سيد درويش موهبة ربانية وظاهرة موسيقية وصف نفسه بـ"فيردي مصر"
محمد عبد الوهاب من كثرة تأثره بفنان الشعب قال "أنا درويشي حتى العظام"
تأثير سيد درويش الموسيقي لا يمكن حصره في الأثر الذي تركه لدى معاصريه والأجيال المقبلة فقط، بل يمتد إلى إحداث ما يسمى بحق "نهضة موسيقية مؤثرة"، ومدرسة عربية جديدة في الموسيقى، بنى فصولها على ما شاهده من عروض أوبرالية وموسيقى غربية، كان يحضرها بدار الأوبرا المصرية، كما تأثر بالأشكال الموسيقية الجديدة سواء كانت في الحفلات الغنائية أو السيمفونية.
الأثر الذي تركه سيد درويش لدى الموسيقيين، كان كبيرًا للغاية، فالجميع تعلم منه، ومنهم محمد القصبجي الذي وُلد معه في نفس العام، ويليه محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وكل منهما طوّر ما تعلمه من سيد درويش، حسبما أكد الموسيقار المصري سليم سحاب، لـ"القاهرة الإخبارية"، الذي قال إن زكريا أحمد يعد أحد المتأثرين بفن سيد درويش، واستمر بالمسرح الغنائي حتى عام 1945، إذ ألّف 54 مسرحية، وكذلك طوّر فن الطقطوقة الذي أبدعه سيد درويش، إذ لحن كل مقطع "كوبليه" على حدة، بشكل مختلف.
فيما طوّر محمد القصبجي فن المونولوج الذي ابتدعه سيد درويش من تأثره بالغناء الأوبرالي، إذ وصل المونولوج الغنائي العربي إلى ذروة تطوره مع أم كلثوم، أما موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فاستطاع أن يطور الدراما التي دمجها سيد درويش بالموسيقى العربية، وطوّر أيضًا التصوير الموسيقي، وجميع التجديدات التي أدخلها سيد درويش على الموسيقى العربية بجميع ألوانها.
واستطرد سليم سحاب موضحًا تأثير سيد درويش على عبد الوهاب: "يعد من أكثر المطربين والفنانين في ذاك الوقت تأثرًا بفنان الشعب، حتى إنه قال ذات مرة واصفًا نفسه (أنا درويشي حتى العظام)، كما أنه له جمله شهيرة في أحد أحاديثه (أتريدون معرفة ماذا فعل سيد درويش بالموسيقى العربية، اسمعوا كيف كان الموسيقيون يلحنون في أيامه)، لذا نستطيع أن نرى مدى تأثر عبد الوهاب بمسرح سيد درويش الغنائي، من خلال نقل موسيقار الأجيال هذا التأثر إلى الأفلام السينمائية، وابتداعه الأغنية السينمائية الجديدة التي أخذت مكان ودور الأغنية بالمسرحيات".
أما عن المدارس الموسيقية التي سبقت سيد درويش وتأثر بها، كشف سليم سحاب أن الموسيقار الراحل تأثر بخطين مهمين، وهما الخط التقليدي العربي لمحمد عثمان وعبده الحامولي وتراث القرن التاسع عشر والموسيقى التقليدية العربية المصرية، أما الخط الآخر الذي تأثر به سيد درويش، تمثل في حضور جميع عروض دار الأوبرا ومشاهدة الأوبريت الغنائي والموسيقي الغربي، إذ كان يعلم قيمة هؤلاء الفنانين في موسيقى بلادهم، فعلى سبيل المثال كان يقول إنه يعرف "فيردي" الملحن الأوبرالي الإيطالي الشهير تمام المعرفة من شدة استماعه ومتابعة أعماله، وكان يلقب نفسه بـ"فيردي مصر"، فهو يعلم جيدًا قيمة هؤلاء الفنانين الذين تأثر بهم.
وصف سليم سحاب الموسيقار الراحل سيد درويش بـ"الظاهرة الموسيقية"، قائلًا: "هو فنان ومؤسس بارز، فبعدما تعرفت بعمق على أعماله، وصلت إلى نتيجة مبهرة، فهو مدرسة تلخص ما بعده، فعلى سبيل المثال الموسيقار الألماني الشهير "باخ" لخص مدرسة الباروك التي جاءت قبله، وأستشعر هذا أيضًا في سيد درويش الذي عندما تعمقت في موسيقاه، أستطيع أن قول إنه خلاصة المدرسة التي جاءت بعده، ويعتبر مؤسس الموسيقى العربية في القرن العشرين".
أما عن العوامل التي شكلت موهبة وعبقرية سيد درويش، فقال سليم سحاب: "أولًا هي الموهبة الربانية إلى جانب الدراسة التي حصل عليها من خلال حضوره الحفلات الموسيقية في دار الأوبرا، والتي كان أثرها كبيرًا في تكوينه، فكل هذا صنع عبقرية سيد درويش".
أما عن تأثير سيد درويش في سليم سحاب، قال الموسيقار الشهير: "أثّر في بشكل غير مباشر، إذ تأثرت بالتجديد الذي أحدثه محمد عبد الوهاب في موسيقى سيد درويش، ومن خلاله تعرفت على عبقرية فنان الشعب وكل ما أبدعه في الموسيقى العربية".