الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الموقف الأوروبي من التصعيد الإسرائيلي الإيراني

  • مشاركة :
post-title
علم الاتحاد الأوروبي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

منذ تزايد التصريحات الرسمية الحادة بين إسرائيل وإيران عقب سلسلة الاغتيالات التي بدأت باستهداف القيادي العسكري بحزب الله اللبناني فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو 2024، وما تلاها بيوم واحد من اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عقب مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وتتوالى الضغوط الأوروبية على النظام الإيراني لمنع الرد الإيراني المحتمل ضد إسرائيل، وذلك لتزايد المخاوف من تمدد الصراع بين القوتين الإقليميتين في ظل تحالفاتهما الإقليمية من خلال تمدد الأذرع الإيرانية في دول الإقليم، والدولية من خلال العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بما يدفع بالإقليم والعالم نحو حافة الهاوية، حال خروج المناوشات المتبادلة بينهما عن السيطرة.

ضغوط متعددة

حذرت العديد من الدول الأوروبية إيران من عواقب الهجوم على إسرائيل، لذلك يمكن تناول أبعاد الموقف الأوروبي من السيناريوهات المحتملة للتصعيد على النحو التالي:

(*) الاتحاد الأوروبي: مثّلت التهديدات الإيرانية ضد إسرائيل، على مستوى صناع القرار الإيراني وحق إيران في الرد على انتهاك سيادتها باغتيال إسماعيل هنية على أراضيها هاجسًا مشتركًا للدول الأوروبية، لا سيما على مستوى المؤسسات الأوروبية، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي الذي أوفد أنريكي مورا -يشغل منصب المدير السياسي ونائب الأمين العام للخدمة الخارجية بالاتحاد ويتمتع بخبرة واسعة في التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي- لنقل موقف الاتحاد الأوروبي لمسؤولي الإدارة الإيرانية بشأن جميع القضايا المثيرة للقلق والمتعلقة بإيران، مستغلًا وجوده كممثل للاتحاد الأوروبي في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

(*) فرنسا: تسعى الدول الأوروبية وفى مقدمتها فرنسا لتنشيط المسار الدبلوماسي لتهدئة التوتر الإيراني الإسرائيلي ومحاولة ضمان تخفيف إيران لردها المحتمل إزاء إسرائيل، وبما يحول دون اندلاع حرب شاملة بينهما. وقد جاء الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل وماكرون والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 7 أغسطس 2024، إذ أعرب ماكرون عن قلقه من تصاعد التوترات في المنطقة، وحضّ نظيره الإيراني على الخروج من منطق الانتقام وبذل كل ما في وسعه لتجنب تصعيد عسكري جديد في المنطقة، وأن أي تصعيد عسكري جديد لن يصب في مصلحة أحد، بما في ذلك إيران، وسيضر بشكل دائم بالاستقرار الإقليمي، ومضيفا يجب على إيران أن تلتزم بدعوة الجهات المزعزعة للاستقرار التي تدعمها إلى ممارسة أكبر قدر من ضبط النفس لتجنب التصعيد وتأجيج الأوضاع، وأن دائرة الانتقام يتعين أن تتوقف، وأشار الرئيس الإيراني إلى أن بلاده لن تبقى صامتة أبدًا في مواجهة العدوان على مصالحها وأمنها، وانتقد السلوك المتخاذل للولايات المتحدة والدول الغربية بدعمهم المتناقض والمزدوج نظامًا لا يلتزم بأي من القوانين واللوائح والقوانين الدولية، ولا يتوانى عن ارتكاب أي أعمال إجرامية في المنطقة، يدعون للأسف الدول التي تستهدف بهذه الأعمال إلى عدم الرد والتحلي بضبط النفس

(*) بريطانيا: ترى بريطانيا أن إيران ولبنان على حافة كارثة ما لم يمارس ضبط النفس، وهو التوجه الذي عبر عنه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال اتصاله بالقائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني على باقري كني، والذي أبلغ نظيره البريطاني بأن الأطراف الأوروبية أهدرت أول فرصة للدبلوماسية بعدم إدانة اغتيال إسماعيل هنية في طهران.

واعتبر وزير الخارجية البريطاني أن اغتيال هنية خطوة إلى الوراء في مسار وقف إطلاق النار في غزة، ودعا طهران إلى ضبط النفس، فإسرائيل ولبنان على حافة الحرب، وإذا لم يمارس ضبط النفس سنرى نتائج كارثية. وحذر لامي من أي تصعيد إضافي ليس في مصلحة أحد محذرًا من عواقب مدمرة على المنطقة، إذا ما شنت إيران هجومًا على إسرائيل، كما كتب "لامي" على منصة إكس: "يجب على إيران وجميع الأطراف أن يخفضوا التصعيد بشكل عاجل وفوري".

(*) النمسا وسويسرا: أكد وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالبيرج أن الشرق الأوسط على شفا كارثة، داعيًا إيران إلى إظهار أقصى درجات ضبط النفس مشيرًا إلى أن الناس في غزة يحتاجون إلى وقف إطلاق النار واأنه لا أحد سيستفيد من المزيد من إراقة الدماء، ومشددًا على ضرورة إطلاق سراح جميع الرهائن وحماية أرواح المدنيين على جميع الجوانب. كما أعرب وزير الخارجية السويسري إغناريو كاسيس خلال اتصال هاتفي مع باقري كني القائم بأعمال وزير الخارجية الايراني عن مخاوفه بشأن المخاطر العالية للتصعيد في المنطقة، موضحًا التزام سويسرا بإعطاء الأولوية لضبط النفس والاعتدال والسعي لحل دبلوماسي يخفض التوتر.

دوافع متنوعة

تتنوع دوافع الدول الأوروبية من دعم التهدئة بين إسرائيل وإيران، والسعي لمنع التصعيد المتبادل للعديد من الأسباب التي يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

(*) ارتفاع تكلفة الصراعات: تدرك الدول الأوروبية التي عانت من تداعيات حربين عالميتين على معظم أراضيها تكلفة الصراعات على مستقبل الأمم والشعوب، لا سيما وأن الحرب تحرم الدول من عوائد التنمية، حيث تتجه الدول المنخرطة في الحروب إلى توجيه عوائدها إلى المجهود الحربي والتسليح العسكري، وهو التوجه الذي تبنته العديد من الدول الأوروبية بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية واعتمادها لموازنات عسكرية بدت وكأن العالم يتجه نحو سباق تسلح، بالإضافة إلى تداعيات التصعيد العسكري المحتمل تأثيره على الاستقرار الإقليمي، المرتبط بالسلام والازدهار في الجوار الجغرافي لأوروبا.

(*) تأمين المصالح الأوروبية: ترتبط المصالح الأوروبية بشكل مباشر باستقرار حركة الملاحة البحرية في الممرات الدولية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما وأن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى أزمة طاقة في معظم الدول الأوروبية التي تعتمد في استهلاكها على 40% من الغاز الروسي، لذلك اتجهت بعض الدول الأوروبية إلى عقد اتفاقات ممتدة مع عدد من دول الإقليم المصدرة للطاقة.

وفي ظل تمدد أذرع إيران في العديد من الدول العربية مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان، فإن تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران يعني اتجاه إيران نحو تحريك تلك الأذرع، لتوسيع دارة الرد الانتقامي سواء من خلال استهداف الشمال الإسرائيلي برشقات صاروخية من حزب الله اللبناني أو من خلال التأثير على حركة التجارة الدولية باستهداف ناقلات النفط المتجه للدول الغربية، ومنها الدول الأوروبية كما يحدث في استهداف الحوثيون للناقلات التجارية في البحر الأحمر، والذي تسبب في ارتفاع أسعار الطاقة، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية، لتشكيل ما أطلق عليه تحالف حارس الازدهار وبمشاركة دول أوروبية، لحماية تلك الناقلات من الاستهداف.

(*) حماية الرعايا الأوروبيين: وجهت الدول الأوروبية تحذيراتها لمواطنيها من السفر إلى لبنان وإيران في ظل احتمالات التصعيد بين إسرائيل وإيران، كما طالبت البعثات الدبلوماسية الرعايا الأوروبيين بمغادرة الدولتين بعد التصريحات الرسمية الإيرانية بحق إيران في الرد لانتهاك سيادتها واغتيال إسماعيل هنية.

وأصدرت العديد من الدول الأوروبية بيانات إلى المغادرة في أسرع وقت بسب التصعيد العسكري المحتمل في الشرق الأوسط، ومن أبرز تلك الدول فرنسا وبريطانيا والمانيا وإيطاليا والسويد والنمسا، كما علقت العديد من شركات الطيران الأوروبية رحلاتها إلى بيروت وطهران منها شركة لوفتهانزا الألمانية وشركتا إير فرانس وترانسافيا فرانس.

(*) المخاوف من الانخراط العالمي في الصراع الإقليمي: يشكل التصعيد الإسرائيلي الإيراني مجالًا لاحتمالية توظيف القوى الكبرى المتنافسة على قمة النظام الدولي للتنافس على مساندة الحلفاء وتحويل إقليم الشرق الأوسط لمنطقة تجاذبات إقليمية ودولية من خلال إعادة الاصطفاف والتموضع بين تلك القوى. فمع مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لحليفها الاستراتيجي إسرائيل، ربما يتشكل تحالف مؤيد لإيران من الصين وروسيا بهدف محاولتهما لتخفيف الضغوط الغربية عليهما سواء في منطقة الإندوباسيفيك بالنسبة للصين، أو في أوكرانيا بالنسبة لروسيا. هذا التحول المحتمل لتداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني يزيد من خطر الانخراط العالمي في الصراع الإقليمي، وهو ما تسعى الدول الأوروبية لتجنبه.

مجمل القول، تشعر إيران بمرارة إزاء الموقف الأوروبي وهو ما عبر عنه باقري كني القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني خلال اتصالاته الهاتفية مع وزراء خارجية دول أوروبية، منتقدًا تغاضي ودعم الأوروبيين لإسرائيل، ومؤكدًا أن إيران عازمة بقوة على خلق ردع ضد إسرائيل. هذا الإدراك الإيراني يعكس اصطفافًا غربيًا داعمًا لإسرائيل ولسلوكها العدواني والمتهور في الإقليم، وهو الأمر الذي يصعب مهمة إيران في ردها المحتمل على إسرائيل، ويجعل من وقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة نزعًا لفتيل تدهور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال تبحث عن استقرار طال انتظاره.

وسوم :