الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سيناريوهات محتملة.. كيف تحسم المناظرات الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024؟

  • مشاركة :
post-title
مناظرات الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024- صورة أرشيفية

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

يأتي الحديث عن المناظرات في سباق الانتخابية الأمريكية المقبلة بعد أن نال كل من؛ الرئيس الأمريكي جو بايدن ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب بطاقتا الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 رسميًا عبر الحزبين الديمقراطي الذي يمثله الرئيس الحالي، والجمهوري الذي ينتمي إليه قطب العقارات الحالم بالعودة من جديد إلى البيت الأبيض. وبحسب تقرير نشرته شبكة أيه بي سي الأمريكية، تشكل النتائج الأخيرة للعملية الانتخابية داخل الحزبين بداية رسمية للمعركة المستمرة منذ ما يقرب من 8 أشهر بعد أقصر انتخابات تمهيدية رئاسية شهدت منافسة شديدة منذ أن بدأت عملية الترشيح الحديثة في السبعينيات.

فالخطوة التالية بعد حسم الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية تتمثل في عقد كل حزب مؤتمرات وطنية يعلن خلالها رسميًا المرشح الرئاسي، ومن سيترشح معه لمنصب نائب الرئيس. ووفقًا لشبكة سي إن إن، من المتوقع أن يعقد الحزب الجمهوري مؤتمره الوطني في الفترة من 15 إلى 18 يوليو في ميلووكي بولاية ويسكونسن، بينما يعقد الحزب الديمقراطي مؤتمر انتخابي في الفترة من 19 إلى 22 أغسطس في شيكاغو. ومن المتوقع إجراء 3 مناظرات في انتخابات 2024 التي عادة ما تشمل المرشحين اللذين يمثلان الحزبين الجمهوري والديمقراطي وليس المرشحين الآخرين الذين يمثلون أحزابًا أخرى؛ فمرشحو الأحزاب الأخرى والمرشحون المستقلون سيُدرجون على بطاقات الاقتراع.

في هذا السياق، يُثار عدد من التساؤلات يأتي في مقدمتها: إلى أي مدى يمكن أن تحسم المناظرات الانتخابية بين كل من بايدن وترامب نتائج الانتخابات المقبلة؟ ما أهمية هذه المناظرات لكل من المرشحين؛ بايدن وترامب؟ ما السيناريوهات المحتملة للمناظرات المرتقبة بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري في انتخابات 2024؟

ويمكن الإجابة على هذه التساؤلات من خلال استعراض النقاط الأساسية التالية:

هل المناظرات تحسم الانتخابات الأمريكية

من الصعب تحليل ومعرفة التأثير الدقيق للمناظرات على الناخبين، لكن من الواضح أنها مهمة، كما تقول كاثلين هول جاميسون، مديرة مركز أنينبيرج للسياسات العامة بجامعة بنسلفانيا، والتي ترى أن هذه المناظرات تمثل الفرصة الوحيدة في الانتخابات لمقارنة مرشحي [الحزبين الرئيسيين] في المكان نفسه من خلال الإجابة على الأسئلة نفسها، بما يمكن الناخب الأمريكي من التعرف على طباع كل منهما وقدرته على توقع ما هو غير متوقع. وبالتالي يمكن القول إن المناظرات تؤثر في سلوك الناخب بالتصويت لمرشح دون غيره في الانتخابات الأمريكية. ويتزايد هذا الأثر كلما ساهمت المناظرات في تحقيق ما يلي:

(*) توفير المعلومات حول الكيفية التي سيدير بها المرشح دفة الحكم: تقدم المناظرات للناخبين معلومات حول الكيفية التي سيدير بها المرشح دفة الحكم. وعلى الرغم من أن المشككين يشتكون أحيانًا من أن السياسيين لا يوفون بوعودهم الانتخابية، تقول جاميسون إن الأدلة تظهر خلاف ذلك. ففي المتوسط​​، يسعى الرؤساء إلى سنّ قوانين من 60 بالمئة من المقترحات التي قدموها خلال حملاتهم الانتخابية.

(*) تثقيف المشاهدين الأمريكيين حول القضايا العامة: إلى جانب منح الناخبين إحساسًا بشخصية المرشحين وطابعهما، فإن المناظرات تساعد على تثقيف المشاهدين الأمريكيين حول القضايا العامة وموقف المرشحين منها. فالمناظرة في حد ذاتها لا تؤدي إلى الفوز أو الخسارة في حملة انتخابية، لكنها بالتأكيد تقوي أو تُضعف الحملة.

ويتزايد الآن هذا التثقيف بعد مشاهدة المناظرات، وذلك نظرًا لإمكانية متابعة آراء الآخرين حولها على وسائل التواصل الاجتماعي. فالناخبون يستفيدون أكثر من سماع النقاش حول القضايا، حيث تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يشاهدون المناظرات يعرفون المزيد عن المشكلات فيما بعد أكثر مما كانوا يعرفونه مسبقًا، وأكثر من الأشخاص الذين لم يشاهدوا المناظرات.

غايات متباينة

تتابين أهمية المناظرات في الانتخابات الرئاسية 2024 بين بايدن وترامب، وهذا يرجع إلى اختلاف حاجة وغايات كل منهما من هذه المناظرات في حسم السباق الانتخابي لصالحه، وذلك على النحو التالي:

(*) مدى حاجة الرئيس الحالي؛ جو بايدن وغاياته المستهدفة من مناظرات انتخابات 2024: بايدن بحاجة لهذه المناظرات لكي يغير كفة السباق الانتخابي التي تميل في غير صالحه في الأشهر الأخيرة وفقًا لأغلب استطلاعات الرأي، في ظل مشكلات اقتصادية وصحية واجتماعية فضلا عن موقف إدارته إزاء كل من الحرب على غزة (دعم مطلق لإسرائيل)، والأزمة الروسية الأوكرانية غزة (دعم مطلق لأوكرانيا)، وهو موقف لا يقبل به قطاع عريض من الأمريكيين.

ويمكن لبايدن أن يستفيد من هذه المناظرة في التغلب على بعض نقاط الضعف لديه مثل كبر السن، والتي قد تحول دون انتخابه من جانب الكثير من الأمريكيين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المراقبين في عهد الرئيس رونالد ريجان كانوا يعتقدون أن كبر سنه (73 عامًا) لا يخدم مصلحته في الترشح لولاية ثانية. لكن ريجان عرف كيف يستغل هذه النقطة عبر مناظرته مع المرشح الديمقراطي والتر موندال كي يحوّلها من سلبية إلى إيجابية بطريقة فكاهية؛ قائلًا "لن أجعل من مسألة السن محورًا أساسيًا في الحملة، إذ لست مستعدًا لاستغلال شباب وعدم خبرة نظيري لأغراض سياسية"، ما أثار ضحك الحضور ومن بينهم والتر موندال نفسه. فكانت الرئاسة من نصيب ريجان مجددًا في عام 1984.

(*) مدى حاجة الرئيس السابق؛ دونالد ترامب وغاياته المستهدفة من مناظرات انتخابات 2024: يحتاج ترامب لهذه المناظرة لإقناع الناخب الأمريكي بأنه يتحلى يضبط النفس ويتمتع بسمات شخصية تؤهله لتولي الرئاسة الأمريكية. فلسوء حظ الرئيس السابق، فإن الكثير من الأمريكيين، حتى أنصاره، يجدون شخصيته هذه التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي واحدة ضمن أكثر سماته افتقارًا للجاذبية.

ويسعى ترامب الذي دعا إلى مناظرة بايدن مطلع هذا الشهر - عبر منصة "تروث سوشال" قائلًا "من المهم، من أجل مصلحة بلدنا، أن نناقش أنا وجو بايدن القضايا الحيوية جدًا لأمريكا والشعب الأمريكي، لذلك، أنا أدعو إلى المناقشات، في أي وقت وفي أي مكان، وأتطلع إلى تلقي الرد - إلى محو أثر هزيمته أمام بادين في المناظرة التي تم تنظيمها بينهما أثناء سباق الانتخابات الرئاسية عام 2020. ويرجع فوز بايدن بهذه المناظرة لأن هدفه الرئيس كان أن يبرهن للأمريكيين أنه قادر على الصمود في وجه الضغوط، وأنه لم يتعثر بسبب عمره المتقدم. وقد تمكن بايدن من تحقيق ذلك في الغالب، وإن كان هذا يرجع بشكل جزئي إلى أن دونالد ترامب بصياحه ومقاطعته باستمرار لم يمنح بايدن فرصة لأن يقول شيئًا قد يلحق ضررًا بقضيته. فهذا الجانب من الرئيس السابق الذي يتجلى في تغريداته على تويتر- الصاخب، المُسيء والمروج للإشاعات- كان حاضرًا بقوة خلال المناظرة التي استمرت لساعة ونصف الساعة وخسرها ومن بعدها خسر الانتخابات.

ويتبين مما سبق، مدى تأثير سلوك المتناظرين على الفوز بالمناظرة بينهم. وتجدر الإشارة هنا أنه عندما كان السباق بين نائب الرئيس الديمقراطي آل غور ومحافظ ولاية تكساس، الجمهوري جورج دابليو بوش محتدمًا في عام 2000 وفي آخر مناظرة تلفزيونية بين المرشحين لم يتردد آل غور في النهوض عن الكرسي كي يقاطع غريمه، فكانت لحظة محرجة بالنسبة لغور الذي خسر الانتخابات أمام بوش الابن.

سيناريوهات محتملة

يعود الرئيس الأمريكي جو بايدن مجددًا للمنافسة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 عبر المناظرات وجها لوجه أمام سلفه دونالد ترامب في مواجهة تجمع نفس المرشحين للمرة الثانية على التوالي.

فمن المتوقع إجراء 3 مناظرات بينهما في تكساس وفيرجينيا ويوتاه في الفترة من 16 سبتمبر إلى 9 أكتوبر إلى جانب مناظرة واحد بين نائبي الرئيس المرشحين في بنسلفانيا يوم 25 سبتمبر. ومن المتوقع أن تدور مباراة العودة بين بايدن وترامب حول نفس الولايات المتأرجحة وقضايا مماثلة كما في عام 2020، بما في ذلك الهجرة والاقتصاد والقيم الديمقراطية، كما سيكون الإجهاض والتضخم والسياسة الخارجية بؤر توتر جديدة في مناظراتهما في انتخابات 2024.

(*) القضايا ذات الأهمية لبايدن: يأتي في مقدمة هذه القضايا، حماية الحرية والقيم الديمقراطية، ففي منشور بايدن على منصة التواصل الاجتماعي X، عقب فوزه كمرشح افتراضي لحزبه الديمقراطي، فقد قال الرئيس الأمريكي: هل أنت مستعد للدفاع عن الديمقراطية؟ هل أنت مستعد لحماية حريتنا؟ هل أنتم مستعدون للفوز في هذه الانتخابات؟".

كذلك استغل الرئيس جو بايدن خطابه الرابع والأخير عن حالة الاتحاد -والذي يحظى بمتابعة ومشاهدة واسعة من ملايين الأمريكيين- للترويج لحملته الانتخابية والتركيز على الهجوم في كل فرصة ممكنة على منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب. فقد دافع بايدن عن حق الإجهاض، وقال إنه سيعمل على استعادته في جميع أنحاء البلاد إذا أعيد انتخابه. وعرض الرئيس الأمريكي سجله في الاقتصاد، وما تم تمريره من تشريعات ضخمة خاصة المتعلقة بخفض التضخم والتخفيضات الضريبية والتشريعات والمبادرات. وعن قضية الهجرة وأمن الحدود، جاءت كلماته امتدادا لدعواته المتكررة للجمهوريين إلى تمرير إجراءات أمنية صارمة على الحدود. كما ركز الرئيس بايدن خلال هذا الخطاب على مبادراته لخفض أسعار الأدوية وتوسيع نطاق الوصول إلى التأمين الصحي، بالإضافة إلى اقتراح توسيع جهوده في مجال الرعاية الصحية. وتحدث بايدن عن كيفية دعم مبادراته الاقتصادية للشباب مقارنة بمواقف الحزب الجمهوري، وسلط الضوء أيضا على كيفية محاولته إلغاء ديون القروض الطلابية. واستغل بايدن ذلك الخطاب في محاولة اتخاذ مواقف متوازن تجاه الحرب على غزة.

(*) القضايا ذات الأهمية لترامب: يركز ترامب في حملته الانتخابية على الشأن الاقتصادي الأمريكي، وهو الأمر الذي يتجلى في قوله: "سوف نقوم بالحفر (التنقيب عن البترول)، يا عزيزي، الحفر. سوف نغلق حدودنا. سنقوم بأشياء لم يسبق لأحد أن شاهدها من قبل. وسوف نجعل اقتصاد بلادنا الأفضل على الإطلاق في العالم". وأضاف كذلك أن "الملايين من الناس يغزون بلدنا، العديد منهم من السجون والمصحات العقلية في بلدان أخرى. إن أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم تخنق طبقتنا المتوسطة العظيمة، واقتصادنا سيئ، وسوق الأوراق المالية لدينا ترتفع فقط، لأن استطلاعات الرأي تشير بقوة إلى أننا سنفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2024". وعندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فإن الأمريكيين يميلون إلى التصويت بحسب ما يوجد في حافظات نقودهم في الانتخابات، إذ يصوتون للحزب الحاكم في الأوقات الجيدة وللمعارضة في الأوقات العصيبة. ويتأكد ذلك في استخدام شعار "إنه الاقتصاد، أيها الغبي" كان هذا الشعار الذي تردد في حملة بيل كلينتون الرئاسية الناجحة في عام 1992.

كذلك سيركز ترامب والجمهوريون على قضية الهجرة بعد أن أدى التدفق الهائل للمهاجرين وطالبي اللجوء غير الشرعيين في بعض الأحيان إلى إرباك مرافق المعالجة الحكومية وإرهاق برامج الخدمة الاجتماعية في المدن الكبرى التي تبعد آلاف الأميال. وتظهر استطلاعات الرأي أن الهجرة هي القضية الأهم بالنسبة لكثير من قاعدة ناخبي ترامب، ومصدر ضعف للرئيس الحالي.

وسوف تشهد المناظرات المرتقبة بين بايدن وترامب، محاولة كل منهما استغلال نقاط ضعف الآخر. فبحسب أسوشيتد برس، فإن الطريق أمام بايدن وترامب في الانتخابات المقبلة، لن يكون سهلًا؛ نظرًا للتحديات التي تنتظر كل مرشح، حيث يخوض ترامب الانتخابات تحت ضغط شبح 91 تهمة جنائية تتعلق بأربع قضايا متعلقة بمزاعم التآمر لقلب هزيمته في انتخابات 2020 ودوره المزعوم باقتحام الكونجرس وأخذ وثائق سرية من البيت الأبيض بشكل غير قانوني، والتستر على مدفوعات سرية لنجمة الأفلام الإباحية السابقة ستورمي دانيالز فيما يعرف بقضية " أموال الصمت " وهوما ينفيه جميعًا.

في الوقت نفسه يواجه بايدن سجلًا من الأخطاء سيحاسبه الناخبون عليه في صناديق الاقتراع 5 نوفمبر، في مقدمتها استجابته لحرب غزة ودعمه غير المشروط لإسرائيل ما تسبب في غضب الأمريكيين المسلمين ومن الأصول العربية بالإضافة الى الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار والتضخم المستمر وملفات الهجرة. كما يواجه الرئيس الديمقراطي أيضا انشقاق داخل القاعدة التقدمية لحزبه، التي تشعر بالغضب لأنه لم يفعل المزيد لوقف حرب إسرائيل وحماس في غزة. فقد أشارت الشبكة الأمريكية إلى أن المعارضة الرئيسية لبايدن خلال التمهيديات لم تأت من أي مرشح، بل من القلق العام داخل الحزب بشأن عمره ومن غضب التقدميين بشأن دعم الإدارة لإسرائيل خلال حربها في غزة.

إجمالا، يمكن القول إن المناظرات بين المرشحين تمثل إحدى أهم الفعاليات الانتخابية التي تتضمنها حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية. فهذه المناظرات توفر فرصة هامة أمام الجمهور الأمريكي للتعرف على ما يطرحه مرشحو الانتخابات الرئاسية الأمريكية إزاء مختلف القضايا المؤثرة على تصويت الناخب الأمريكي في هذه الانتخابات. لذلك تُعد هذه المناظرات بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، موعدًا مهمًا في مجرى حملاتهم نظرًا لأهمية تأثيرها على التصويت النهائي للناخب الأمريكي في هذه الانتخابات. وتتابين أهمية هذه المناظرات في الانتخابات المقبلة بين بايدن وترامب، وهذا يرجع إلى اختلاف حاجة وغايات كل منهما من هذه المناظرات في حسم السباق الانتخابي لصالحه. ولحين تنظيم المناظرات بينهما، يبقى السؤال الهام؛ أي منهما سيستطيع تحقيق هذه الغايات بمعنى من سيحقق الفوز في المناظرات الثلاث المقرر تنظيمها بين بايدن وترامب في سباقهما الانتخابي المقبل؟ الإجابة تتوفر لدى الناخبين الأمريكيين، والذين يتوقف الأمر لديهم على مدى إدراكهم وقبولهم للسمات والطباع الشخصية التي يبديها كلا المرشحين في المناظرات المرتقبة بينهما، وكيفية معالجة المتناظرين للقضايا المختلفة التي تهم المواطنين الأمريكيين. فهناك الكثير من القضايا على المحك أمام الفائز منهما، على رأسها الهجرة والاقتصاد الأمريكي وأزمة المناخ فضلًا عن قضايا الإجهاض والتضخم والسياسة الخارجية.