منذ بداية الحرب في غزة التي تدخل يومها الخامس عشر بعد المئة الأولى، تسعى قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى تحقيق هدفين مزدوجين هما "تفكيك" حركة حماس وإطلاق سراح المحتجزين، لكن بعد مرور ثلاثة أشهر، بدأ الكثيرون في إسرائيل، يتساءلون حول مدى إمكانية تحقيق أحد هذين الهدفين أو كليهما، بما فيهم غادي آيزنكوت، عضو مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي.
إسرائيل تواجه معضلة
صحيفة "فاينانشال تايمز" اليومية البريطانية أعدت تقريرًا حول مدى إمكانية تحقيق أهداف الجيش الإسرائيلي في غزة، التي نقلت قول مايكل ميلشتاين، ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق والخبير في الشؤون الفلسطينية، "إن إسرائيل تواجه معضلة، لقد وصلنا إلى مفترق طرق، إما أن نتوصل إلى اتفاق كامل مع حماس مع الانسحاب، أو أن نتجه نحو الإطاحة الكاملة بنظام حماس والاستيلاء على قطاع غزة بأكمله".
ويؤكد كبار قادة الاحتلال، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت وكبار ضباط الجيش، على الحاجة إلى مواصلة القتال، ويصرون على أن القوة العسكرية وحدها هي التي ستسهل إطلاق سراح الرهائن، وأن ترك حماس تسيطر على غزة أمر غير وارد، فيما لا تزال إسرائيل تسعى، كما قال نتنياهو مرارًا وتكرارًا، إلى تحقيق "النصر الكامل"، وفق الصحيفة.
لكن منتقدي استراتيجية نتنياهو يقولون إن أكثر من 130 محتجزًا إسرائيليًا لا يزالون في غزة، ربما لن يكون لديهم أسابيع، ناهيك عن سنوات، للبقاء على قيد الحياة في ظروف الأسر القاسية في زمن الحرب، وفي الوقت نفسه، هناك تساؤلات حول ما إذا كان من الممكن الإطاحة بحماس باعتبارها القوة الحاكمة والعسكرية في غزة في ظل الاستراتيجية القائمة، فيما لا يزال كبار قادتها الثلاثة، يحيى السنوار، ومحمد ضيف، ومروان عيسى، طلقاء.
وفي جيوب شمال غزة المدمرة، عاد مقاتلو حماس وناشطوها إلى الظهور بعد انسحاب قوات الدفاع الإسرائيلية، وفي ذلك يقول ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق "ميلشتاين"، "لقد غادرت مدينة غزة، فكيف يمكنك إعداد اليوم التالي لحماس إذا عادت حماس؟ فكل مكان تتركه يمكن أن يعودوا إليه بسهولة بدون قوات إسرائيلية على الأرض، فماذا يعني "النصر" في الواقع؟".
إنجازات تكتيكية
وبعد صدمة هجوم 7 أكتوبر الماضي، كان تأثير الحرب مدمرًا، وأدى الهجوم الإسرائيلي إلى استشهاد أكثر من 26 ألف شخص، بحسب السلطات الصحية الفلسطينية، ونزح 85 في المئة من السكان؛ وتحولت مساحات واسعة من القطاع إلى أنقاض؛ في وقت تحذر فيه جماعات الإغاثة الدولية من كارثة إنسانية متفاقمة، كما قُتل 1200 إسرائيلي واحتجز 250 آخرين، وفقاً لأرقام إسرائيلية رسمية.
ومنذ بدء الهجوم البري للجيش الإسرائيلي في أواخر أكتوبر، قُتل 220 جنديًا إسرائيليًا وأصيب أكثر من 1000 آخرين، وهو رقم أقل من التوقعات، كما يقول المحللون والمسؤولون، لكنه لا يزال مؤلمًا للجمهور الإسرائيلي الذي يحيي كل مساء ذكرى القتلى على شاشات التلفزيون الرئيسية.
ورغم كل ذلك، فإن الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش الإسرائيلي حتى الآن كانت تكتيكية أكثر منها استراتيجية، كما قال العديد من المحللين والمسؤولين العسكريين الإسرائيليين، وفق الصحيفة.
مصطلحات تقليدية
ويقدر الجيش الإسرائيلي أن نحو 10.000 من مقاتلي حماس قُتلوا، من إجمالي 30.000، مع "تفكيك" 17 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة للحركة - أي أنها لم تعد تعمل كوحدات عسكرية منظمة، لكن "ميلشتاين" يرى أن هذا "لا يضمن أي شيء، فهذه مصطلحات عسكرية تقليدية يتم فرضها على قوة أكثر مرونة تحولوا إلى حرب العصابات بامتياز".
وبدلاً من محاولة وحدات واسعة النطاق الاشتباك مع تشكيلات إسرائيلية حاشدة، تفرق مقاتلو حماس في خلايا وفرق صغيرة، وأطلقوا نيران القناصة والعبوات الناسفة، وخاصة القنابل الصاروخية، لإحداث تأثير مميت، وما زاد من تعقيد الحرب بالنسبة لإسرائيل أن مقاتلي حماس وقادتها لجأوا إلى شبكة أنفاق معقدة تحت الأرض، يقدر الإسرائيليون طولها بأكثر من 500 كيلومتر، وهو ما يتجاوز تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية قبل الحرب، وفق الصحيفة.
وقال الجيش الإسرائيلي إن إسرائيل عثرت على نحو 1600 فتحة للأنفاق ودمرت المئات، فيما قال ياكوف أميدرور، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد ومستشار الأمن القومي السابق، إن إسرائيل كانت تستهدف البنية التحتية الحيوية، ولست متأكدًا من وجود ما يكفي من مادة تي إن تي في إسرائيل لتدمير جميع الأنفاق.
حماس تحتفظ بقدرتها
ووفقًا للجيش الإسرائيلي، أطلقت حماس وفصائل فلسطينية أخرى نحو 12 ألف صاروخ منذ بداية الحرب، سقط ربعها (3 آلاف) داخل غزة، ومع ذلك، لا تزال حماس تحتفظ بالقدرة على إطلاق وابل من الصواريخ، حسبما قال شخص مطلع على خطط الحرب الإسرائيلية.
وقال محللون ومسؤولون إن إسرائيل تريد أن تجعل المرحلة "منخفضة الشدة" من حملة غزة مستدامة قدر الإمكان، بينما تقوم بإعداد قواتها لصراع محتمل في لبنان، وقال شخص مطلع على خطط الحرب الإسرائيلية "إن الجيش الإسرائيلي بدأ أيضًا في الاحتفاظ بالذخائر في غزة في حالة تصاعد الصراع مع حزب الله"، وفق الصحيفة.
على الرغم من الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، وغياب إنجاز مفاجئ في ساحة المعركة، يبدو أن نتنياهو والجيش الإسرائيلي يستقران على حملة استنزاف طويلة ضد حماس، وقال الشخص المطلع على خطط الحرب الإسرائيلية: "يمكننا الاستمرار لمدة عام آخر أو أكثر، وسوف نرى من يُكسر أولًا".