الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حصار الإرهاب.. كيف تنعكس نتائج قمة "مقديشو" على الداخل الصومالي؟

  • مشاركة :
post-title
فعاليات القمة التشاورية لدول الجوار الإفريقي، في 1 فبراير 2023

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

استضافت جمهورية الصومال فعاليات القمة التشاورية لدول الجوار الإفريقي، في 1 فبراير 2023، بالعاصمة الصومالية مقديشو، بحضور كل من الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود"، ونظيره الكيني "وليام روتو"، ورئيسي وزراء جيبوتي "إسماعيل عمر جيله"، وإثيوبيا "أبي أحمد"؛ لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بدول الجوار، وتنسيق الجهود المُشتركة للقضاء على حركة "شباب المجاهدين" (فرع تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا) التي تتخذ من الأراضي الصومالية مركزًا رئيسيًا لعملياتها الإرهابية، بما يحقق الأمن والاستقرار بدول المنطقة الإفريقية، وهو ما أكده الرئيس "حسن شيخ محمود" قائلًا، "تؤكد قمة دول الجوار من جديد عزمنا على تخليص منطقتنا من الإرهاب بشكل دائم".

وأفادت وكالة الأنباء الوطنية الصومالية بأن البيان الختامي للقمة الإقليمية، تضمن 15 بندًا، من أبرزها، التأكيد على سيادة الصومال ووحدة أراضيه، كما اتفق الزعماء الأربعة على مضاعفة جهودهم في العمليات العسكرية الجارية للقضاء على الإرهاب، وهو ما استدعى إعلانهم عن تدشين "آلية مُشتركة" لمنع التهديدات الأمنية العابرة للحدود، وإطلاق "حملة عسكرية" تشارك فيها قوات البلدان الأربعة؛ لملاحقة حركة الشباب الإرهابية، كما دعا البيان المجتمع الدولي لدعم الحكومة الصومالية بجميع الوسائل الممكنة والمساعدات الإنسانية اللازمة، خاصة بالمناطق التي حررتها القوات الصومالية أخيرًا من الحركة الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة.

دلالات التوقيت:

جاءت دعوة الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" لانعقاد القمة الإقليمية الأمنية الرباعية في هذا التوقيت، بالتزامن مع جملة من التطورات، من أبرزها:

(*) استعادة القوات الصومالية لمناطق كانت تحت سيطرة "الشباب": نجح الجيش الصومالي بالتعاون مع رجال العشائر والقوات الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم»، وقوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام المعروفة بـ"ATMIS"، خلال الأسابيع القليلة الماضية، في استعادة بعض المناطق التي كانت تحت سيطرة حركة "شباب المجاهدين" الإرهابية، في إطار الخطة التي وضعها الرئيس "شيخ محمود" منذ تسلمه مقاليد الحكم في مايو الماضي، وإعلان القوات الصومالية في 16 يناير الماضي، عن إطلاق أكبر عملية عسكرية تستهدف الحركة الموالية لتنظيم القاعدة، وهو ما نجم عنه سيطرة الجيش الصومالي في 21 يناير الماضي، على منطقة "جناي عبدله" التي تبعد نحو 60 كيلو مترًا عن غرب مدينة كسمايو، المقر المؤقت لولاية جوبالاند الإقليمية، وهو ما نجم عنه مقتل نحو 30 من عناصر الحركة الإرهابية في غارة جوية شمال شرقي العاصمة مقديشو.

(*) تصدي دول الجوار للهجمات الخارجية لـ"شباب المجاهدين": تأتي هذه القمة بالتزامن مع نجاح دول الجوار الإفريقي، وخاصة إثيوبيا وكينيا، في صد الهجمات التي شنتها حركة "الشباب" على حدودها، في محاولة منها للضغط على هذه الدول لسحب قواتها المشاركة ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية (أتيمس)، لمساعدة الحكومة الصومالية في محاربة فرع القاعدة بشرق إفريقيا، ففي 10 يناير الماضي، تمكنت قوات الأمن في كينيا من قتل 10 من مسلحي الشباب الصومالية، حاولوا مهاجمة أهداف بشرق كينيا، كما أن القوات الإثيوبية ركزت جهودها خلال الأشهر الماضية على منع مسلحي الشباب من اختراق حدودها البرية، فوفقًا لما أعلنه قائد أمني إثيوبي في 21 يوليو الماضي، فقد صدت الشرطة الإثيوبية هجومًا لعناصر الشباب على حدودها، وتحديدًا بقريتي "ييد" و"آتو" الواقعتين على طول الحدود الصومالية الإثيوبية، وتوجد بهما قواعد عسكرية للمشاركة في حماية حدود البلدين، وهو ما نجم عنه مقتل 63 من مسلحي الحركة المتشددة.

(*) اجتماع وزراء دفاع دول "خط المواجهة" في مقديشو: في 31 يناير الماضي، اجتمع وزراء الدفاع وقادة الأمن في الصومال وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي، بالعاصمة مقديشو، للتحضير للقمة الرباعية، وخلال الاجتماع، اتفق وزراء الدفاع الأربعة على ضرورة "استكمال العمليات العسكرية لـتحرير الصومال من فلول حركة الشباب المُتشددة من جهة، وتنسيق الدعم المقدم للصومال وجيشه من دول الجوار، بالتعاون الكامل مع بعثة الاتحاد الإفريقي "أتميس"، من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يؤكد جدية هذه البلدان في تعزيز إجراءاتها الأمنية للقضاء على فرع القاعدة بشرق إفريقيا.

(*) إرسال الصومال قوات عسكرية إلى خارج البلاد: تواصل الدولة الإفريقية تقوية جيشها حتى يكون قادرًا على مواجهة مسلحي شباب المجاهدين، وأيضًا لتولي المهام الأمنية للبلاد بعد مغادرة قوات البعثة الإفريقية "أتيمس"، إذ إن موعدها المحدد للخروج في ديسمبر 2024، وعليه فقد أعلن مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي "حسين شيخ علي" في مقابلة مع قناة (VOA Somali) في 26 يناير الماضي، أن بلاده "أرسلت 3 آلاف جندي لكل من إريتريا وأوغندا، وسيتم إرسال 6 آلاف مجند إضافي إلى إثيوبيا ومصر"، وذلك لتلقي تدريبات عسكرية متقدمة بهذه البلدان، كما أعلن المسؤول الصومالي عن إجراء بلاده مباحثات مع واشنطن للحصول على مزيد من الدعم حتى تتمكن من تنفيذ استراتيجيتها الهادفة لإعداد وتجهيز 15 ألف جندي بحلول عام 2023، حتى يتمكن من إدارة المسؤوليات الأمنية للصومال لدحر إرهاب حركة الشباب.

مساعٍ صومالية:

وفي ظل التطورات السالف ذكرها، يمكن القول أن عقد "قمة مقديشو" الرباعية، الهدف منه رغبة الحكومة الصومالية في تحقيق عدة أهداف، منها ما يلي:

(*) إشراك قوة إقليمية لإحباط تحركات "شباب المجاهدين": يعي الصومال أن القضاء على الحركة الإرهابية يتطلب تضافر جهود مجموعة من الدول، وخاصة التي يطالها إرهاب الحركة التابعة لتنظيم القاعدة، والتي لا تزال تضع يدها على مساحات شاسعة من الريف الصومالي، وهو ما يمكنها باستمرار من تنفيذ هجمات إرهابية ليس فقط بجميع أنحاء الصومال، ولكن في الدول المجاورة والمتاخمة لحدوده، ورغم النجاحات التي حققتها القوات الأمنية الصومالية والاستراتيجية التي وضعها "شيخ محمود" منذ تسلمه سدة الحكم في مايو الماضي للقضاء على الشباب، إلا أنه تأكد أن ذلك لن يقضي نفعًا طالما لم تكن هناك "قوة إقليمية" تدعم وتساند هذه الخطوات، خاصة أن الرئيس الصومالي سبق وأكد أن هذه الحركة المُتشددة لا يمكن هزيمتها فقط بالسلاح وإنما بالحوار، للقضاء على أيديولوجيتها، قائلًا في تصريحات سابقة له في يوليو الماضي، "الشباب لا يُمكن أن تُحارب بالسلاح فقط، مجموعة الشباب العسكرية هُزمت، ولكن الأيديولوجيا لا تزال باقية، وعلينا أن نتصدى لها بالحوار"، ولذلك اتفق القادة الأربعة بـ"قمة مقديشو" على ملاحقة مسلحي الشباب من خلال "حملة عملياتية" تقوم على ثلاثة محاور، هي (الجيش والمال والأيديولوجية).

(*) حشد دعم مالي وعسكري للصومال: تعاني الدولة الواقعة في شرق إفريقيا ليس فقط من الإرهاب، وإنما تضربها المجاعة والجفاف، ولذلك فهي بحاجة للحصول على دعم مالي وجوي وبري وأيضًا عسكري، حتى تتمكن من مواجهة هذه الحركة بتكلفة قليلة ودون خسائر جمة على المستويين المادي والبشري، خاصة بعدم موافقة البرلمان الصومالي على ميزانية تُعد الأكبر على الإطلاق لعام 2023، إذ خصص منها 113 مليون دولار للجيش الوطني، ويأتي هذا ضمن مساعي "شيخ محمود" لبناء جيش قوى يعيد الأمن والاستقرار للبلاد، ولأن الصومال لا زالت تعتمد على ثلثي ميزانيتها من خلال الدعم الخارجي، كما أنها لا تريد أن يتوقف هذا الدعم تحت أي ظرف، لأنها لن تستطع في هذه الحالة تحمل مصاريف الجيش وحدها، وعليه، فإن الدولة الإفريقية تريد من دول الجوار، أن تتكاتف معها وتكثف دعمها لجميع الخطوات العسكرية التي تقدم عليها الدولة الصومالية خلال الفترة المقبلة، خاصة الأمر المتعلق بمساعيها لرفع حظر الأسلحة المفروض عليها منذ عام 1992، لإعادة بناء القوات الأمنية الصومالية وتسريع مهمة القضاء على الإرهاب، وعليه فإن "شيخ محمود" الذي ناشد سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة "ليندا غرينفيلد توماس" خلال اجتماع في 29 يناير الماضي بالعاصمة مقديشو، بـ"دعم مطلب الصومال بالمنظمة الأممية لرفع حظر السلاح المفروض عليها لاستكمال جهود محاربة الإرهاب"، إلا أنه حتى الآن لم يوجد أي نتيجة، وعليه فإن الرئيس الصومالي يسعى للحصول على دعم موحد لدول الجوار له فيما يخص هذا الأمر.

(*) إطلاق عمليات عسكرية مشتركة لعرقلة التحركات الإرهابية على الحدود: تم الاتفاق بهذه القمة على ضرورة تدشين "آلية مُشتركة" لمنع التهديدات الأمنية العابرة للحدود، وهذا لن يتم إلا بعملية عسكرية مشتركة للدول المجاورة، ولذلك أعلن الصومال عن عملية (وصفت بأنها الأكبر) ستنطلق بإقليمي جوبلاند وجنوب غرب الصومال المجاورين لدول الجوار في مايو المقبل، وهو ما دفعها لمناشدة كينيا بوجود قواتها بإقليم جوبلاند، كما دعت إثيوبيا لتواجد بري لقواتها في إقليم جنوب غرب الصومال، ولذلك فإن هذه القمة جاءت للتأكيد على هذا الاتفاق، وعلى ضرورة دعم وتدريب قواتها، للنجاح في استعادة المناطق التي تشكل نواة المجاهدين بولايتي جوبلاند وجنوب غرب الصومال، وهو ما يراه "شيخ محمود" أهم خطوات القضاء على مسلحي الشباب.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن انعقاد "قمة مقديشو" في هذا التوقيت، يكشف عن أمرين، أولهما أن السلطات الصومالية بدأت تحصد أولى ثمار النجاحات التي حققتها قواتها خلال الفترة الماضية، والتي تمكنت من تحرير عدة مناطق من قبضة الحركة الإرهابية، أما الأمر الثاني، فهو رغبة "شيخ محمود" في إيصال رسالة لدول المجتمع الدولي أن بلاده لن تتوقف عن ملاحقة "شباب المجاهدين" حتى تتمكن من قطع دابر هذه الحركة، وعليه، فإنه من المتوقع أن ترفع الحركة خلال الفترة المقبلة من حدة هجماتها، لإثبات أنها لا تزال موجودة على الأراض وذات تأثير، وأن الجهود الإقليمية التي تدار حاليا لن تجدي نفعًا معها، ولن تقضي عليها.