، وأبدت حرصها الشديد على الاستثمار في مصر، متطرقًا إلى أن هذه الشركات تريد الاستثمار في مصر، خاصة في القطاعات ذات الأولوية بالنسبة لهم مثل الاستثمار في الطاقة والهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة، كما ترغب في الاستثمار في قطاع الأدوية، إذ إن هناك اهتمامًا كبيرًا بقطاع الأدوية لما لديه من قوة داخل الاقتصاد المصري؛ ولأنه موجود منذ عدة عقود وله مكانة كبيرة وسوق كبير في القارة الإفريقية والآسيوية ومعروف بالاسم وله سمعة جيدة جدًا".
الرقمنة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي
وأضاف وزير الخارجية المصري، أن هناك رغبة من الشركات في الاستثمار في مصر، خاصة في قطاع الرقمنة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، فالكل يعلم أن مصر لديها خطة وطنية للتصنيع وخاصة فيما يتعلق بتوطين الصناعة، مشيرًا إلى أن توطين الصناعة مسألة مهمة جدًا، خاصة أن مصر أصبحت طرفًا جاذبًا لتوطين الصناعة وطرفًا في العديد من الاتفاقيات الخاصة بالتجارة الحرة، آخرها اتفاقية قارية بالتجارة الحرة في إفريقيا.
وأوضح أن هناك رغبة للعديد من الشركات الدولية في العمل على توطين الصناعة في مصر، متابعًا: "نستغل القرب من إفريقيا لأن مصر هي البوابة للدخول للسوق الإفريقية، وبالتالي المنتجات تدخل على أنها منتجات مصرية وتكون معفاة من الجمارك"، وواصل: "موضوع التنمية شديد الأهمية، فالمنطقة كلها تحتاجه وليس مصر فقط، وبالتالي لا بد من توليد فرص عمل وجذب استثمارات وتطوير القطاعات الاقتصادية وفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية، وهو على رأس أولويات الدولة المصرية".
سد جوليوس.. نموذج جديد للتنمية في إفريقيا
وقال وزير الخارجية المصري، إن سد جوليوس نيريري في تنزانيا، يعد واحدًا من أكبر السدود في إفريقيا، "نفخر بأن تحالفًا مصريًا بحتًا هو الذي صمم ونفذ ووجد عملية التمويل الميسر لتنفيذ هذا السد بأكمله، وتم تنفيذه بخبرة مصرية وأيادٍ مصرية ونقدم الآن وفقًا للرؤية الإفريقية نموذجًا جديدًا للتنمية في إفريقيا، نموذج يقوم على التشارك في بناء القدرات والتدريب الفني والمهني"، مشيرًا إلى أن الشركات المصرية القائمة على إنشاء السد أنشأت مدرسة للتدريب الفني للأشقاء في تنزانيا لتدريبهم على كيفية إدارة السد.