الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات زيارة رئيس وزراء الهند إلى الولايات المتحدة الأمريكية

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء الهند في البيت الأبيض

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتى زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 22 يونيو 2023، التي وصفها البيت الأبيض بأنها بمثابة زيارة دولة رسمية، باعتبار أن الهند وفق الرؤية الأمريكية شريك استراتيجي، قادر على موازنة الصعود الصيني المتنامى فى ظل ما تمتلكه الهند من قدرات اقتصادية وعسكرية متنامية، كما أنها تمتلك القدرة على تصدير الأمن والاستقرار لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (الإندوباسيفيك) تلك المنطقة التي تشهدت نشاطًا متزايدًا للصين التي تسعى للصعود لقمة النظام الدولي. لذلك وصف رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودي الزيارة بأنها فصل جديد فى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

أهمية الزيارة

تكتسب زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أهميتها في هذا التوقيت من عدة أوجه:

(*) أولًا: الإدراك الأمريكي لما تمثله الهند من ثقل على المستوى الدولي فى ظل التطورات الراهنة الرامية إلى تغيير النظام الدولي من أحادى القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب، كانت الحرب الروسية الأوكرانية أحد تجلياتها، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي جو بايدن يصف الولايات المتحدة الأمريكية والهند خلال استقباله لرئيس الوزراء الهندي بأنهما دولتان عظميان، وقوتان عظميان، وصديقتان عظميان يمكنهما تحديد مسار القرن الحادي والعشرين، واصفًا تلك التحديات والفرص التي يواجهها العالم في هذا القرن بأنها تتطلب أن تعمل الهند والولايات المتحدة معًا وأن تتوليا القيادة معًا.

(*) ثانيًا: محورية الهند فى الرؤية الأمريكية كحليف استراتيجى لمواجهة الصعود الصيني المتنامي، وهو ما كشفه كتاب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "مايك بومبيو" الصادر مطلع هذا العام في 24 يناير 2023 بعنوان "لا تنازل عن شبر في القتال لأجل أمريكا التي أحبها "Never Give An Inch: Fighting for the America I Love"، أظهر أهمية الحليف الهندي الذي يعد نقطة ارتكاز في مواجهة الصين نظرًا لموقعه الاستراتيجي في جنوب شرق آسيا، معتبرًا أنه سيكون للكتلة المضادة للصين المكونة من الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وزن اقتصادي لا يقل عن ثلاثة أضعاف وزن الصين.

(*) ثالثًا: أن التوترات بين الهند والصين تأتي لصالح تمتين التحالف الاستراتيجي بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية، وقد تزايدت تلك التوترات منذ ديسمبر 2022 على الحدود بين الدولتين ما أدى إلى سقوط قتلى من الجانبين، ثم جاءت أخيرًا أزمة الصحفيين مطلع يونيو 2023 ورفض الهند التجديد لصحفيين صينيين للإقامة على أراضيها، وما تبعه من قرار الهند بالتراجع عن استضافة أعمال قمة شنجهاي المقرر عقدها فى 4 يوليو 2023 على أراضيها، واستضافتها عبر تقنية الفيديو كونفراس، ليبرر البعض هذا السلوك بأنه لتفادي الهند استضافة الرئيسين الصيني والروسي، فى ظل التوترات القائمة بين نيودلهي وبكين.

دلالات متعددة

تتنوع دلالات زيارة رئيس وزراء الهند إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

قادة التحالف الأمني الرباعي-أرشيفية

(#) تعزيز التعاون الاقتصادي: تتنوع مجالات التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة الأمريكية والهند، فوفقًا للكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال استقباله لرئيس وزراء الهند مودي، فإن ثمة تحديات متعددة تحتاج إلى تعاون الدولتين ومن أهم تلك المجالات العمل من أجل القضاء على الفقر، ومعالجة تغير المناخ وتوسيع نطاق الرعاية الصحية وضمان الأمن الغذائي الذي تأثر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

كما شملت الزيارة مناقشة العديد من مجالات التعاون الاقتصادي فى مقدمتها التجارة والاستثمار، والتكنولوجيا والابتكار، لاسيما فيما يتعلق بالمعادن النادرة المتصلة بصناعة أشباه الموصلات التي ربما يتم توظيفها فى ساحات التنافس الدولي بين القوى الكبرى. ويهدف تنويع مجالات التعاون الاقتصادي بشكل عام إلى تنويع سلاسل الإمداد بين البلدين لتقليل الاعتماد على الصين. تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تصدرت قائمة أكبر الشركاء التجاريين للهند خلال العام المالي 2021-2022، وبلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين 119,42 مليار دولار فى مقابل 80,51 مليار دولار في العام السابق، وذلك طبقًا لبيانات وزارة التجارة الهندية. إذ بلغت صادرات الهند إلى الولايات المتحدة الأمريكية 76,11 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الواردات الهندية نحو 43,31 مليار دولار. وتشمل صادرات الهند للولايات المتحدة البترول والألماس والمنتجات الدوائية والمجوهرات والزيوت الخفيفة والجمبري، بينما تستورد الهند من الولايات المتحدة الغاز المسال والفحم والحديد والخردة والذهب.

(#) التعاون فى المجالات الأكاديمية: وفقًا لما جاء على الموقع الرسمي لرئيس وزراء الهند فإن ناريندرا مودي سلّط الضوء خلال الفعالية التي أقيمت في المركز الوطني للعلوم فى واشنطن خلال زيارته، على الخطوات المتعددة التي اتخذتها الهند من أجل تعزيز التعليم والمهارات والابتكار لديها، كما أعرب مودي عن تقديره للتبادل الأكاديمي الجاري بين البلدين، والتعاون بين النظم البيئية الأكاديمية والبحثية بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية.

(#) التوظيف الانتخابي: تشير بعض الاتجاهات إلى أن زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة ربما تفسر فى أحد جوانبها إلى سعي إدارة بايدن لتعزيز التقارب مع الحكومة الهندية الحالية برئاسة مودي، الذي يتمتع بشعبية لدى المواطنين الأمريكيين من أصول هندية، وبالتالي تسعى إدارة بايدن إلى توظيف نتائج تلك الزيارة فى ضمان أصوات هؤلاء المواطنين فى الانتخابات الرئاسية القادمة 2024، فى ظل انتشارهم فى الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا وميتشجان.

(#) ضمان استقرار منطقة الإندوباسيفيك: تكتسب منطقة الإندوباسيفيك أهمية استراتيجية لدى القوى الكبرى المتنافسة على قمة النظام الدولي، لا سيما أن الصين تعتبرها مجالًا حيويًا لحركتها الخارجية في إطار مبادرة الحزام والطريق التى تسعى من خلالها لتعزيز مكانتها الاقتصادية. في حين تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في تلك المنطقة فرصة للحد من الصعود الصيني، وتوظيف التحالفات الرامية للاستفادة من الموارد الضخمة التي تزخر بها تلك المنطقة، حيث تضم أكبر دولتين فى العالم من حيث عدد السكان هما الهند والصين، وتمتلك المنطقة 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إذ بها ثاني وثالث أكبر اقتصادات العالم وهما اقتصادي الصين واليابان. لذلك تمثل الهند ركيزة رئيسية فى التحالفات الأمريكية التى تنشأ فى إطار منطقة الإندوباسيفيك، بهدف ضمان استقرار المنطقة والسعى لتحييد النفوذ الصيني، فضلاً عن الاستفادة من مواردها. ومن أبرز تلك التحالفات تحالف "كواد" الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان. ويهدف إلى مواجهة التمدد الصيني والحد من صعوده، وتعظيم استفادة أعضاء التحالف من الموارد الاقتصادية الموجودة بالمنطقة.

(#) السعي لإرساء السلام العالمي: تشكل قضية الاستقرار العالمي إحدى التحديات التي تواجه القوى الكبرى، لا سيما أن الحرب الروسية الأوكرانية أفرزت مواقف متباينة إزاء تفاعلاتها، وتسعى الدول الغربية وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية لإقناع الهند بالتخلي عن حيادها وتبني الرؤية الغربية في رفض الحرب وإدانة روسيا، إلا أن الهند لا تزال تعتمد بشكل كبير على إمدادات الطاقة من روسيا، فضلاً عن مشريات السلاح. ومع ذلك تتبنى الهند رؤية خارجية تقوم على دعم الاستقرار والسلام العالميين، وهو الأمر الذي تجلى خلال لقاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالرئيس الأمريكي جو بايدن، وتأكيده على أن العلاقات بين نيودلهي وواشنطن تقوم على القيم الديمقراطية، ومشيرًا إلى أهمية العمل سويًا من أجل تحقيق السلام والاستقرار العالميين.

مجمل القول؛ إن زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تأتي في إطار سعي الدولتين إلى تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بينهما، فالولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن موازن موضوعي لمواجهة الصعود الصيني المتنامي، وترى في الهند بموقعها الاستراتيجي في آسيا وبالقرب من الصين وبمنطقة الإندوباسيفيك الحليف الاستراتيجي المناسب، لا سيما أنها تعد أكبر دولة من حيث عدد السكان على المستوى الدولي بعد أن تجاوزت الصين فى أبريل 2023 وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة في تقريرها عن الأوضاع السكانية للعالم عام 2023، إذ قُدر عدد سكان الهند بـ1.4286 مليار نسمة، مقارنة بـ1.4257 مليار نسمة للصين. وهو ما سيعزز أيضًا من مكانة الهند على المستوى العالمي جعلت البعض يعتبرون أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرنًا آسيويًا بتفوق هندي أكثر منه تفوق صيني.