الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

في الذكرى الـ 75 لتأسيس حلف الناتو ...الفرص والتحديات

  • مشاركة :
post-title
عَلم حلف الناتو

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

احتفل وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه، والتي توافق الرابع من أبريل من عام 1949، إذ انطلق الحلف باثنتي عشرة دولة عضوًا مؤسسًا هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والبرتغال، والنرويج، وهولندا، ولوكسمبورج، وإيطاليا، وأيسلندا، وفرنسا، والدنمارك، وبلجيكا وكندا. ليصبح عدد أعضائه 32 عضوًا بعد انضمام أحدث عضوين مؤخرًا هما: فنلندا والسويد.

ويثار التساؤل الرئيسي في ظل الاحتفال باليوبيل الماسي لنشأة الحلف حول ما إذا كان الحلف نجح في حقبة الأحادية القطبية، والتي تهيمن فيها الولايات المتحدة والمنظومة الغربية على تفاعلات النظام الدولي في تحقيق الأمن والاستقرار لذلك النظام، أم أن ثمة تهديدات لا تزال تشكل تحديات للأمن العالمي بشكل عام والأمن الأوروبي تحديدًا، والذي كشفت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي انطلقت في فبراير 2022 ودخولها العام الثالث عن هشاشة الأمن الأوروبي، وعدم قدرته على تحقيق الردع أو الاستقرار في ربوع القارة الأوروبية التي لا تزال تبحث عن آليات فاعلة لمواجهة التحديات المعقدة.

دلالات متعددة

عكست رمزية الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للتوقيع في واشنطن على معاهدة شمال الأطلسي في الرابع من أبريل 1949 على معاهدة شمال الأطلسي، والتي تأسس بموجبها حلف ليس عسكريًا فقط بل وسياسيًا أيضًا، لتؤكد على العديد من الدلالات لعل أهمها:

(*) مركزية التحالف الأوروبي الأمريكي: جاء تأسيس حلف شمال الأطلسي ليجسد انتصار المنظومة الغربية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك حلف وارسو، ويعكس مقولة نهاية التاريخ التي روج لها فوكوياما بانتصار الحضارة الغربية على كل الحضارات الأخرى، وأن قيم الحضارة الغربية هي التي تسود المجتمعات الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار. لذلك فإن التحالف الأمريكي الأوروبي يجسد ذلك الانتصار من ناحية كما أنه يمثل وحدة المصير الأمريكي الأوروبي من ناحية أخرى. لذلك جاء تصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج على هامش الاحتفال بالذكرى الـ75 لتأسيس للحلف "بأن الوقت الذي نواجه فيه عالمًا أكثر خطورة، فإن العلاقة بين أوروبا وأمريكا الشمالية صارت أكثر أهمية من أي وقت مضى".

(*) الضمانة الأمريكية للأمن الأوروبي: تشكل مظلة حلف شمال الأطلسي الضمانة الأمريكية للأمن الأوروبي، وهو الأمر الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن على الولايات المتحدة الأمريكية المحافظة على التزامها المقدس حيال حلف شمال الأطلسي، قائلًا: "علينا أن نتذكر أن الالتزام المقدس الذي نقدمه لحلفائنا بالدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو يمنحنا نحن أيضًا الأمان". وتتجسد الفكرة المركزية من تأسيس حلف الناتو كما جاء في المادة الخامسة من معاهدة تأسيس الحلف بأن جميع دول الحلف توافق على الدفاع عن أي دولة أخرى فيه، في حالة وقوع هجوم. وقد شكلت تلك المادة الدافع الرئيسي لانضمام كل من السويد وفنلندا للحلف عقب الحرب الروسية الأوكرانية، وتخليهما عن عقود من الحياد، وربما كانت تلك المادة أيضًا الدافع المحوري لمطالبة أوكرانيا بالانضمام للحلف.

(*) تعزيز الدعم الغربي لأوكرانيا: شكل القاسم المشترك لكلمات وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي خلال الاحتفال بالذكرى الـ75 لتأسيسه في بروكسيل هو الاتفاق على القيام بدور أكبر لتنسيق المساعدات العسكرية لأوكرانيا، إذ اقترح الأمين العام لحلف شمال الأطلنطي ينس ستولتنبرج إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو لدعم الجيش الأوكراني على مدى خمس سنوات.

تحديات ماثلة

للمفارقة، فإن احتفال الدول الأعضاء في حلف الناتو بمرور 75 عامًا على تأسيسه تزامنت مع أحد أبرز التحديات التي تواجه الأمن الأوروبي، وهي دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، لاسيما وأن نشأة الحلف جاءت لمواجهة حلف وارسو الذي انهار عقب تفكك الاتحاد السوفييتي. لذلك تتنوع التحديات التي لازالت تمثل تهديدات ماثلة للحلف في عيده الماسي، لعل أبرزها:

(*) الحرب الروسية الأوكرانية: كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن هشاشة منظومة الأمن الأوروبي وعدم قدرتها على مواجهة التحديات المتنامية. لذلك جاء تكرار الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذيره للرئيس فلاديمير بوتين بأن الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادته سوف تدافع عن كل شبر من أراضي الناتو. في حين تشير روسيا إلى أن الحلف عاد لعقلية الحرب الباردة وفقًا للمتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، وأن الحلف ليس له مكان في العالم متعدد الأقطاب الذي تسعى روسيا لبنائه لإنهاء الهيمنة الأمريكية. وربما مثّل اتجاه عدد من الدول الأوروبية لعقد اتفاقات أمنية ثنائية مع أوكرانيا تعويضًا عن انضمامها لحلف الناتو بحيث تقوم هذه الدول، منها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بتعزيز دعمها العسكري لأوكرانيا وفق تلك الاتفاقات، لمواجهة روسيا التي تحقق نجاحات متتالية في ميدان المعركة.

(*) الانقسام الأوروبي: يشكل الانقسام الأوروبي أحد التحديات التي تواجه مسيرة الحلف في عيده الماسي لتحقيق الأمن الأوروبي، لاسيما وأن ثمة دعوات كانت تبلورت للمطالبة بتشكيل جيش أوروبي مستقل لحماية القارة الأوروبية من التهديدات المتنامية بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية. وقاد ذلك التوجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصف الحلف بأنه يعاني من موت دماغي، وأيدته المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لتشكيل مثل ذلك الجيش المستقل. غير أن الحرب الروسية الأوكرانية جاءت لتعزز من ذلك الانقسام ما بين دول تؤيد الدعم العسكري لأوكرانيا، وأخرى تتبنى الحل التفاوضي مع روسيا لوقف الحرب، بعد أن برز اتجاه يتبنى الرؤية القائلة بأن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في استدراج روسيا للمستنقع الأوكراني، لتحقق هدفين رئيسيين الأول: تقليم أظافر الدب الروسي من خلال فاتورة حرب باهظة التكاليف يكون لها مردودها الاقتصادي على الداخل الروسي، والثاني: الحد من كثافة العلاقات الاقتصادية الروسية الأوروبية بعد تدشين خطى الغاز نورد ستريم 1و2 بما يؤثر على مستقبل العلاقات الأوروبية الأمريكية، والدور الأمريكي باعتباره المظلة الضامنة للأمن الأوروبي.

(*) الإنفاق الدفاعي: يشكل الإنفاق الدفاعي أحد أبرز التحديات التي تواجه حلف شمال الأطلسي في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه، والتي تقدر بـ2% من الناتج المحلي الإجمالي للدول يخصص للدفاع العسكري. وتتكون الصناديق المشتركة للحلف من المساهمات المباشرة في الميزانيات والبرامج الجماعية، التي تعادل 0.3% من إجمالي الإنفاق الدفاعي للحلف (نحو 3.3 مليار يورو لعام 2023). وتمكن هذه الأموال الحلف من توفير القدرات وإدارة المنظمة بأكملها وقياداتها العسكرية. كما زاد إنفاق الأعضاء الأوروبيين العسكري في الناتو بأكثر من الثلث منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 ليصل إلى 380 مليار دولار. وإذا كانت بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبولندا وفنلندا واليونان، ودول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) تخصص أكثر من 2% من ناتجها المحلى الجمالي للدفاع العسكري، فإن دولًا أخرى أعضاء، مثل ألمانيا وفرنسا والنرويج وإسبانيا وتركيا، تخصص أقل من ذلك.

(*) عودة ترامب: يرى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأن حلف شمال الأطلسي يمثل عبئًا على الولايات المتحدة الأمريكية، فخلال فعاليات حملته الانتخابية فبراير 2024 صرح بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدافع عن أي دولة عضو لم تدفع ما عليها. وسبق أن وصف ترامب عام 2016 خلال رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية بأن الناتو يعد منظمة من الماضي وعفا عليها الزمن وكلفت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من المال. لذلك يخشى العديد من المسؤولين الأوروبيين من عودة ترامب لسدة الحكم بعد أن حاز على عدد من أصوات مندوبي الحزب الجمهوري لترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في نوفمبر 2024 منافسًا للرئيس الحالي جو بايدن، بما قد يؤثر على استراتيجية الحلف إزاء أوروبا، أو ابتزاز دولها من قبل ترامب الذي لا يهمه سوى المال. إذ لا يعتبر ترامب روسيا بقيادة بوتين تهديدًا وجوديًا للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولا تحتاج وحلفاؤها الأوروبيون إلى الحماية من روسيا.

مجمل القول، إن احتفال الناتو بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه تأتى والحلف يمر بمفترق طرق حقيقي، فالحرب الروسية الأوكرانية تدخل عامها الثالث في ظل غياب أي بوادر للحل السياسي، والتهديد الروسي باستخدام السلاح النووي في حالة انخراط الحلف أو أي من أعضائه في الحرب بشكل مباشر. وهو الأمر الذي يهدد السلام العالمي، ومع احتمالية عودة ترامب إلى قيادة الولايات المتحدة الأمريكية وفى ظل توظيفه للتكلفة المالية في الدفاع عن أمن أوروبا، فإن الحلف قد يواجه أصعب سنواته.