في قلب العدوان الإسرائيلي الدموي المُستمر على قطاع غزة منذ أكثر من 200 يوم، جاء قرار محكمة العدل الدولية كصفعة قوية على وجه الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المُتواصلة لحقوق الإنسان، فبعد معاناة لا تنتهي للشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال العسكري، أصدرت المحكمة قرارًا تاريخيًا يدين بشكل قاطع الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية، ويطالب بوقفه "على الفور"؛ نظرًا للخطر المباشر الذي تشكله على حياة الفلسطينيين.
في هذا الصدد أشار د. منير نسيبة، أستاذ القانون الدولي الإنساني، بجامعة القدس، إلى أن قرار محكمة العدل الدولية الأخير القاضي بوقف الاحتلال الإسرائيلي لهجماته العسكرية في رفح الفلسطينية فورًا، يمثل فرصة لا يجب إضاعتها للضغط على إسرائيل بشكل متصاعد؛ كي تمتثل لهذا القرار وغيره من القرارات الدولية.
استراتيجية متعددة المحاور
على الصعيد نفسه، حذر نسيبة، في تصريحات لـ" القاهرة الإخبارية"، من خطورة التعويل على جهة واحدة فقط، مهما كانت مؤثرة، داعيًا إلى اتباع استراتيجية متعددة المحاور والمسارات للوصول إلى الهدف المنشود.
فعلى الصعيد الأممي، أكد "نسيبة" ضرورة التحرك عبر مجلس الأمن الدولي لطلب إجراءات جبرية ملزمة لإسرائيل، متوقعًا في الوقت ذاته استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) لصالح حليفتها الاستراتيجية، لكنه شدد على أهمية هذه الخطوة رغم ذلك، للتأكيد على الموقف القانوني والأخلاقي وكشف حقيقة الانحياز الأمريكي لإسرائيل.
دور محوري للجمعية العامة
كما أولى "نسيبة" أهمية كبيرة لدور الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في فرض إجراءات عقابية وقيود مختلفة على إسرائيل.
وقال في هذا الصدد: "نستطيع من خلال الجمعية العامة العمل على إجراءات عقابية تدعو الدول الأعضاء للتصرف وفقًا لمنهج حقوقي يحمي الحياة الإنسانية، لا سيما أن الضجر من الاحتلال الإسرائيلي وممارساته يتزايد في العالم بشكل كبير".
العقوبات الدولية والإجراءات المنفردة
إلى جانب ذلك، شدد الخبير القانوني على أهمية المضي قدمًا في فرض المزيد من العقوبات والإجراءات العقابية من قبل الدول المنفردة ضد إسرائيل، مُوضحًا أن هناك بالفعل بدايات في هذا الاتجاه يجب البناء عليها.
وقال "بدأنا نشهد بعض العقوبات والإجراءات المنفردة من قبل دول مختلفة، ولكن يمكننا -ويجب علينا- فعل المزيد على هذا الصعيد بشكل مستمر ومتزايد والتصعيد، كي تشعر إسرائيل بالعزلة الدولية المتنامية إزاء ممارساتها غير القانونية".
الحل الجذري
كما تطرق "نسيبة" إلى تأثير قرار محكمة العدل الدولية على مستقبل الدولة الفلسطينية، مُوضحًا أن القرار لا يؤثر بشكل مباشر، لكنه في المقابل يسهم بشكل كبير في كشف حقيقة إسرائيل كدولة مارقة ومنتهكة للقانون الدولي ولحقوق الإنسان.
وتابع "هذا يندمج مع النظرة المتزايدة إلى إسرائيل كدولة فصل عنصري، حيث يجب تفكيك هذا النظام كما جاءت به تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية".
وأضاف "إن الحل الجذري لهذه الأزمة الممتدة يكمن في تفكيك منظومة الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي، والعمل على إقامة دولة فلسطينية حقيقية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ولن تتحقق هذه الأهداف إلا بالضغط المتصاعد على إسرائيل حتى الانصياع للقانون الدولي".
وحول الخطوات العملية المطلوبة، شدد نسيبة على ضرورة مواصلة الجهود على الأصعدة كافة، سواءً في مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو عبر إجراءات العقوبات والمقاطعة من قبل الدول المنفردة.
وقال "يجب علينا مضاعفة الجهود لاستصدار المزيد من القرارات في المحافل الدولية، التي تدين الممارسات الإسرائيلية، وتطالبها بالامتثال للقانون الدولي. كما يجب العمل على توسيع دائرة الدول التي تفرض عقوبات وتدابير مقاطعة على إسرائيل، سواءً اقتصادية أو دبلوماسية أو غيرها."
أهمية الضغط الدولي
واختتم الدكتور منير نسيبة تصريحاته بالتأكيد على أهمية الضغط الدولي المتزايد على إسرائيل عبر المحاكم والمؤسسات الدولية المختلفة، قائلًا: "إن قرارات محكمة العدل الدولية وغيرها من المحاكم الدولية المتتالية بشأن انتهاكات إسرائيل، تساعد بشكل كبير في زيادة الضغط الدولي عليها، الأمر الذي قد يفضي إلى الوصول في نهاية المطاف إلى حل المشاكل الجذرية، وليس فقط التعامل مع الفروع الناجمة عن الاحتلال والممارسات الإسرائيلية".
وأضاف نسيبة "لقد آن الأوان للعالم أن يتخذ مواقف وإجراءات حازمة ضد قوة احتلال متمردة وعنصرية، تتجاهل بشكل مستمر كل القرارات والمواثيق الدولية، وتهدد بذلك السلم والأمن الدوليين. فالضغط الدولي المتزايد هو السبيل الوحيد لإجبار إسرائيل على الانصياع للشرعية الدولية".