الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

إستراتيجية "نزع الشيطنة".. نساء فرنسا يرجحن كفة اليمين المتطرف

  • مشاركة :
post-title
صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

توجهت النساء الفرنسيات في العاصمة باريس، بأعداد متزايدة نحو دعم اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، وتحديّن بذلك كل التوقعات والأنماط السائدة، في مشهد لم يكن متوقعًا قبل بضع سنوات.

وبحسب صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، أظهرت نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة تحولًا جذريًا في توجهات الناخبات الفرنسيات، فوفقًا لاستطلاع أجرته شركة "أوبينيون واي"، حصل حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان على دعم مذهل من النساء، بلغ 33% من أصواتهن، متجاوزًا بذلك نسبة الرجال التي وصلت إلى 30%.

هذه الأرقام تكشف عن زيادة هائلة في دعم النساء للحزب اليميني المتطرف، بارتفاع قدره 12 نقطة مئوية خلال فترة قصيرة لا تتجاوز خمس سنوات، ففي عام 2019، كانت نسبة النساء المؤيدات للتجمع الوطني لا تتعدى 21%، مقارنة بـ 25% من الرجال، مما كان يعكس آنذاك النمط التقليدي لتصويت اليمين المتطرف في أوروبا.

هذا التحول الدراماتيكي طرح تساؤلات حول الأسباب التي تدفع النساء الفرنسيات، اللواتي كن تاريخيًا أكثر ميلًا للأحزاب اليسارية والوسطية، نحو تبني خطاب اليمين المتطرف بهذه الكثافة.

السباحة عكس التيار

تشير صحيفة "بوليتيكو" إلى أن فرنسا تسير في اتجاه مغاير لما تشهده في بقية أنحاء أوروبا في ما يتعلق بتصويت النساء لصالح أحزاب اليمين المتطرف، ففي ألمانيا، على سبيل المثال، حصل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف على 19% من أصوات الرجال، بينما لم يحصل سوى على 12% فقط من أصوات النساء، وفقًا لاستطلاع للرأي أُجريَّ في 9 يونيو.

وفي إيطاليا، البلد الذي يشهد حكومة يمينية بقيادة جورجيا ميلوني، نال حزب "إخوة إيطاليا" 30.5% من أصوات الرجال مقارنة بـ27% فقط من أصوات النساء، وفقًا لمعهد ديموبوليس.

هذا التباين الواضح بين فرنسا وجيرانها الأوروبيين يثير العديد من التساؤلات حول الخصوصية الفرنسية في هذا الصدد.

استراتيجية التجمع الوطني

تشير الصحيفة الفرنسية إلى أنه يبدو أن قادة التجمع الوطني قد أدركوا بذكاء أهمية استمالة الناخبات كمفتاح للنجاح السياسي، وصرح جوردان بارديلا، الزعيم الشاب للحزب البالغ من العمر 28 عامًا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات قوية، واعدًا بأن يكون "رئيس وزراء يضمن حقوق وحريات كل امرأة وفتاة في فرنسا".

وفي مقطع فيديو لافت للنظر، أكد بارديلا التزام حزبه بتعزيز حقوق المرأة، مشيرًا إلى مجموعة واسعة من القضايا، بدءًا من توفير الدعم الطبي وصولًا إلى تعزيز الحماية للنساء ضحايا العنف المنزلي، كما تعهد باتخاذ إجراءات صارمة ضد ما وصفه بـ"المجرمين الأجانب"، ووعد بفرض عقوبات أشد على مرتكبي العنف ضد المرأة.

وفي تصريح يعكس فهمًا عميقًا لمخاوف الناخبات، قال بارديلا: "لا ينبغي أن تخشى أي امرأة الخروج إلى شوارع بلادنا، مهما كان الوقت من اليوم أو الليل".

من جهته، يرى إروان ليستروهان، مدير الأبحاث في شركة "إدوكسا" الفرنسية المتخصصة في استطلاعات الرأي، أن المنصة السياسية الجديدة للتجمع الوطني مصممة بعناية لـ "حماية المواطنين الفرنسيين القلقين بشأن هشاشتهم الفردية".

وأضاف "ليستروهان" أن الحزب نجح في الربط الماهر بين قضايا الأمن والهجرة، مع توسيع مفهوم "الحماية" ليشمل مجالات أوسع مثل الصحة والتوظيف وظروف المعيشة، وهي مواضيع تلقى صدى قويًا لدى الناخبات.

هذه الاستراتيجية الذكية تعكس تحولًا في خطاب اليمين المتطرف، من التركيز على القضايا التقليدية مثل الهوية والهجرة، إلى تبني نهج أكثر شمولية يلامس الهموم اليومية للنساء الفرنسيات.

دور مارين لوبان

لا يمكن الحديث عن صعود التجمع الوطني دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي لعبته مارين لوبان في تغيير صورة الحزب وجذب الناخبات، فقد نجحت المرشحة الرئاسية السابقة، منذ توليها قيادة الحزب، في تحقيق اختراقات انتخابية كبيرة، وصلت بها إلى الدور الثاني في اثنتين من محاولاتها الثلاث للفوز بالرئاسة الفرنسية.

وقالت نونا ماير، عالمة السياسة المتخصصة في اليمين الفرنسي المتطرف: "ما دفع حقًا الانطلاقة الانتخابية لمارين لوبان كان نجاحها الباهر في جذب الناخبات".

وأضافت "ماير" أن والد مارين، جان-ماري لوبان، الزعيم السابق للحزب، كان "مرفوضًا بشدة" من قبل النساء اللاتي نفرن من مواقفه "المتحيزة جنسيًا" و"الفظة".

وتابعت: "بمجرد أن أصبحت مارين لوبان المرشحة الرئيسية للحزب، بدأت النساء في التصويت للتجمع الوطني بنفس نسب الرجال، وهو ما يمثل تحولًا جذريًا في الديناميكيات الانتخابية للحزب".

هذا التحول يعكس قدرة لوبان على تقديم صورة أكثر اعتدالًا وجاذبية للحزب، مع الحفاظ على جوهر سياساته اليمينية المتطرفة، في إستراتيجية أطلق عليها المراقبون اسم "نزع الشيطنة".