باتت معاناة الفلسطينيين مرشحة للتفاقم مع إعلان أمريكا وعدد من دول أوروبا تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين" الأونروا" بعد اتهامات إسرائيلية لعدد من موظفي الوكالة المحسوبة على الأمم المتحدة بالمشاركة في عمليات 7 أكتوبر الماضي ضد الإسرائيليين.
حملة التضييق الغربي على "الأونروا" وصفتها دوائر الدبلوماسية والقرار العربي بأنها محاولة لتملص دول الغرب من مسؤوليتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، الذين تتولى المنظمة الأممية شؤونهم، وتحميل المسؤولية للدول الداعمة للقضية الفلسطينية، والتأكيد أن تلك الحملة استكمال لمحاولات سابقة تحقيقًا لذات الهدف.
وقف تمويل "الأونروا"
طالب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس دول العالم بتعليق دعمهم لوكالة الأونروا، بعدما اتهمها بمشاركة أعضائها في عملية طوفان الأقصى، التي نفذت 7 أكتوبر الماضي. وفي استجابة سريعة للطلب الإسرائيلي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية - الداعم الأول لجيش الاحتلال الإسرائيلي- إيقاف التمويل الإضافي مؤقتًا للوكالة، حسبما نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وفي أعقاب القرار الأمريكي، سارعت العديد من الدول مثل ألمانيا وأستراليا وبريطانيا وإيطاليا وفنلندا وهولندا وسويسرا وكندا أيضًا تعليق التمويل الذي تقدمه للأونروا.
وهذه ليست المرة الأولى التي توقف فيها العديد من الدول دعمها للمنظمة التابعة للأمم المتحدة، فقد قررت الولايات المتحدة في عام 2018، سحب تمويلها السنوي للأونروا بمبلغ 360 مليون دولار أمريكي. وتم تبرير هذا القرار بوجود مخاوف بشأن إدارة الوكالة وشفافيتها ودورها في عملية السلام بالشرق الأوسط.
اتهامات لاذعة
من جانبه، قال محمد اشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني، إن حرب إسرائيل على الأونروا ليست جديدة، فدولة الاحتلال تعمل منذ فترة على تصفية وكالة الغوث لارتباطها بموضوع اللاجئين، إضافة إلى العدوان المتكرر على جميع المخيمات، سواء كان ذلك في غزة أو الضفة الغربية المحتلة، خاصة مخيم جنين وطولكرم ونور شمس وبلاطة.
فيما أعرب عن صدمته بإعلان بعض الدول تجميد مساعداتها للأونروا، علمًا بأن تلك الدول تُسهم بنحو 70% من موازنة الوكالة. وأكد أن هذا الإجراء خطير ويجب التراجع عنه وإعادة التمويل للوكالة، التي يأمل منها أن تسرع في إجراءاتها التي أعلنتها، مضيفًا أن تجميد المساعدات يتزامن مع مخطط إسرائيل لتهجير أهالي غزة ويجب أن يتوقف.
وفي اتهامات واضحة للدول التي سحبت تمويلها، قالت فرانشيسكا ألبانيز، المُقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، إنَّ الدول التي علّقت تمويلها للوكالة الأممية غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تُشارك في "الإبادة الجماعية" بقطاع غزة.
وأضافت أنَّ الدول التي علّقت تمويلها للوكالة الأممية "تعاقب ملايين الفلسطينيين في توقيت حساس"، مُتهمة إياها بانتهاك التزاماتها المتعلقة باتفاقية منع "الإبادة الجماعية".
في حين، أشار أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلى أن هذه الحملة ليست جديدة، وأن الرغبة في تصفية عمل الوكالة التي تخدم ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، قد تكررت بصور مختلفة عبر السنوات الماضية، وأن الهدف منها مكشوف وهو دفع المجتمع الدولي إلى التخلي عن مسؤولياته في إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وإلقاء عبء المسؤولية برمتها على الدول المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها الدول العربية.
لماذا أنشئت وما هدفها؟
تأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتم إنشاؤها لتقديم المساعدة الإنسانية والحماية والخدمات لللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا أو طردوا من ديارهم خلال النكبة الفلسطينية في عام 1948.
وتتمحور أهداف المنظمة في تقديم الدعم والمساعدة للأشخاص الذين فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم جراء النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتلبية احتياجاتهم الأساسية في المجالات الرئيسية كالتعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية والمأوى. وتعمل "الأونروا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية)، ولبنان، وسوريا، والأردن.
شريان الحياة
بالنسبة للفلسطينيين ومؤيديهم، تظل المنظمة شريان حياة أساسي للملايين من أحفاد هؤلاء اللاجئين، الذين لم يتم حل وضعهم ومستقبلهم قط في المفاوضات بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين. وهي واحدة من أكبر جهات التوظيف في غزة، حيث يعمل بها 13.000 شخص، معظمهم من الفلسطينيين، حسبما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ويعيش العديد منهم في أحياء حضرية متخلفة – لا تزال تُعرف باسم مخيمات اللاجئين – في مدن بجميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي غزة، فإنهم يشكلون غالبية السكان، وتلعب الأونروا دورًا محوريًا في تزويدهم بالتعليم والخدمات الاجتماعية – وخلال الحرب الحالية – بالمساعدة والمأوى.
وقال كريس جانيس، المتحدث السابق باسم الأونروا: "نظرًا لأن محنتهم كلاجئين لم يتم حلها أبدًا، فإنهم ما زالوا لاجئين"، مضيفًا أن "هؤلاء هم بعض الأشخاص الأكثر ضعفًا في الشرق الأوسط. إنهم في حاجة ماسة إلى وكالة تابعة للأمم المتحدة توفر لهم خدمات الطوارئ والخدمات الإنسانية".