الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مصارف لبنان تصارع للبقاء وسط استمرار الفراغ الرئاسي والأزمة الاقتصادية

  • مشاركة :
post-title
مودعون يتجمهرون أمام مصرف "بلوم" في بيروت وقوات الأمن تطوق المنطقة - صورة أرشيفية

القاهرة الإخبارية - محمود غراب

في الوقت الذي يعاني لبنان أزمة سياسة، على خلفية الفراغ الرئاسي الناتج عن فشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد للبلاد، سلطت وكالة" أسوشيتد برس" الأمريكية الضوء على الوضع الحرج الذي تشهده المصارف اللبنانية، بعد تضررها بشدة جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد.

ووفق "أسوشيتد برس"، تكبد القطاع المصرفي في لبنان خسائر هائلة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وأمام هذه المعضلة، يقاوم المصرفيون محاولات دفع المساهمين إلى تحمل تلك الخسائر، ويحاولون -عوضًا عن ذلك- إلقاء العبء على الحكومة أو المودعين.

وتشير الوكالة إلى أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي مطلب رئيسي لصندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من أزمته المالية التي أصابت البلاد بالشلل.

ورجحت الوكالة أن تجبر الإصلاحات التي اقترحها صندوق النقد أغلبية البنوك الـ46 في البلاد -وهو عدد ضخم بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة- على الإغلاق أو الاندماج.

المصارف اللبنانية لا تقدم قروضًا ولا تستقبل ودائع جديدة

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عامًا وانتهت عام 1990، كان القطاع المصرفي قاطرة ازدهار اقتصاد البلاد، فكان يقدم فوائد مرتفعة جذبت استثمارات وودائع من أنحاء العالم.

لكن الآن، لا يتسنى لمعظم المودعين الوصول إلى مدخراتهم بعدما أجرى مقرضو البلاد لسنوات استثمارات محفوفة بالمخاطر من خلال شراء أذون الخزانة اللبنانية.

وكانت هذه الممارسات من مسببات الأزمة الاقتصادية التي بدأت في أكتوبر 2019.

واليوم لا تقدم المصارف اللبنانية قروضًا ولا تستقبل ودائع جديدة، وتعيد للمواطنين جزءًا صغيرًا فقط من مدخراتهم الدولارية بسعر صرف أقل بكثير من القيمة السوقية.

ونقلت "أسوشيتد برس" عن المستشار المالي ميشال قزح، وهو كاتب عمود اقتصادي في صحيفة لبنانية، قوله إن مصارف لبنان أصبحت من الأحياء الأموات.

وفي الأشهر الأخيرة، اقتحم عدد من المودعين الغاضبين فروع مصارف في لبنان للحصول على مدخراتهم بالقوة، ما أدَّى إلى مواجهات مع الموظفين "ضحايا الأزمة"، فمنذ بدأت انخفض عدد موظفي البنوك بمقدار الثلث، إلى أقل من 16500 موظف، وأغلق واحد من كل خمسة فروع.

تقول جنان حايك، التي فقدت وظيفتها "مديرة فرع في أحد أكبر مصارف البلاد منذ عامين"، إنها تتفهم مأساة المودعين، لكن فروع البنوك مقيدة تحت الأحوال الاقتصادية الحالية.

وفي مخبز فتحته بعد تسريحها من العمل في بلدة بكفيا الجبلية، قالت جنان: "هناك بعض الأشخاص الذين لا يحصلون على الطعام لأن أموالهم عالقة في البنك"، مضيفة أنها سعيدة لكونها بعيدة عن تلك المعركة.

المصارف تواجه مستقبلًا غامضًا

وتواجه المصارف اللبنانية مستقبلًا غير واضح، إذ دعا اتفاق مبدئي بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية، تم التوصل إليه في أبريل، إلى تقييم بنكي بمساعدة خارجية لأكبر 14 مصرفًا، ولكن حتى الآن لم تتخذ أي إجراءات من جانب الحكومة أو المقرضين.

وأعلن القطاع المصرفي معارضته الشديدة للإجراءات المقترحة التي من شأنها أن تلقي عبء خسائر النظام على المساهمين بدلًا من المودعين.

وتقدر خطة الحكومة المقترحة للتعافي الاقتصادي التي أعلنت في سبتمبر خسائر القطاع المالي بنحو 72 مليار دولار، معظمها في البنك المركزي.

وأشارت الخطة إلى أن الحجم الهائل للخسائر يعني أن البنك المركزي لا يمكنه إعادة معظم أموال للبنوك، ولا تستطيع البنوك إعادة معظم أموال المودعين.

وجاء في تقرير حديث للبنك الدولي، أن الخسائر تزيد عن ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي عام 2021، ما يجعل عملية الإنقاذ مستحيلة بسبب عدم وجود أموال عامة كافية، مضيفًا أن أفضل حل هو تحميل كبار الدائنين والمساهمين تكلفة إعادة هيكلة المصارف، وليس صغار المودعين.

وعارضت البنوك هذا الحل، واقترحت بيع أصول الدولة أو استثمارها لتعويض الخسائر على المدى الطويل.

وقال نسيب جبريل، كبير الاقتصاديين في بنك "بيبلوس"، أحد أكبر المصارف اللبنانية: " إنه حين كان القطاع المصرفي يجتذب العملات الأجنبية من أنحاء العالم، فشلت الحكومة في تنفيذ أي إصلاحات هيكلية بل بددت الأموال، وإن قرارًا صدر عام 2017 بزيادة رواتب موظفي الخدمة المدنية، قدرت مبدئيًا بنحو 800 مليون دولار، انتهى به الأمر بتكلفة ثلاثة أضعاف، ما ضاعف العجز المالي في عام واحد، وأسهم في خلق الأزمة المالية الحالية. وذكر أن المصارف تأثرت بقرار الحكومة عدم سداد ديونها الخارجية في مارس 2020.

بصيص أمل في حل أزمة المصارف

ولكن هناك بصيص أمل في حل أزمة المصارف، في ظل تقدم طفيف أحرزته المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات المقترحة، إذ وافق مجلس النواب اللبناني في أكتوبر، على تعديل قانون سرية الحسابات المصرفية، وهو من مطالب صندوق النقد، لكن البعض يقول إن هذه التعديلات ليست كافية. ولا يزال البنك المركزي يستخدم عددًا من أسعار الصرف في وقت يضغط فيه صندوق النقد من أجل توحيدها تحت مظلة سعر واحد.

ورغم ذلك، فإن إحراز تقدم بشأن الإجراءات المقترحة الأخرى، عالق في الوقت الراهن، وسط فراغ السلطة في الرئاسة ومجلس الوزراء. ومؤخرًا أدلى نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، الذي يقود المحادثات مع صندوق النقد، بتصريحات مفادها أن جميع الودائع التي تبلغ قيمتها 100 ألف دولار فأقل، ستعاد إلى المودعين، بينما سيتم تعويض أصحاب الودائع الأكبر على مدى طويل من خلال صندوق سيادي.

كما ذكر أمين سلام، وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، أنه كلما ناقشت الحكومة توزيع الخسائر والمسئوليات، يتم الدفع في اتجاه آخر من جانب البنوك. وأضاف أن الحكومة تدرك أنها يجب أن تنقذ القطاع المصرفي، لأنه دون قطاع مصرفي لن نتمكن من إعادة الاقتصاد للوقوف على قدميه.

ويأتي الحديث عن أزمة المصارف في لبنان، بينما يعقد مجلس النواب جلسته التاسعة اليوم الخميس، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفًا لميشيل عون الذي غادر قصر بعبدا في 31 أكتوبر، بعد انتهاء ولايته. وعقد مجلس النواب اللبناني ثماني جلسات، جميعها فشلت في انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما يعكس الانقسامات السياسية بين الكتل الرئيسية في البرلمان.