قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن منافسة شرسة تدور الآن لتحديد ملامح عصر جديد في العلاقات الدولية، مُشيرًا إلى أن هناك عددًا قليلًا من البلدان -وخاصة روسيا بشراكة إيران وكوريا الشمالية فضلًا عن الصين- عازمة على تغيير المبادئ الأساسية للنظام الدولي.
وفي مقاله المنشور بمجلة "Foreign Affairs"، والذي حمل عنوان "استراتيجية أمريكا للتجديد"، هاجم "بلينكن" خصوم واشنطن، مشيرًا إلى أنه "رغم اختلاف أشكال الحكم والإيديولوجيات والمصالح والقدرات بين هذه البلدان، فإن جميعها تريد ترسيخ الحكم الاستبدادي في الداخل وفرض مجالات النفوذ في الخارج".
ولفت إلى أن القوى الدولية من غير حلفاء واشنطن "تسعى إلى تآكل أسس قوة الولايات المتحدة، تفوقها العسكري والتكنولوجي، وعملتها المهيمنة، وشبكتها التي لا مثيل لها من التحالفات والشراكات". مشيرًا إلى أن إدارة بايدن "واضحة في أنها لا تسعى إلى المواجهة"، لكن في الوقت نفسه "نحن في حاجة إلى التصرف بحزم لمنع هذه النتيجة".
وأكد: "عندما تولى الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس منصبيهما، كانت هذه القوى تتحدى بالفعل المصالح الأمريكية بقوة. كانت هذه الدول تعتقد أن الولايات المتحدة كانت في حالة تدهور لا رجعة فيه في الداخل ومنقسمة عن أصدقائها في الخارج".
وتابع: "رأوا جمهورًا أمريكيًا فقد ثقته في الحكومة، وديمقراطية أمريكية مستقطبة ومشلولة، وسياسة خارجية أمريكية تقوض التحالفات والمؤسسات الدولية والمعايير التي بنتها واشنطن ودافعت عنها".
وقال: "بصفتي وزيرًا للخارجية، لا أقر السياسات، بل أمارس السياسة. والسياسة تتعلق بالاختيارات".
كما أكد أن إدارة بايدن اتخذت خيارًا أساسيًا، مفاده أنه في عالم أكثر تنافسية وقابلية للاشتعال، لا يمكن للولايات المتحدة أن تسير بمفردها.
وشدد بلينكن، في مقاله بالمجلة الأمريكية: "إذا كانت أمريكا تريد حماية أمنها وخلق الفرص لشعبها، فيجب عليها الوقوف إلى جانب الذين لديهم مصلحة في عالم حر ومنفتح وآمن ومزدهر، والوقوف في وجه الآخرين الذين يهددون هذا العالم".
وزعم الوزير الأمريكي أن "الاختيارات التي تتخذها الولايات المتحدة في النصف الثاني من هذا العقد الحاسم، ستحدد ما إذا كانت لحظة الاختبار هذه ستظل وقتًا للتجديد أو تعود إلى وقت التراجع. ما إذا كان بإمكان واشنطن وحلفائها الاستمرار في التفوق على القوى الأخرى، أو السماح لرؤيتهم بتحديد القرن الحادي والعشرين".
العودة إلى اللعبة
أوضح بلينكن، في مقاله، "أن اللياقة الاستراتيجية للولايات المتحدة تعتمد إلى حد كبير على قدرتها التنافسية الاقتصادية، لتشكل الاستثمارات المحلية الركيزة الأولى لاستراتيجية إدارة بايدن".
وأضاف: "في حين كان بعض الأصدقاء قلقين في البداية من أن الاستثمارات والحوافز المحلية لإدارة بايدن قد تهدد مصالحهم الاقتصادية، إلا أنهم رأوا -بمرور الوقت- كيف يمكن للتجديد الأمريكي أن يعود بالنفع عليهم".
وكانت الركيزة الثانية لاستراتيجية إدارة بايدن هي "إعادة تنشيط وإعادة تصور شبكة العلاقات في الولايات المتحدة. وتمكين واشنطن وشركائها من تجميع قوتهم في تعزيز رؤية مشتركة للعالم والتنافس بقوة، ولكن بمسؤولية ضد أولئك الذين يسعون إلى تقويضها".
وقال وزير الخارجية الأمريكي: "إن المنافسة القوية تعني استخدام كل أدوات القوة لتعزيز المصالح الأمريكية. وهذا يعني تعزيز موقف القوة الأمريكية، والقدرات العسكرية والاستخباراتية، وأدوات العقوبات ومراقبة الصادرات، وآليات التشاور مع الحلفاء والشركاء. ورغم أن واشنطن لا تسعى إلى تسلق سلم الإجراءات التصعيدية، فإنها لابد أن تستعد لمخاطر أعظم وتديرها".
وأكد أن الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها النية والوسائل لإعادة تشكيل النظام الدولي "وقد أوضح الرئيس بايدن في وقت مبكر أننا سنعامل بكين باعتبارها منافسها الاستراتيجي الأكثر أهمية على المدى الطويل".
وفيما يتصل بروسيا، أشار بلينكن إلى أنه "لم تكن لدينا أية أوهام بشأن الأهداف الانتقامية للرئيس فلاديمير بوتين، أو إمكانية إعادة ضبط العلاقات. ولم نتردد في التحرك بقوة ضد أنشطة موسكو المزعزعة للاستقرار، بما في ذلك هجماتها الإلكترونية وتدخلها في الانتخابات الأمريكية. وفي الوقت نفسه، عملنا على الحد من الخطر النووي وخطر الحرب من خلال تمديد معاهدة ستارت الجديدة وإطلاق حوار بشأن الاستقرار الاستراتيجي".
كما أوضح أن واشنطن واضحة عندما يتعلق الأمر بإيران وكوريا الشمالية "لقد قمنا بزيادة الضغوط الدبلوماسية وتعزيز موقف القوة العسكرية الأمريكية لردع وتقييد طهران وبيونج يانج."
وهاجم بلينكن الإدارة السابقة في مقاله "لقد أدى خروج إدارة ترامب، الأحادي الجانب والمضلل، من الاتفاق النووي الإيراني، إلى تحرير البرنامج النووي لطهران، مما أدى إلى تقويض أمن الولايات المتحدة وشركائها"، وفق مقاله المنشور بالمجلة.
إدارة الصراع
هاجم وزير الخارجية الأمريكي، في مقاله، محاولات التمدد الخارجية لخصوم الولايات المتحدة. مؤكدًا أن هذا التوجه "يتجلى بشكل أكثر كثافة في الشرق الأوسط"، وفق تعبيره.
أضاف: "في الماضي، كانت روسيا تدعم جهود مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتقييد طموحات إيران النووية؛ والآن تعمل على تمكين البرنامج النووي الإيراني وتسهيل أنشطته المزعزعة للاستقرار. كما انتقلت روسيا من كونها شريكًا وثيقًا لإسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع حماس بعد هجوم السابع من أكتوبر".
وتابع: "من جانبها، تعمل إدارة بايدن، بلا كلل، مع الشركاء في الشرق الأوسط وخارجه، لإنهاء الصراع والمعاناة في غزة، وإيجاد حل دبلوماسي يمكّن الإسرائيليين واللبنانيين من العيش في أمان على جانبي الحدود، وإدارة خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع، والعمل نحو المزيد من التكامل والتطبيع في المنطقة".
ولفت بلينكن إلى أن هذه الجهود مترابطة "فبدون إنهاء الحرب في غزة، ومسار محدد زمنيًا وموثوق به نحو الدولة التي تعالج التطلعات المشروعة للفلسطينيين واحتياجات إسرائيل الأمنية، فإن التطبيع لا يمكن أن يتقدم إلى الأمام. ولكن إذا نجحت هذه الجهود، فإن التطبيع من شأنه أن يربط إسرائيل ببنية أمنية إقليمية، ويفتح الفرص الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة، ويعزل إيران ووكلاءها".
وأوضح أنه "رغم الجهود التي نبذلها بلا هوادة، فإن العواقب الإنسانية المترتبة على الحرب في غزة ما زالت مدمرة. فقد قُتِل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في صراع لم يبدأوه ولا يمكنهم وقفه. كما نزح سكان غزة بالكامل تقريبًا، وتعاني الغالبية العظمى منهم من سوء التغذية. وما زال نحو مائة محتجز في غزة، إما قتلوا بالفعل أو ما زالوا محتجزين من قِبَل حماس. كل هذه المعاناة تزيد من إلحاح جهودنا الرامية إلى إنهاء الصراع، ومنع تكراره، وإرساء الأساس للسلام والأمن الدائمين في المنطقة".