لا يزال "لبنان الجريح" بلا رئيس دولة ولا حكومة كاملة الصلاحيات، منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر الماضي، إذ فشل مجلس النواب "البرلمان" اللبناني، اليوم الخميس، للمرة الخامسة على التوالي، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، خلفًا لعون.
وحدد نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، جلسة 17 نوفمبر الجاري لانتخاب رئيس جديد للبلاد. وينصّ الدستور اللبناني على ضرورة اختيار رئيس جديد خلال 60 يومًا قبل انتهاء ولاية الرئيس.
انقسامات عميقة بين الكتل الرئيسية
ويأتي فشل البرلمان اللبناني في اختيار رئيس للبلاد، في ظل انقسامات عميقة بين الكتل الرئيسية، عكسها غياب التوافق على اسم خلف لعون، إذ غالبًا ما يتم انتخاب الرئيس بعد توافق الكتل الرئيسية على اسم مرشح في بلد تقوم سياسته الداخلية على التسويات بين القوى المختلفة.
ويعني عدم التوافق على مرشح حتى الآن، أن العملية الانتخابية تستغرق وقتًا طويلًا، وبالتالي تطول فترة الفراغ الرئاسي في البلد الغارق في أزمة مالية خانقة. وكان عون تم انتخابه رئيسًا للبنان في 2016، بعد شغور المنصب لأكثر من عامين بسبب فشل النواب في التوافق على مرشح.
ويتعلق الفراغ الرئاسي في لبنان اليوم، بالأزمة السياسية الداخلية اللبنانية، والانقسام الحاد بين القوى السياسية اللبنانية على رئيس توافقي. وهنا تجدر الإشارة إلى الصراع على السلطة بين "حزب الله" المدعوم من إيران -وهو الحزب الذي أوصل حليفه عون إلى الرئاسة في عام 2016- وبين خصومه.
اختلاف "الثامن من آذار" على اختيار الرئيس
غير أن هناك انقسامات بين المسيحيين الموارنة المخصص لهم منصب الرئيس، فهذا الفراغ يقف وراءه اختلاف قوى الثامن من آذار، ومن ضمنها التيار الوطني الحر، على اختيار شخصية يتفقون على دعمه في معركة الرئاسة. هذا إلى جانب توازن القوى الدقيق في المجلس النيابي، وعدم وجود أكثرية واضحة لفريق من الفريقين.
لكن "حزب الله" الشيعي لديه حلفاء مسيحيون بارزون لديهم طموحات رئاسية، لا سيما سليمان فرنجية -صديق الرئيس السوري بشار الأسد- وجبران باسيل، صهر عون. ولم يعلن حزب الله بعد مرشحه المفضل، تاركًا الباب مفتوحًا أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق على مرشح مقبول على نطاق أوسع.
حل أزمة الرئاسة يتطلب وساطة خارجية
ومع عدم إبداء السياسيين لأي مرونة لحل الصراع على السلطة، يرى المراقبون أن التوصل إلى حل وسط بشأن الرئاسة، قد يتطلب نوع الوساطة الخارجية التي أنقذت لبنان من أزمات سابقة مماثلة، إذ أدّت الوساطة الخارجية في عام 2008، إلى انتخاب ميشال سليمان، رئيسًا للبنان، ونزع فتيل أزمة أشعلت الصراع بين حزب الله وخصومه.
لكن لا يوجد ما يشير إلى وجود أي وساطة في الوقت الحالي، ويحتمل أن الأوان لم يأتِ بعد، للتوترات الكبيرة في المنطقة بين القوى الأفضل للتوسط، إيران من جهة والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى.
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى باربرا ليف، في تصريحات بمركز ويلسون: "لا شيء يمكن أن نفعله.. نحن أو أي شريك أجنبي آخر لا يمكنه أن يعوض ما فشل القادة السياسيون اللبنانيون في إنجازه حتى الآن، انتخاب رئيس جديد للبلاد، وتشكيل حكومة والاضطلاع بالمهمة العاجلة المتمثلة في إبعاد لبنان عن حافة الهاوية".
ويُمثل الفراغ الرئاسي مرحلة جديدة في الأزمة التي تعصف بلبنان منذ انهيار نظامه المالي في عام 2019 الذي دفع بـ85% من المواطنين إلى براثن الفقر، وأصاب البنوك بحالة من الشلل.
وتتزايد الضغوط في لبنان مع اعتماد الحكومة أكثر من أي وقت مضى على المنح الأجنبية لتوفير الخدمات الأساسية. وانهارت قيمة رواتب الموظفين المدنيين والجنود بالعملة المحلية، التي فقدت 95 في المئة من قيمتها منذ عام 2019.