الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مساحات تنافسية: ماذا يحمل مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا؟

  • مشاركة :
post-title
مشروع الممر الاقتصادي بين الهند أوروبا

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

في العاشر من سبتمبر الجاري، أعلن بعض قادة العالم على هامش قمة العشرين مشروع الممر الاقتصادي (IMEC) الذي يربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق المتوسط. ويمثل هذا المشروع الجديد بالنسبة لواشنطن، مواجهة لنفوذ بكين المتصاعد في المنطقة، في ضوء المساعي الغربية في تقليل الاعتماد على الإمدادات منها.

وفي ضوء ما سبق، يطرح هذا التحليل عدة تساؤلات، هي كالتالي: ماذا عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا الذي تمت الموافقة عليه خلال قمة العشرين الأخيرة في نيودلهي؟.. وهل يمثل هذا الممر ساحة جديدة للتنافس بين الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية مع دول أخرى في مقدمتها الصين؟.. وما أهداف هذا الممر وفوائده مقارنة بالممرات الاقتصادية المتصلة بالقارة الأوروبية؟.. وهل سيقلل هذا الممر الاعتماد الأوروبي على الإمدادات الصينية؟

يذكر أن الصين، أطلقت سنة 2013 مبادرة "الحزام والطريق" التي تتكون من ممرين تجاريين: الأول "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" الذي يعبر آسيا الوسطى وإيران وتركيا وصولًا إلى أوروبا. والطريق الآخر مائي، ويعرف "بطريق الحرير البحري" وينبع من بحر جنوب الصين ثم المحيط الهندي ثم البحر الأحمر وصولًا للبحر المتوسط، وخصصت لهذه الخطة ميزانية قدرها 152 مليار دولار.

وتعترض الخطة الصينية حاليًا صعوبة كبيرة أولها كون روسيا باتت تعاني عزلة غربية، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في خطة طريق الحرير، لهذا فهي لا تمانع في تسهيل تطوير الممر الأوسط الذي يمكّنها من الوصول إلى أذربيجان عبر بحر قزوين، ومنه إلى جورجيا ثم تركيا ومنها إلى أوروبا، بكلفة أقل وفي وقت أقل.

مسارات متنافسة:

في حدث تاريخي في قمة مجموعة العشرين، وقّعت السعودية مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة لإنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند وأوروبا. شارك في مذكرة التفاهم كل من الهند، والاتحاد الأوروبي، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا. وقد وُصف هذا الحدث بأنه محوري وتحولي في الخريطة اللوجستية العالمية. شرارة هذه المذكرة كانت خلال قمة الرياض العام الماضي التي حضرها الرئيس الأمريكي، واستكمل بعدها العمل حتى الآن لصياغة الاتفاق بما يتواءم مع احتياجات وطموحات الدول المشاركة، وعليه يمكن القول إن الإعلان عن هذا المشروع في ذلك التوقيت يطرح عدة دلالات، هي كالتالي:

(*) تغيير قواعد اللعبة: يتيح مشروع الممر الاقتصادي الهادف للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، عديدًا من الفرص الواعدة للدول المشاركة، عبر خلق طريق تجاري موثوق وأكثر فعالية من حيث التكلفة، بما يعزز مرونة سلاسل التوريد، الأمر الذي ينعكس بدوره على عديد من دول العالم، بخلاف الدول التي يشملها الممر.

وفقًا للمراقبين، فإن الاتفاق الذي يدعمه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من المحتمل أن يغيّر قواعد اللعبة، إذ يضم عدة دول، ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط المواني البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات.كما أن هذا الممر سيربط بين دول الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا. وسيكون له مساران: الممر الشرقي (الهند – الخليج العربي) والممر الشمالي (الخليج العربي – أوروبا).

كما أن هذا المشروع من المحتمل أن يوفر طريقًا تجاريًا موثوقًا وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وبل يزوّد العالم بطريق تجاري منافس آخر وممر اقتصادي يضيف إلى شبكة مبادرة الحزام والطريق (BRI) التي تصورها الصينيون. ومن المفترض أن تساعد إضافة طريق التجارة IMEC في سلاسل التوريد الأكثر مرونة التي سوف تفيد عديدًا من الدول على مستوى العالم (بما في ذلك تلك التي هي خارج الهند وأوروبا).

(*) مبادرة واعدة تحظى بدعم أمريكي: يبدو أن مبادرة IMEC واعدة للغاية؛ لأنها تحظى بمباركة الولايات المتحدة، التي تحرص على تقليل الاعتماد على الصين، كما يتوافق IMEC بشكل جيد مع أهداف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بعد ما صرّح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه يطمح إلى تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة، وبالتالي فإن IMEC سوف تتمتع بدعم قوي من السعودية والإمارات، بما لهما من ثقل في منطقة الشرق الأوسط.

على نحو مماثل، تطمح الهند إلى التحول إلى قوة تصنيعية كبرى، وتأمل في الحصول على حصة من الإنتاج العالمي من السلع. فيما سيتعين عليها رفع مستوى قدراتها البحرية من أجل هذا الممر، وهي لديها الآن مواني ذات مستوى عالمي، مثل مواني موندرا وJNP على ساحلها الغربي، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من البنية التحتية للشحن في هذا القطاع. وكان رئيس وزراء الهند (المضيفة لقمة العشرين الأخيرة) ناريندرا مودي، علّق على المشروع قائلًا: "اليوم، بينما نشرع في مبادرة الربط الكبيرة هذه، فإننا نضع بذورًا تجعل أحلام الأجيال المقبلة أكبر".

(*) خلق ساحات تنافسية بديلة: سيمنح مشروع الممر الاقتصادي الهند ميزة تنافسية على الصين التي تراها منافسًا اقتصاديًا لها. أما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فقد سعيا لفترة طويلة إلى إيجاد مشروع منافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي يرون فيها زيادة للنفوذ الصيني. وقد كان ناقوس الخطر لهذه الدول حين انضمت إيطاليا إلى المبادرة الصينية في 2019، وقد تعلن انسحابها نهاية العام الحالي. لذلك، فقد استحدثت عام 2020 مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" (Build Back Better World)، قبل أن تعيد تسميتها العام الماضي إلى "الشراكة العالمية للبنية التحتية"، وتهدف إلى بناء ممرات اقتصادية لتسهيل تدفق السلع بين الدول، ولا سيما الدول النامية.

وبصفة عامة، تسابق الدول الغربية الأيام لسحب كل أوراق الضغط الاقتصادية والتجارية من يد روسيا. فبعد الغاز والنفط، يأتي الدور على التجارة، وتسعى أوروبا لتعزيز طريق تجاري يربطها بالصين دون الحاجة إلى المرور عبر روسيا، سعيًا لزيادة عزلة موسكو.

ووجدت الدول الأوروبية ضالتها "بالممر الأوسط"، وهو خط تجاري يجمع بين الممرات البرية والبحرية والسكك الحديدية، القادرة على ربط أقصى الصين بقلب أوروبا.ويعتبر الممر الأوسط المعروف باسم"TRANS-CASPIAN INTERNATIONAL TRANSPORT ROUTE" أو اختصارا "TITR" من بين 3 ممرات للتجارة العالمية بين الصين وأوروبا، ويبلغ طوله 4256 كيلومترًا بين الطرق البرية والسكك الحديدية إضافة إلى 508 كيلومترات عبر البحر. وقد ارتفع حجم الشحنات التي تمر عبر هذا المعبر 3 أضعاف خلال هذه العام الماضي ليصل إلى 845 ألف طن خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2022 مقارنة بنحو 311 طنًا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعني زيادة اعتماد التجارة العالمية على هذا الممر.

ويعتبر الممر الأوسط من بين 3 ممرات أساسية تربط آسيا بأوروبا، الأول الشمالي الذي يمر عبر روسيا، والجنوبي الذي يعبر إيران أو عبر قناة السويس. وتقود ألمانيا الجهود الأوروبية لتقوية البنية التحتية الخاصة بهذا الممر، بحيث تتخلى عن الممر التجاري الشمالي، الذي يربط الصين بأوروبا ويمر عبر روسيا، كان هذا المعبر الشمالي الخط التجاري المفضل للأوروبيين، إلى أن اندلعت الحرب في أوكرانيا.

كذلك يلاحظ أن روسيا في الآونة الأخيرة عمدت إلى تفعيل (ممر النقل بين الجنوب والشمال) مع دول أوراسيا لزيادة تدفق السلع بين هذه الدول، وتقليل الاعتماد على التبادل التجاري مع الغرب.

انعكاسات سلبية على الصين:

من المحتمل أن يقلل الممر IMEC الاعتماد الأوربي المفرط على مصادر الإمداد الصينية وطرق التجارة التي تسيطر عليها الصين. وهذا يفسر الاهتمام الأوروبي بهذا الممر في إطار المساعي الأوروبية لتقليل الاعتماد على الإمدادات الصينية، لقد تحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية، السيدة أورسولا فون دير لاين، عن إزالة المخاطر التي تواجه أوروبا من الاعتماد المفرط على مصادر الإمداد الصينية وطرق التجارة، موضحة أن إيطاليا تعيد النظر في أفكارها بشأن مبادرة الحزام والطريق، بعد أن شهدت علاقة تجارية غير متكافئة مع الصين. وبالمثل، بالنسبة لعديد من البلدان الأخرى. وتبعًا لذلك، فإن "هذا الممر الاقتصادي الجديد والطريق التجاري من شأنه أن يوفر مزيدًا من المرونة في سلاسل التوريد الخاصة بها".

وفي النهاية؛ يمكن القول إنه من شأن الممر الاقتصادي المقترح في قمة العشرين الأخيرة أن يعزز المنافسة في الاقتصاد العالمي بين ممرات ومحاور مختلفة، وبما يخلق مزيدًا من الفرص والخيارات على طريق التنمية العالمية. وتحقيق هذا الأمر يتوقف على تنفيذ مشروع هذا الممر الضخم الذي سيزيد الروابط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط. فالمحادثات حوله كانت تجري خلف الكواليس بين الدول المعنية منذ أشهر، لكنها ستستمر الآن على أساس أكثر رسمية بعد هذه القمة. وعلى الرغم من أنه لم يتم تقديم أي التزامات مالية ملزمة، لكن الأطراف اتفقت على التوصل إلى "خطة عمل" خلال الستين يومًا المقبلة. ومن المتوقع أن يحظى هذا المشروع بدعم أوروبي كبير، فقد خصص الاتحاد الأوروبي إنفاق ما يصل إلى 300 مليار يورو على استثمارات البنية التحتية في الخارج بين عامي 2021 و2027 من خلال مشروع البوابة العالمية، الذي تم إطلاقه جزئيًا لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية والدفاع عن المصالح الأوروبية بين الشركاء التجاريين الرئيسيين.

وعلى الرغم من أن الممر المقترح، سيدخل المنافسة مع مبادرة الحزام والطريق في القطاعات المتأثرة. لكن في الوقت الراهن، يتمتع الصينيون بميزة كبيرة في قدرات البنية التحتية، ولا تزال لديهم ميزة السيطرة على العديد من مصادر توريد التصنيع، والوصول إلى المواد الخام والمعادن النادرة وغير ذلك، ومن المتوقع على المدى القصير (حتى 4 أو 5 سنوات) أن تستمر هذه الميزة لديهم، وبالتالي ليس لدى الصين ما يدعو للقلق من الممر الاقتصادي IMEC في الوقت الراهن.