في قرار جدلي وصادم، خفضت وكالة التصنيف الائتماني العملاقة "ستاندرد آند بورز" تصنيف الديون السيادية الفرنسية من "AA" إلى "AA-"؛ ما أثار موجة من الانتقادات اللاذعة في الساحة السياسية والاقتصادية الفرنسية، إلا أن هذا القرار، الذي أتى قبل أسبوع فقط من انتخابات البرلمان الأوروبي، يُعتبر ضربة قوية للأغلبية الحاكمة التي تواجه بالفعل صعوبات في حملتها الانتخابية.
ردود فعل حادة
وفقًا لما نقلته صحيفة "لوموند" الفرنسية، تعرضت الحكومة لانتقادات شديدة من قبل المعارضة على إثر هذا القرار، فقد وصف إريك سيوتي، رئيس حزب الجمهوريين، الخطوة بأنها "نتيجة للإدارة المؤسفة للمالية العامة من قبل الثنائي ماكرون/لومير"، مضيفًا أنه لا شك أن هذا التراجع في التصنيف يُعد ضربة أخرى للأغلبية الحاكمة التي تكافح بالفعل في حملتها الانتخابية للبرلمان الأوروبي.
أسباب تراجع التصنيف
استنادًا إلى تحليل وكالة ستاندرد آند بورز، جاء قرار خفض تصنيف فرنسا نتيجة "تدهور وضعها المالي"، حيث جاء عجز الميزانية في عام 2023 أعلى بكثير مما كانت تتوقعه الوكالة، والتي تنتظر أن يستغرق عودة العجز إلى ما دون 3% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2027.
دفاع الحكومة عن سياساتها
من جهته، دافع بروني لومير، وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، بشراسة عن سياسات حكومته في مقابلة مع صحيفة لوموند، قائلًا إن "السبب الرئيسي لهذا التراجع، هو أننا أنقذنا الاقتصاد الفرنسي"، خلال سلسلة الأزمات المتتالية التي واجهتها البلاد.
وأكد لومير عزمه على مواصلة استراتيجيته الرامية إلى "إعادة التصنيع وتحقيق التشغيل الكامل والحفاظ على عجز أقل من 3% بحلول عام 2027".
تحديات المالية العامة
على الرغم من تبريرات الحكومة، إلا أن التحديات المالية العامة لا تزال كبيرة وملحة، إذ إنه بحسب ما أشارت الصحيفة الفرنسية، ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 97% في عام 2017 إلى 111% في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى ذروتها عند 113% في عام 2025، بالإضافة إلى ذلك، تجاوزت النفقات العامة الفرنسية 57% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الماضي، بزيادة قدرها 8 نقاط مئوية عن متوسط منطقة اليورو، وفقًا للصحيفة.
البحث عن توفير الإنفاق
في محاولة لإعادة توجيه المسار، تعهدت وزارة المالية الفرنسية، حسب ما نقلته لوموند، بتحقيق تدابير وإجراءات لخفض النفقات الحكومية وترشيد الإنفاق العام، حيث تم الإعلان عن 10 مليارات يورو من التدابير بموجب ميزانية عام 2024، وسيتم توزيع 10 مليارات يورو أخرى بين الهيئات المحلية والدولة.
أما بالنسبة لعام 2025، فتستهدف الوزارة تحقيق وفورات بقيمة 20 مليار يورو تقريبًا، لكن لم يتم تحديد مصادرها بعد، وفقًا للصحيفة.
تحذيرات مستقبلية
على الرغم من وعود الحكومة بتحقيق وفورات وخفض العجز، إلا أن التحذيرات تتوالى من الجهات الدولية حول مستقبل المالية العامة الفرنسية.
ففي آخر مراجعة للاقتصاد الفرنسي، أشار صندوق النقد الدولي إلى أنه في ظل سيناريو "السياسة غير المتغيرة"، والذي يأخذ في الاعتبار فقط "التدابير المعتمدة والموثقة بوضوح"، فإن "العجز العام سيظل مرتفعًا عند 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 وسينخفض قليلًا إلى 4.5% في عام 2027"، بحسب ما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية.
وهذه النسب تبقى بعيدة كل البعد عن أهداف الحكومة لعجز يبلغ 5.1% و2.9% على التوالي.
تأثير إصلاح نظام البطالة
رغم ذلك، لا تأخذ تقديرات صندوق النقد الدولي في الاعتبار آثار إصلاح نظام التأمين ضد البطالة الأخير، والذي من شأنه، وفقًا لتوقعات الحكومة المنقولة في صحيفة لوموند، أن يوفر ما يصل إلى 4 مليارات يورو، ويعزز أيضًا النمو المحتمل للبلاد. لكن في المقابل، من المتوقع أن يبلغ عجز نظام الضمان الاجتماعي الفرنسي 6 مليارات يورو أكثر مما كان متوقعًا في عام 2024، وهو ما قد يلغي تأثير هذا الإصلاح.