تأخر الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أثناء وجوده في طهران، في 31 يوليو الماضي، أثار تساؤلات حول أسبابه: هل حرب نفسية تمارسها إيران ضد الاحتلال، أم حسابات الرد، والخوف من هجمات إسرائيلية أمريكية؟
وتزايد خطر نشوب حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط بعد استشهاد هنية في إيران والقائد العسكري في جماعة حزب الله اللبنانية فؤاد شكر في بيروت، مما دعا طهران إلى التوعد بالانتقام.
واتخذت إيران خطوات تحضيرية كبيرة في أنظمة الصواريخ والطائرات بدون طيار مماثلة لتلك التي اتخذتها قبل الهجوم على إسرائيل في أبريل، حسبما قال كبار المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، بحسب موقع "أكسيوس" الأمريكي.
وأعلنت دولة الاحتلال عن حالة التأهب القصوى لجيشها لأول مرة هذا الشهر بعد ملاحظة استعدادات إيران وحزب الله لتنفيذ هجمات، وفقًا لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، عن مصدر، قال إن "إسرائيل لا تعرف ما إذا كانت الهجمات وشيكة وتتحرك بحذر".
حرب نفسية
ونقلت وسائل إعلام أمريكية تصريحات لمسؤول إيراني بارز، يؤكد فيها أن إيران تشن حملة حرب نفسية على إسرائيل، مشيرًا إلى أن الهجوم الذي يتم التلويح به قد لا يحدث على الإطلاق، وفق ما نقلته "القاهرة الإخبارية" في نبأٍ عاجلٍ.
وتهدف هذه التصريحات إلى زعزعة الاستقرار النفسي والسياسي داخل إسرائيل دون اللجوء إلى التصعيد العسكري الفعلي. وأضاف المسؤول أن إيران تستخدم هذا التكتيك كجزء من استراتيجيتها للضغط على إسرائيل، مؤكدًا أن التهديدات المتبادلة لا تعني بالضرورة نية فعلية للهجوم، بل تهدف إلى إبقاء الخصم في حالة توتر دائم.
ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن مصدر داخل النظام الإيراني قوله: "قد يكون هناك هجوم الليلة، أو لا يكون هناك أي هجوم أبدًا"، معتبرًا أن "انتظار الموت أصعب من الموت نفسه".
وذكر أن "إيران بدأت حملة حرب نفسية لإبقاء قدرات إسرائيل العسكرية والأمنية واللوجستية في حالة توتر، إضافة إلى حرمان سكان الأراضي المحتلة من شعور بالهدوء".
ولفت المصدر، إلى أنه بينما تضع إيران حاليًا "إصبعها على الزناد"، فإنها "تريد أن ترى ما إذا كانت إسرائيل ستتنازل عن غزة، ما يجبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على القبول بوقف إطلاق النار، أو ما إذا كانت الولايات المتحدة، والدول الغربية ستعود إلى مفاوضات إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي انسحبت منه واشنطن عام 2018.
ووفقًا للصحيفة البريطانية، يخشى المسؤولون الإيرانيون، أن يستفيد رئيس الوزراء الإسرائيلي من جر إيران إلى حرب، قد تدفع الولايات المتحدة إلى التدخل.
فترة انتظار مدمرة
وقبل بضعة أيام، وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فترة انتظار الضربة الإيرانية بأنها "مدمرة" و"محبطة" لإسرائيل، مشيرة إلى أن تل أبيب تتعرض لأضرار معنوية ونفسية واقتصادية، ترقبًا للضربة الإيرانية.
وكشفت الصحيفة عن تزايد استعدادات الإسرائيليين للرد الإيراني على اغتيال هنية في طهران، بما يشمل تخزين المعلبات وشراء مستلزمات البقاء في الملاجئ لفترة طويلة.
يأتي ذلك، وفق الصحيفة، وسط تفاقم مشاعر القلق بأوساط المجتمع الإسرائيلي، التي انعكست في تزايد الإقبال على تعاطي الكحول والمهدئات، وطلب الاستشارات النفسية، إضافة إلى زيادة في معدل مغادرة البلاد.
وفي مؤشر آخر على القلق، تراجع بقاء الإسرائيليين خارج منازلهم خلال الأيام الأخيرة، بما في ذلك في المقاهي والمطاعم.
وتقول "يديعوت أحرونوت" إنه من ضمن المجالات الأخرى التي تظهر زيادة كبيرة في إقبال الإسرائيليين عليها خلال هذه الأيام، هي العلاجات النفسية.
وحسب الصحيفة العبرية، بينما كان الجميع يتحدث الأسبوع الماضي عن الإسرائيليين العالقين في الخارج دون أن يتمكنوا من العودة إلى إسرائيل؛ بسبب إلغاء ما يزيد على 20 شركة طيران أجنبية الرحلات الجوية إليها، برزت ظاهرة مفاجئة ومعاكسة في سوق الطيران. وأوضحت الصحيفة أن الإسرائيليين "يريدون فقط الهروب من هنا، ويقومون بحجز الرحلات الجوية طوال الوقت".
وخرجت تقارير في الأيام الأخيرة، تشير إلى انقسام داخل القيادة الإيرانية بشأن مسألة الرد على اغتيال هنية في طهران.
انقسام إيراني حول كيفية الرد
وذكرت صحيفة "التليجراف" البريطانية، أن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، يعارض رغبة الحرس الثوري في مهاجمة المواقع العسكرية في تل أبيب ومدن أخرى، مع التركيز على القواعد العسكرية، لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين.
وحسب الصحيفة، اقترح الرئيس الإصلاحي اقتراح استهداف قواعد إسرائيلية سرية في الدول المجاورة لإيران.
وتشير الصحيفة إلى أن الرغبة في الانتقام الذي يهدف إلى ردع إسرائيل ويفرض عليها ثمنًا باهظًا لا تزال قائمة، ولكن في الوقت نفسه، حث خبراء المسؤولين على "التصرف بحكمة" و"التخطيط بعناية" و"عدم التسرع".
وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن بزشكيان، وضع إصلاح اقتصاد إيران وعلاقاتها الدولية في صدارة أجندته، وإنه "قلق من هجوم قد يخلف عواقب وخيمة على البلاد".
وكانت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة قالت في بيان صحفي، الجمعة الماضي: "لدينا الحق المشروع في الدفاع عن النفس، وهي مسألة لا علاقة لها على الإطلاق بوقف إطلاق النار في غزة. ومع ذلك، نأمل أن يكون ردنا محدد التوقيت، وأن يتم تنفيذه على نحو لا يضر بوقف إطلاق النار المحتمل".
وترى "هآرتس" أن البيان الإيراني كان "غامضًا بما يكفي لتمكين الجميع من تفسيره على النحو الذي يرضيهم. ولم يلتزم البيان بطبيعة وتوقيت الرد أو حتى يلمح إليه. ولم يوضح البيان كيف يتوافق الرد، مع الرغبة في وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما تعمل عليه جميع الأطراف الآن قبل جلسة المفاوضات، الخميس".
وردّت إيران، اليوم الثلاثاء، على دعوات الولايات المتحدة ودول أوروبية لها إلى "التراجع" عن تهديدها ضد إسرائيل، مؤكدةً أنها لا تطلب "الإذن" من أحد للردّ على اغتيال هنية في طهران.
مخاوف إيرانية
والأسبوع الماضي، أكدت إيران أن جيشها يجهز منطقة الدفاعات الجوية شرقي البلاد بأنظمة صاروخية ورادارية ومسيّرات، وذلك تحسبًا لهجمات إسرائيلية وأمريكية محتملة حال وجهت طهران ضربة لإسرائيل، انتقامًا لاغتيال هنية.
وتشير تقارير إلى مخاوف لدى إيران من هجمات إسرائيلية أمريكية تطال منشآتها النووية والنفطية؛ مما يدفع طهران إلى التريث في توجيه ضربة لإسرائيل.