بينما يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الكثير من الوظائف في مجالات عدة، كان الفن المجال الأكثر تأثرًا بشكل عام، على أكثر من صورة، منها تعديات على الحقوق والملكيات، وانتهاك التراث الغنائي من خلال وضع أصوات مطربي الزمن الجميل على أغانٍ حديثة، ومحاولات أخرى استخدمه المطربين في إنتاج أغنيات، وتقديم فيديو كامل مُنتج بهذه الأدوات الجديدة ليحاكي الحقيقة بشكل كبير.
وفي العام الماضي، أقيمت تجربة في كوريا الجنوبية، إذ تولى روبوت لأول مرة قيادة فرقة موسيقية تضم أكثر من 60 عازفًا، أمام جمهور عريض.
ومن المقرر أن يعود النجم العالمي الراحل إلفيس بريسلي صاحب الثورة في عالم الموسيقى والغناء، بالعالم من خلال مجسم ثلاثي الأبعاد في عرض يتم تنظيمه باستخدام الذكاء الاصطناعي بلندن نهاية العام الجاري، وسيقدم أشهر أغانيه على المسرح عبر استخدام آلاف مقاطع فيديو الحفلات أو الصور التي التقطها خصوصًا مقربون من المغنى.
والأمثلة خلال الفترة الماضية لا تنتهي حول توغلات الذكاء الاصطناعي في مجال الفن، لكن السؤال إلى أي مدى يمكن أن يتوغل، وهل بالفعل يهدد وظائف العاملين في الموسيقى أم يمكن السيطرة عليه، وكيف نحمي التراث وأصوات وبصمات الفنانين المنتهكة من هواة المستخدمين لهذه التقنية.
التكنولوجيا تفيدنا
أكد المطرب المصري الكبير على الحجار أن التكنولوجيا تفيدنا، ولكن مهما تطور هذا المجال ينقصه شيء واحد، أوضحه قائًلا: "مشاعر الإنسان لن تكون موجودة مع هذا التطور، فالإحساس الخاص بالأغنيات لن يقلد، كما أننا دائمًا نستعين بكل التطورات التي تحدث في الموسيقى وتطويعها بما يتناسب معنا، سواء في الآلات الموسيقية الجديدة أو غير ذلك فدائمًا هناك تطور ويجب أن نواكبه ونتعلم لنستطيع التواجد على الساحة".
تحديد ملكية
فيما ينادي الموسيقار المصري منير الوسيمي بضرورة وجود قانون رادع لبصمات الفنانين المنتهكة، وقال إن الورثة والمالكين لحقوق فناني الزمن الجميل عليهم أن يراجعوا الشكل الذي سيظهر عليه المطرب، وما إذا كان مناسبًا أم لا، وتقاضي أموال مقابل الحصول على صوت المطرب، فالأمر ليس متروكًا لأى شخص كما يحدث حاليًا، ويجب أن "نُظهر مطربينا في أفضل صورة".
ومن الزاوية الأدبية للظاهرة، أكد فوزي إبراهيم، أمين عام جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين المصرية "الساسيرو" أنه يحق لورثة الفنانين أن يقيموا دعاوى قضائية بسبب إساءة من يقوم بتركيب صوت ذويهم على أغنية أخرى بشكل لا يليق، ونستطيع أن نوقف تلك الأغاني ولكن بشرط واحد أن يتم تقديم شكوى رسمية.
وأضاف: "يجب أن نعرف كيف نتعامل مع الذكاء الاصطناعي ووضع قواعد له، ومواجهته، لأن بصمة صوت أي فنان من الممكن استخدامها في أي استوديو صوت، ويجب أن نتعامل مع هذا النوع من التجاوزات".
مواكبة التغيير
"لن يستطيع أحد أن يحتل دور المايسترو فمهما تطورت التقنيات لن يصل إلى الإحساس المتناغم بين المايسترو والفرقة الموسيقية"، هكذا يعلق المايسترو سليم سحاب على الذكاء الاصطناعي، قائلًا: "التنوعات المفاجئة التي قد تحدث أثناء الحفل وتغييرات الفنانين لبعض النوت الموسيقية أشياء لن يفهمها سوى إنسان عاقل من لحم ودم، ولكن هذا لا يمنع أن نتعرف على تلك التكنولوجيا وألا ندعها تمر دون أن يطور الشباب من أنفسهم ويتعلمون ويجعلون لهم بصمة تميزهم عن الآلة، ويجب أن نطوع الذكاء الاصطناعي إلى الإيجابيات حتى لا يتحكم فينا، ونواكب التغيير".
انتشار محدود
وأكدت الناقدة الموسيقية ياسمين فراج أن لا أحد يستطيع منع تطور وتوغل الذكاء الاصطناعي في عالم الموسيقى، خصوصًا في ما يتعلق ببصمة الصوت، قائلة: "قد نحجّم الأمر مع الفنانين المحترفين التابعين لنقابات ويمكن أن نتعرف عليهم بسهولة، ولكن كيف سنتعامل مع الهواة على مواقع التواصل الاجتماعي ويلعبون بالذكاء الاصطناعي".
ونوهت "فراج" بضرورة ترك هؤلاء الهواة دون أن نُسلّط الضوء عليهم حتى تنتهي تجربتهم سريعًا، خصوصًا أنه حينما يجد صانع تلك الأغاني ضوءً مُسلّطًا عليه سيكرر ما يفعله.
وأضافت: "ما يحدث طفرة ولكن أعتقد أن الأمر سيظل محدودًا ولن يتفوق على العقل البشري الذي يواكب كل ما يحدث وينمي من مواهبه بابتكار وتقديم أفكار جديدة".