الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود تأثير الذكاء الاصطناعي على الانتخابات الأمريكية 2024

  • مشاركة :
post-title
مخاوف تدخل الذكاء الاصطناعي في الانتخابات

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

يُشكل الذكاء الاصطناعي وما يفتحه من آفاق مستقبلية جديدة، تأثيرًا عميقًا بدأ يظهر على مختلف القطاعات والتطورات الكبرى في حياة المجتمعات، لكن على ما يبدو أن حدود هذا التأثير ممتدة ولا يمكن التنبؤ بها خاصة بعد أن أصبح هذا الذكاء إحدى أدوات الملعب السياسي، الذي يشهد يوميًا فعاليات عديدة؛ أبرزها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية "الانتخابات الأمريكية المقبلة" وأصبح الذكاء الاصطناعي مصدر تهديد جديد لتنظيم الانتخابات، إذ يشهد عام 2024 انتخابات لأكبر عدد من الأشخاص مقارنة بأي عام في التاريخ، في أكثر من 40 دولة، إذ يختار نحو 4 مليارات شخص قادتهم وممثليهم من خلال حق التصويت خلال هذا العام.

وكشف تقرير مؤتمر ميونخ للأمن قبل أيام قليلة أن معظم شعوب العالم باتت تخشى من الهجمات السيبرانية والذكاء الاصطناعي، وبيّن التقرير الذي يحمل عنوان "الجميع خاسر"، مخاطر الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية، وخلص إلى أن حالة انعدام الثقة المتزايدة في جميع أنحاء العالم تنعكس أيضًا في إدراك الشعوب للخطر الناجم عن الهجمات السيبرانية والجوانب السلبية للذكاء الاصطناعي.

وإذا بات التقدم التكنولوجي - الذي كان ذات يوم محركًا للعولمة ذات المنفعة المتبادلة - تحول إلى سباق من أجل الهيمنة الجيوسياسية، فقد ذهب المشاركون في استطلاع رأي هذا التقرير بالولايات المتحدة إلى أن هذا التهديد قد ارتفع بشكل خاص، وأن الشعوب بشكل عام باتت في حالة خوف بصورة متزايدة إزاء حملات التضليل في العالم الرقمي.

في هذا السياق، تأتي أهمية تحليل تأثير الذكاء الاصطناعي على الانتخابات الأمريكية 2024، خاصة في ضوء ما رصده البعض من أن هذا الذكاء قد يؤثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات، وبالتالي سيكون له أبلغ التأثير في اختيار رئيس أكبر دولة في العالم، وينطلق هذا التحليل من إثارة عدد من التساؤلات مثل: هل سيشكل الذكاء الاصطناعي العامل الحاسم في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2024؟، وكيف يتم استخدام هذا الذكاء من جانب المرشحين الأمريكيين؟ وما المتوقع من تأثيره على سلوك الناخب الأمريكي؟ وما حدود تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي من جانب بعض الدول في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟ وكيف يمكن الحد من الاستخدمات الضارة للذكاء الاصطناعي عبر التوسع في تطبيق إجراءات الذكاء الاصطناعي المسؤول؟

حدود التأثير

يتوقع أن تشهد الانتخابات الأمريكية المقبلة استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع من جانب الناخبين والمرشحين على السواء، على النحو التالي:

(*) التأثير على سلوك الناخبين الأمريكيين: تشير أغلب استطلاعات الرأي إلى أن كثير من الأمريكيين لا يثقون في السياسيين الآن، وعليه فإن مسألة توجيههم للناخب باختيار مرشح بعينه باتت من الماضي، لهذا قد يلجأ الناخب إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي لاختيار مرشحه بعيدًا عن البرامج وعن توجهات الساسة.

وتوقع اختيار الناخبين الأمريكيين لمرشحهم باستخدام الذكاء الاصطناعي، هو ما يفسر قرار شركة جوجل الأمريكية بتقييد أنواع معينة من الاستفسارات المتعلقة بالانتخابات على برنامج الدردشة الآلى الخاص بها «BARD»، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، من باب الحذر الزائد.

(*) التأثير على سلوك المرشحين لخوض الانتخابات: بعض المرشحين لخوض غمار المنافسة بدأوا يستخدمون الذكاء الاصطناعى في حملاتهم، استلهامًا من تجربة الروبوت «آشلى»، الذي لجأت إليه المرشحة الديمقراطية شامين دانيلز في الترويج لنفسها في انتخابات الكونجرس، واستُخدمت «آشلى» في الرد على استفسارات الناخبين والمتصلين بها هاتفيًا، والمدهش في الأمر أن ردود «آشلى» غير مسجلة مسبقًا، أي أنها ترد على الاستفسارات الهاتفية بشكل آني وسريع، وذلك بالطبع باستخدام الذكاء الاصطناعي.

تشير بعض التقارير إلى أن بعض المرشحين سيستخدمون برنامج «شات جى بى تى» لإنتاج مسودات أولية للخطابات والمواد التسويقية للحملات الانتخابية، بالإضافة إلى استخدامه في رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية لجمع التبرعات، لكن ذلك قد يكون سلاحًا ذو حدين، خصوصًا إذا ما استخدم بعض المرشحين تلك المواقع في كتابة بعض القصص الخيالية الملفقة لصالح أو ضد مرشح بعينه، ومن الواضح أن المعركة بين المحتوى المزيف الذي يتم إنشاؤه وبين آليات الكشف التي تسعى للتصدي له ستتصاعد، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهذا ما يفسر قيام شركة ميتا بمنع الحملات السياسية والإعلامية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي على منصاتها.

تنامي التأثير من جانب الدول الأخرى

كشف تقييم استخباراتي أمريكي صدر في ديسمبر الماضي، بعد رفع السرية عنه، أن جهود الحكومات الأجنبية لاستهداف انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت عام 2022، يبدو أنها تنامت مقارنة بانتخابات 2018، وجاء الذكاء الاصطناعي من بين أهم أدوات هذه الجهود، فقد استنج هذا التقييم الاستخباراتي أن الصين وروسيا وإيران وكوبا حاولوا جميعًا التدخل في تلك الانتخابات عبر الذكاء الاصطناعي.

(&) حدود التدخل الصيني: تتوافق تقييمات وكالات الاستخبارات الأمريكية بأن الصين كانت أكثر نشاطًا في التأثير على الانتخابات مع التقارير الواردة من شركات التكنولوجيا، فقد حذر محللو شركة مايكروسوفت من أن عملاء صينيين مشتبه بهم استخدموا صورًا صنعت بالذكاء الاصطناعي لتقليد الناخبين الأمريكيين عبر الإنترنت، وإثارة النقاش حول القضايا السياسية المثيرة للخلاف، وخلص تقييم الاستخبارات الأمريكية إلى ترجيح أن يكون للمسؤولين الصينيين حرية أكبر في إجراء عمليات التأثير لاعتقادهم أنهم كانوا تحت تدقيق أقل خلال الانتخابات النصفية، وأن خطر أي انتقام أمريكي أقل مما كان عليه في عام 2020، خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويعتقد مجتمع الاستخبارات الأمريكي، أن الصين وافقت ضمنيًا على الجهود المبذولة لاستهداف مرشحين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بهدف التأثير على السياسة الأمريكية والرأي العام لصالح الصين، فقد كثفت بكين جهودها لزيادة الانقسامات الاجتماعية والسياسية، لكنها ما زالت تركز بشكل أكبر على الجهود الرامية إلى دعم أو تقويض عدد صغير من المرشحين المحددين بناء على ما إذا كانت بكين ترى أن مواقفهم السياسية في صالحها. لذلك قام قادة الحزب الحاكم في الصين بإصدار تعليماتهم بشكل متكرر للمسؤولين بالتركيز على الكونجرس لأن بكين مقتنعة بأنه مركز للنشاط المناهض لها، ومع ذلك يكاد يكون من المؤكد أن بكين نظرت إلى الانتخابات النصفية الأمريكية باعتبارها فرصة لتصوير النموذج الديمقراطي الأمريكي على أنه فوضوي وغير فعال، وكثيرًا ما سلطت الضوء على الانقسامات الأمريكية بشأن القضايا الاجتماعية، مثل الإجهاض والسيطرة على الأسلحة.

(&) الدور الروسي: أجرى الكرملين العديد من الأبحاث والتحليلات المكثفة للناخبين في الولايات المتحدة، وحدد التركيبة السكانية الرئيسية والمنصات التي يعتقد أنها ستكون فعّالة في تضخيم رسالته، وتم استهداف الدوائر الانتخابية التي اعتقد أنها أقل تعاطفًا مع الحزب الديمقراطي قبل الانتخابات وتقويض الثقة في الانتخابات بصفة عامة بما يؤدي إلى تقويض الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وسعت الجهات الفاعلة الروسية إلى إضعاف الثقة في المؤسسات الديمقراطية الغربية من خلال التشكيك في نزاهة الانتخابات النصفية، والادعاء بأن برامج التصويت كانت ضعيفة وسهلة الاختراق، وأن يؤدي الغش إلى تقويض الانتخابات، وأن يسرق الديمقراطيون الانتخابات، وفق ما ذكرته وكالة سي إن إن الأمريكية.

الذكاء الاصطناعي المسؤول
إجراءات استباقية

تستهدف هذه الإجراءات أن يكون الذكاء الاصطناعي حلقة وصل لتعزيز التعاون الدولي والشراكات متعددة القطاعات لدفع عجلة التطور المسؤول في تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتحقيق الخير الشامل للمجتمعات، فهذا النمط من الذكاء الاصطناعي، يتطلب تطويرًا واعتماد مبادئ للسلوك المسؤول من خلال إطلاقه الحوارات العالمية التي تجمع المسؤولين من القطاعين الحكومي والخاص، فضلًا عن تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في الدول بما يسهم في الحد من الاستخدامات الضارة للذكاء الاصطناعي، ويعظم في نفس الوقت الاستخدامات المفيدة في الانتخابات المقرر تنظيمها خلال هذا العام؛ وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 ذات التأثير الكبير في نتائجها ليس فقط على الداخل الأمريكي، وإنما أيضًا على العالم أجمع.

وتتمثل أهم إجراءات تفعيل وتطبيق الذكاء الاصطناعي المسؤول، كما يلي:

(-) إبرام اتفاقية لمنع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في عرقلة الانتخابات الديمقراطية حول العالم: خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الأميركية، فقد اجتمع المديرون التنفيذيون التقنيون من "أدوبي" و"أمازون" و"جوجل" و"أي بي إم" و"ميتا" و"مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" و"تيك توك" في مؤتمر ميونخ للأمن لإعلان هذه الاتفاقية التي تمثل إطار عمل طوعي جديد حول كيفية الاستجابة للصور والمقاطع المصورة المفبركة المصنوعة بالذكاء الاصطناعي التي تخدع الناخبين عمدًا.

فقد تم توقيع هذه الاتفاقية للمساعدة في منع التزييف العميق بالذكاء الاصطناعي في انتخابات 2024 الحاسمة التي تجري في أكثر من 40 دولة، وتتضمن قائمة الشركات الموقعة على "اتفاق التكنولوجيا لمكافحة الاستخدام الخادع للذكاء الاصطناعي في انتخابات 2024"؛ تلك التي تُنشئ نماذج الذكاء الاصطناعي وتوزعها، بالإضافة إلى المنصات الاجتماعية التي من المرجح أن يظهر فيها التزييف العميق، وتتضمن هذه الاتفاقية مجموعة من الالتزامات لنشر التكنولوجيا لمواجهة المحتوى الضار الناتج عن الذكاء الاصطناعي الذي يهدف إلى خداع الناخبين.

وتطبق تلك الاتفاقية على الصوت والفيديو والصور المولدة بالذكاء الاصطناعي، وتتناول المحتوى الذي يزيف أو يغير بطريقة مخادعة مظهر أو صوت أو تصرفات المرشحين السياسيين ومسؤولي الانتخابات وغيرهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين في الانتخابات الديمقراطية، أو الذي يقدم معلومات كاذبة للناخبين بخصوص موعد ومكان وكيفية التصويت.

(-) إبرام ميثاق ذكاء اصطناعي أكثر أخلاقية: وقّعت ثماني شركات معنية بقطاع التكنولوجيا مطلع فبراير 2024 ميثاقًا لتحقيق "ذكاء اصطناعي أكثر أخلاقية" في مركز كران للمؤتمرات قرب العاصمة السلوفينية ليوبليانا، حيث يُعقد المنتدى العالمي الثاني ليونسكو، بما يحقق تطوير ذكاء اصطناعي في خدمة المصالح المشتركة، خلال منتدى عالمي نظمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو" في سلوفينيا، حسب وكالة الأنباء الفرنسية، وضم الميثاق بالإضافة إلى "مايكروسوفت"، مركز "إل جي إيه آي ريسيرش" التابع لمجموعة "إل جي" الكورية الجنوبية العملاقة، ومجموعة "لينوفو" الصينية، وشركة البطاقات المصرفية "ماستر كارد"، ومجموعة البرمجيات الأمريكية "سيلز فورس"، وشركة الاتصالات الإسبانية "تلفونيكا".

وتعهد الموقعون على الوثيقة بـ"الاضطلاع التام بدورهم في حماية حقوق الإنسان في تصميم الذكاء الاصطناعي وتطويره وشرائه وبيعه واستخدامه"، ويُلزم الميثاق الشركات عمليًا بوضع إجراءات تحقق لتقويم المخاطر وتصحيح "الآثار السلبية" للذكاء الاصطناعي في غضون فترة زمنية معقولة.

(-) المواقفة على تشريع أوروبي جديد لتنظيم الذكاء الاصطناعي: وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أول فبراير 2024، على تشريع غير مسبوق على المستوى العالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، بعد مفاوضات مكثفة بشأن التوازن بين حرية الابتكار والحفاظ على الأمن.

وإجمالًا، يمكن القول إن استخدامات الذكاء الاصطناعي في الانتخابات الأمريكية 2024 متعددة الأبعاد والمستخدمين، إذ يصف البعض الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته بما يشبه تكنولوجيا المفاعلات النووية، فمثل ما لها من استخدامات نافعة، لها أيضًا استخدامات ضارة بالبشرية، وهو ما يشير إليه التأثير المحتمل على اختيار رئيس أمريكي يصل البيت الأبيض عن طريق محتوى إلكتروني خادع ومزيف، فرغم أهمية التطور في توظيف الذكاء الاصطناعي وما قد يترتب عليه مستقبلًا في إدارة الحملات الانتخابية الأمريكية، إلا أن عدد لوائح الحماية القانونية المنظمة لهذا الذكاء محدود للغاية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي يُتوقع معه محدودية تطبيقات الذكاء الاصطناعي المسؤول في الانتخابات الأمريكية المقبلة، إذ تتفاوت الولايات الأمريكية في تبنى مثل هذه التشريعات القانونية.