الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أرمينيا وروسيا.. هل تخسر موسكو حليفا جديدا؟

  • مشاركة :
post-title
رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان

القاهرة الإخبارية - محمد سالم

يبدو أن منطقة القوقاز، وتحديدًا أرمينيا، تتفلت من قبضة روسيا يومًا بعد يوم، بعد أن كانت الضامن الوحيد للأمن هناك، إثر التقارب الأرميني مع واشنطن أخيرًا، والذي كانت آخر تطوراته دعوة أرمينيا الأمم المتحدة لإرسال بعثة لمراقبة وضع الأرمن في الإقليم، بعد أن استعادت أذربيجان السيطرة عليه، من حكم الانفصاليين الأرمن على مدى عقود، وبعد أيام من قول رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، إن سياسة بلاده بالاعتماد على موسكو فقط لضمان أمنها "خطأ استراتيجي".

وزير الخارجية الأرميني، أرارات ميرزويان، خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلًا: "يجب على المجتمع الدولي بذل كل الجهود من أجل النشر الفوري لبعثة مُشتركة من وكالات الأمم المتحدة في ناجورنو كاراباخ؛ بهدف مراقبة وتقييم حقوق الإنسان والوضع الإنساني والأمني على الأرض"، وذلك في وقت أعلنت أذربيجان أنها تعمل مع روسيا على نزع سلاح قوات مدينة ناجورنو كاراباخ الانفصالية، ذات الأغلبية الأرمينية، بعد تحقيقها لانتصار عسكري بداية الأسبوع.

وتأتي دعوة أرمينيا، بعد ساعات من تحذير وزير الخارجية الروسي، من أن هناك "لوبي" يحاول تقويض الدور الروسي في أرمينيا؛ لتعزيز مصالح واشنطن وحلفائها، وقال خلال مؤتمر صحفي عقب كلمته أمام الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، السبت، إن الحقيقة أن هناك في أرمينيا، كما هو الحال في بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، "لوبي" قويًا، مؤلفًا من منظمات غير حكومية، يعمل على تعزيز مصالح الولايات المتحدة وتقويض الدور الروسي هناك.

وفي السياق قال ديمتري بوليانسكي، النائب الأول للممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، إن روسيا مهتمة بتطبيع العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا، للتوصل لحل سريع للأزمة في كاراباخ ومنع استئناف الأعمال العدائية.

وتحدث المسؤول الروسي، عن أن بلاده توصل لعب دور قيادي، في عملية تطبيع العلاقات بين البلدين، ومهتمة بالتوصل لاتفاقية سلام وترسيم للحدود.

بوتين
أزمة التدريبات المشتركة

وأثارت المناورات المشتركة بين أرمينيا وأمريكا، الشهر الجاري، غضب موسكو، والتي اعتبرتها إجراءً غير ودي من حليفها التقليدي، إذ شارك 85 جنديًا أمريكيًا، و175 جنديًا أوكرانيًا، في التدريبات، التي تهدف إلى إعداد الأرمن للمشاركة في بعثات حفظ السلام.

ورغم صغر حجم التدريبات، ثار غضب الكرملين، وقال المُتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، "من الواضح إن إجراء هذه التدريبات لا يسمح باستقرار الوضع في المنطقة ولا يعزز مناخ ثقة متبادلة"، بحسب "سي إن إن".

لماذا تبتعد أرمينيا عن روسيا؟

ابتعاد أرمينيا عن روسيا، وتقربها من الغرب، وخاصة أمريكا، جاء بسبب عدم تحرك روسيا لحماتيها ضد ما اعتبرته عدوانًا من أذربيجان المجاورة، إذ قال الرئيس الأرميني نيكول باشينان، إن بلاده بدأت تتذوق مرارة الخطأ الاستراتيجي للثقة في روسيا وقدرتها على الدفاع عن أراضيها، مُضيفًا أن "روسيا هي من في حاجة للمساعدة".

وبحسب ما قاله "باشينان"، فإنه حتى إن رغبت روسيا في المساعدة، فإنها لن تستطيع تلبية احتياجات أرمينيا.

وتأخذ أرمينيا على روسيا، عدم تحرك قوتها العسكرية الموجودة في المنطقة، لاحتواء التحرك العسكري الأخير لأذربيجان، والتحرك السابق في 2020، وسماحها لأذربيجان بإغلاق ممر حيوي بالنسبة إلى منطقة ناجورنو كاراباخ.

وسواء كانت روسيا غير قادرة على التدخل أو غير راغبة فيه، رأت حكومة أرمينيا أن موسكو لم تعد تفي بالتزاماتها الأمنية التي تدعي أنها تقدمها من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، وهو تحالف عسكري لدول ما بعد الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك أرمينيا، كما أنها تمتلك قاعدة عسكرية في أرمينيا وتعتبر نفسها القوة المهيمنة في منطقة جنوب القوقاز التي كانت حتى 1991 جزءًا من الاتحاد السوفيتي.

كما أنها تحتفظ بقوات لحفظ السلام في المنطقة للتأكد من الالتزام بتنفيذ الاتفاق الذي أنهى الحرب بين أرمينيا وأذربيجان في 2020، إلا أن رئيس الوزراء الأرميني، قال إن روسيا أخفقت في ضمان أمن أرمينيا في مواجهة ما قال إنه اعتداء من أذربيجان فيما يتعلق بمنطقة ناجورنو كاراباخ، مُشيرًا إلى أن موسكو التي يربطها اتفاق دفاعي مع أرمينيا، لم تعد بلاده موالية لها بما يكفي، وأنه يعتقد أن بلاده في ظل ذلك تحاول تنويع ترتيباتها الأمنية، في إشارة فيما يبدو لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومحاولاتها توثيق العلاقات مع دول أخرى في المنطقة.

وقال إنه يرى أن روسيا نفسها تحتاج إلى أسلحة وذخيرة في الوقت الحالي، بسبب حرب أوكرانيا، وبالتالي لن تتمكن من الوفاء باحتياجات أرمينيا، وبالتالي الاعتماد على شريك واحد فقط في الأمور الأمنية هو خطأ استراتيجي، وتحدث عن أن بلاده في ظل ذلك تحاول تنويع ترتيباتها الأمنية، في إشارة لمحاولاتها توثيق العلاقات مع دول أخرى، وخاصة أمريكا.

يُذكر أن أذربيجان، تمكنت في يوم واحد فقط، من إجبار الأرمن المقيمين في الإقليم، على نزع سلاحهم. بعد أن كان الأرمن يتطلعون إلى روسيا طلبًا للمساعدة، إلا أن قواتها بقيت متحفظة في الصراع الأخير، ليوافق قادة إقليم ناجورنو كاراباخ، المعروفة باسم "جمهورية آرتساخ" غير المعترف بها دوليًا، والذين يحكمون الإقليم منذ عام 1991، على سحب قواتهم مع تعهد أذربيجان بتوفير ممر آمن لهذه القوات.

ووصف المُتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الأزمة بأنها "شأن داخلي خاص بأذربيجان"، فيما أعرب بوتين "عن ارتياحه من إمكانية التغلب على هذه المرحلة بالغة الحساسية من الصراع"؛ لذا طرح مراقبون تساؤلات حول السبب الذي دفع روسيا للتخلي عن دعم أرمينيا، مرجحين أن السبب هو موقف يريفان حيال الإقليم، حيث أعلن رئيس الوزراء في وقت سابق من هذا العام الجاري أن بلاده تعترف بسيادة أذربيجان عليه.

ويرى آخرون، أن موقف روسيا جاء ردًا على التقارب الأرميني مع الغرب، وتحدي الكرملين، وهو ما بدا جليًا في رفضها للمناورات المشتركة بين أرمينيا وأمريكا، إلى جانب تصاعد التوتر بين البلدين، عقب تسليم أرمينيا مساعدات إنسانية لأوكرانيا، وزيارة زوجة رئيس الوزراء للعاصمة كييف، حتى وصل الأمر إلى تصريحات رئيس الحكومة الأرميني بأن اعتماد بلاده الأمني على روسيا "خطأ استراتيجي".

عرض أذربيجاني

في المقابل قال شتيفان مايستر، الخبير في شؤون جنوب القوقاز في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، إن أذربيجان قدمت على ما يبدو عرضًا لروسيا لتسهيل وصول ممر إلى إيران، وأن باكو أصبحت في موقف تفاوضي جيد، بسبب بحث روسيا عن طرق تجارية بديلة للتغلب على العقوبات الغربية.

ورغم توتر العلاقات مع روسيا، يرى روبن إنكوبولوف، الباحث في معهد برشلونة للاقتصاد السياسي، أن أرمينيا ستظل بحاجة إلى الحفاظ على العلاقات مع موسكو باعتبارها الشريك التجاري الأكبر.