الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

توسيع الجبهات.. قراءة في نتائج قمة حلف الناتو في فيلنيوس

  • مشاركة :
post-title
قادة قمة حلف الأطلسي في فيلنيوس

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

اختتمت قمة منظمة حلف شمال الأطلسي أعمالها يوم أمس الأربعاء 12 يوليو 2023، بالتأكيد على اعتبار روسيا التهديد المباشر للدول الأعضاء، وشددت على مهام الحلف الثلاث والمتمثلة في الردع والدفاع، الأمن التعاوني، وإدارة الأزمات والوقاية منها.

وأكد بيان قمة قادة دول وحكومات الناتو يوم الثلاثاء 11 يوليو 2023، الصادر في نحو 90 فقرة، توافق الحلفاء على تحديث خطط الدفاع وتطوير دور الحلف في صناعة السياسات الخارجية والدفاعية في المجال الأورو-أطلسي. وتضمن البيان حاجة الحلفاء للالتزام الكامل بتعزيز الاستثمارات الدفاعية ووضع أولوية لبناء قواعد صناعة دفاعية متكاملة.

وعلى الرغم من صعوبة تطبيق أغلب مقررات القمم السنوية منذ قمة ويلز 2014 على خلفية ضم شبه جزيرة القرم، إلا أن قرارات قمة مدريد 2022، وضعت مستهدفات أعلى في النواحي الدفاعية لتهدئة مخاوف دول الجبهة الشرقية، وهو ما أعادت قمة فيلنيوس 2023 التأكيد عليه بمزيد من الالتزامات.

مقررات القمة:

أعطت قمة فيلنيوس اهتمامًا واضحًا، بوضع سيناريوهات للدفاع أمام أي مواجهة محتملة مع روسيا، في ظل بيئة أمنية شديدة التعقيد، يمكن إبرازها على النحو التالي:

(*) خطة الدفاع: نتيجة للتأخر في تنفيذ التزامات الاستثمار الدفاعي وبطء عمليات نشر القوات متعددة الجنسيات في المجموعات القتالية الثمانية على امتداد الجبهة الشرقية، ركزت القمة على الالتزام تعزيز خطط الدفاع الإقليمي وتعزيز دور الحلف العسكري في دعم التشغيل البيني بين قوات الحلفاء لضمان تكاملها تحت مظلة قيادة وسيطرة الناتو، مع إعطاء هيكل الحلف إشرافًا أكبر على الصناعات الدفاعية لدول الحلف لتحقيق مستهدفات نشر المعدات اللازمة لتنفيذ خطط الحلف. وشدد الحلفاء على أهمية القدرات النووية للحلفاء في الردع وحرمان الخصوم من التهديد باستخدامها، وتعهد بيان قمة القادة بفرض تكاليف وأعباء تفوق أي فوائد للخصوم من استخدامها ضد الحلف.

استهدفت القمة تعميق دور الحلف في القيادة والسيطرة لجيش متعدد الجنسيات قد يصل إلى 300 ألف مقاتل، ووضع خطط دفاع إقليمية في الجبهات الثلاث (القطب الشمالي، البلطيق، والبحر الأسود)، كما يساهم في خطط أمن إمدادات الطاقة اللازمة لعملياته ولتأمين احتياجات الحلفاء.

(*) مجلس الناتو-أوكرانيا: لم تضع القمة جدولًا زمنيًا لانضمام أوكرانيا إلى الحلف على وقع التباينات في مواقف الحلفاء حول تطورات الوضع الميداني في شرق وجنوب أوكرانيا وعدم رغبة كبار دول الحلف في الدخول بمواجهة مباشرة مع روسيا بتفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو، كما تحتاج أوكرانيا لتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية كأساس للانضمام إلى التحالف الغربي بمنظومتيه السياسية الأمنية "الناتو" والاقتصادية "الاتحاد الأوروبي". كما حدد بيان القمة آلية مراجعة التقدم في إجراء الإصلاحات سنويًا من خلال اجتماع وزراء خارجية الحلف.

إلى ذلك قدمت دول الحلف تعهدات إضافية لدعم أوكرانيا عسكريًا، حيث أعلنت ألمانيا عن حزمة مساعدات بقيمة 700 مليون يورو تتضمن نحو 40 عربة مدرعة ودبابات "ليوبارد-2" ومنظومات دفاع جوي من طراز "باتريوت".

كما أعلنت فرنسا تقديم صواريخ بعيدة المدى، ووفق ما نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر عسكري فرنسي يوم الثلاثاء 11 يوليو 2023 أن باريس سلمت بالفعل عددًا كبيرًا من صواريخ كروز من طراز "سكالب" يصل مداها 250 كم، شريطة عدم استخدامها خارج حدود أوكرانيا المعترف بها دوليًا. وأعلنت النرويج زيادة دعمها لكييف إلى نحو 220 مليون يورو. وأعلنت المملكة المتحدة كذلك تزويد أوكرانيا بنحو 70 مركبة قتالية ولوجيستية، وذخائر لدبابات "تشالنجر-2".

(*) عضوية السويد: على الرغم من ارتهان عضويتها بتصديق برلماني تركيا والمجر، إلا أن قمة الحلف في فيلنيوس، قدمت السويد كدولة عضو بحكم الأمر الواقع، خاصة في ظل التشغيل البيني بين جيشها وجيوش الحلفاء والانخراط في تدريبات الحلف وآخر تدريب "آير ديفيندرز" الذي أقيم في ألمانيا بمشاركة نحو 10 آلاف جندي.

(*) تعاون وثيق مع الشركاء: تصدر شركاء حلف الناتو في منطقة المحيطين (اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا) الاهتمامات بعد التأكيد على التحدي المنهجي الذي تشكله الصين لقيم ومصالح وأمن الحلفاء والشركاء، في ظل شراكتها الاستراتيجية مع روسيا في تغيير النظام العالمي القائم على القواعد، حسب البيان. ونتيجة لعدم توافق الحلفاء، لم يعلن الحلف عن إقامة مكتب اتصال في طوكيو للتنسيق والتشاور مع الدول الأربعة، إلا أن حضور قادة الدول الأربعة بات تقليدًا شبه دائم مع توسيع نطاق أمن الحلف على ضوء التطورات في مناطق الجوار والمناطق التي يتعلق بها أمن دول حلف الناتو، والروابط الأمنية بين تلك الدول والحلفاء التي كانت موضع ترحيب في البيان، فضلًا عن انخراط بعض الدول الآسيوية في جهود وبرامج الحلف ومنها دور اليابان في مجموعة السبع الصناعية ودعمها لأوكرانيا.

وأولى الحلف اهتمامًا بمنطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا، وبتوثيق التعاون مع الشركاء في مجموعة الحوار المتوسطي ودول مبادرة اسطنبول للتعاون وكذلك مع منظمة الاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبحث إنشاء مكتب اتصال في العاصمة الأردنية عمّان، وبحث تطوير التعاون مع الحكومة العراقية ليشمل العمل مع وزارة الداخلية والشرطة الاتحادية.

انعكاسات جوهرية

يبدو أن المتغير الأهم في قمة فيلنيوس هو استثمار التباينات في المواقف لصالح تقوية حلف الناتو ليس فقط كمظلة للتعاون السياسي والأمني وإنما كمنظمة تتمتع بمرونة عالية في اتخاذ قرارات من شأنها مراعاة مصالح ومخاوف مختلف الأطراف وتحجيم نزوع بعض الحلفاء للاستقلال بالقرارات الاستراتيجية والدفاعية أو الإضرار بسياسة الحلف في احتواء المخاطر وضبط التصعيد على الساحة الأوكرانية، وفي المقابل عززت القمة مسؤولية تقاسم الأعباء في الدفاع عن الحلف في ثلاث جبهات تمتد من القطب الشمالي إلى منطقة بحر البلطيق انتهاءً بالبحر الأسود.

(#) تقاسم الأعباء والمنافع: سيظل الدور الأمريكي هو الأبرز في الدفاع عن الحلفاء لدول الجبهة الشرقية للناتو بما توفره من انتشار عسكري يناهز 100 ألف مقاتل، فضلًا عن القدرات النووية الاستراتيجية التي تمثل الضمان الأمني الأهم للحلف، لكن القمة أكدت على تقاسم الأعباء مع القوى النووية الأوروبية ممثلة في فرنسا وبريطانيا، وأكدت على تعزيز الاتصالات الاستراتيجية واتخاذ إجراءات لضمان مصداقية الردع النووي.

وتشمل جهود تقاسم الأعباء تعزيز مشاركة دول الحلف في المجموعات القتالية بالجبهة الشرقية للوصول إلى مستوى الألوية، وكذلك التزويد بالأسلحة والذخائر وتعزيز التشغيل البيني بين جيوش الدول الأعضاء لخلق حالة من التكامل بينها في الميدان تجهيزًا لأي عمليات محتملة ضمن نموذج قوة الناتو الذي يسعى لرفع قدرات الحلف على تعبئة 300 ألف مقاتل، ومن المحتمل أن يستدعي ذلك تحديد التزامات ومصالح الصناعات الدفاعية للقوى الكبرى لخلق حالة من التكامل بينها بدلًا من التنافس غير العادل.

(#) تحديد المجال الأورو-أطلسي: يمثل انضمام السويد شبه الرسمي لحلف الناتو استكمالًا لرسم مجال دفاع الحلف على جبهات مختلفة، وهو ما يعززه بروز الحلف كوحدة جيواستراتيجية واحدة تتمتع بدرجة من الترابط الذي يمكّن الحلف من مرونة نشر تعزيزاته العسكرية في الجبهتين الشمالية والشرقية.

كما حدد بيان القادة المجال الأوسع للحلف وثيق الصلة بأمن ومصالح وقيم دوله الأعضاء ممثلًا في التوترات في غرب البلقان، والتنافس الاستراتيجي مع الصين وروسيا في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا، والتوترات في منطقة المحيطين التي تؤثر بشكل مباشر على أمن الحلفاء وشركائهم في المنطقة.

(#) تعميق دور الحلف: بجانب خطة الدفاع، يلعب الحلف دورًا رئيسيًا في تطوير التكنولوجيا مزدوجة الاستخدام عبر صندوق الابتكار وبالتعاون مع دول الحلف والقطاع الخاص، لضمان التفوق التكنولوجي وتعزيز التشغيل البيني لجيوش الحلفاء في الأبعاد البرية والبحرية والجوية والسيبرانية والفضاء الخارجي، وكذلك مواجهة الاستخدامات الضارة والخبيثة للتكنولوجيا المدنية لأغراض عسكرية، فضلًا عن المشاركة في دعم الصناعة الدفاعية للحلفاء وتعاون صناعي داخل أوروبا وعبر الأطلسي، وفق خطة عمل تراعي "الشفافية والمعاملة العادلة"، مع إعطاء أولوية لإنتاج الذخائر الأرضية.

كما احتفظ الحلف بدور موحد ورئيسي في تزويد أوكرانيا بالأسلحة بالتعاون مع مجموعة السبع الصناعية، التي ستقدم ضمانات أمنية طويلة المدى بما فيها الأسلحة، كما سيتابع حلف الناتو جهود بناء قطاع الأمن والدفاع الأوكراني لدعم صموده في مواجهة روسيا وتقريبه من معيار الحلفاء الغربيين، بجانب تعزيز الدعم المعلوماتي والاستخباراتي، وهو ما يوفر على الجانب الآخر سبيلًا لاحتواء القيادة الأوكرانية منعًا لاتخاذ قرارات منفردة قد تقود لتصعيد غير محسوب مع موسكو، وعلى أساسها يمكن تقييم التقدم في الهجوم المضاد الذي لاقى تعليقات سلبية من القوى الغربية الكبرى، وكذلك إمكانية التقدم المستقبلي لكييف في سبيل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وأظهرت القمة رغبة متزايدة في انخراط حلف الناتو في تنسيق سياسات دول الحلف من خلال الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي والتي تتطلع لتوحيد الموقف بشأن "التحدي الصيني" وكذلك الانخراط مع المنظمات الدولية من خلال بحث فتح مكتب اتصال في جنيف.

ووجه الحلف رسائل تحذيرية لأنشطة كوريا الشمالية ممثلة في برنامجيها النووي والصاروخي، وانتقد دعم بيلاروسيا وإيران في دعم العملية العسكرية الروسية وأنشطة طهران في أراضي دول الحلف، كما أكدت على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية.

إجمالًا؛ تأتي القمة لتعبر عن الطبيعة المتغيرة للتهديدات الأمنية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية التي تعاظم فيها نمط الحرب الهجينة كوسيلة مثلى لإعادة تشكيل توازن القوى، غير أنه لم يحد من خطر الحرب التقليدية واسعة النطاق، وإنما عزز من دمج الوسائل والآليات الهجينة في العمليات الحربية والدفاعية.

وعلى الرغم من انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، إلا أن دول الحلف لا تزال تشعر بالتهديدات الروسية على أمن الحلفاء ممثلة في المناورات المفاجئة والقدرات التقليدية والنووية المنتشرة على امتداد جبهات التماس، فضلًا عن الاهتمام المتزايد برسم سيناريوهات دفاعية مفصلة لم تستبعد بصورة كاملة إمكانية استخدام السلاح النووي، كما شملت الدفاع عن البنية التحتية الحيوية للدول الأعضاء ودور الحلف في توفير الإمداد عند الضرورة.

وبالنظر للخطط الطموحة التي كشفت عنها قمة فيلنيوس، يظل التحدي الأبرز هو تعزيز الاستثمارات الدفاعية المشتركة وتقاسم أعباء الأمن والدفاع والصناعة الدفاعية بين القوى الكبرى في الحلف، والتحقق من فاعلية دور الحلف في قيادة جهود الدول الأعضاء على صعيدي الدفاع والسياسة الخارجية، لمعالجة التباينات في المواقف.