الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف يؤثر "المتغير الصيني" على السباق الانتخابي في تايوان؟

  • مشاركة :
post-title
مرشحا الرئاسة التايوانية.. "كو" من اليمين و"لاي" في المنتصف و"هو" يسار الصورة

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

تسببت زيارة "وليام لاي"، نائب رئيسة تايوان، إلى باراجواي الأسبوع الماضي وتوقفه بنيويورك وسان فرانسيسكو في إشعال تصريحات الصين المنددة بالزيارة الأولى لـ"لاي المثير للمشكلات"، في سياق كونه من التيار المتشدد في الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم، وأبزر المرشحين في سباق رئاسة تايوان. وتخللت الزيارة تأكيد "لاي" على استمرار سياسة الرئيسة الحالية تساي إنج-وين ومقاومة ضم الجزيرة للصين.

وينوي مرشح حزب الكومنتانج لرئاسة تايوان "هو يو-إيه" زيارة الولايات المتحدة لمدة 8 أيام منتصف سبتمبر المقبل؛ لتأكيد التزامه بالقيم الديمقراطية، حسبما نقلت وكالة الأنباء المركزية يوم الخميس 24 أغسطس الجاري عن حملته الانتخابية، وذلك في إطار الاستعدادات الجارية لخوض انتخابات يناير 2023 المصيرية.

ويخوض "وليام لاي" المنافسة الانتخابية لرئاسة "جمهورية الصين" الاسم الرسمي لتايوان، أمام كل من "هو يو-إيه Hou Yu-Ih" الذي حظي بترشيح حزب الكومنتانج الصيني في 23 يوليو 2023، و"كو وين-جي Ko Wen-Je" مرشح حزب شعب تايوان.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يستكشف التحليل التالي أبعاد زيارة "لاي" وتأثيراتها المحتملة على مسار السباق الانتخابي في ضوء تحليل اتجاهات الرأي العام الداخلي ومواقف الصين والولايات المتحدة من تلك التطورات.

رسائل الزيارة

جاءت زيارة "وليام لاي"، نائب رئيسة تايوان، في سياق حضوره حفل تنصيب رئيس باراجواي وتعزيز روابط تايبيه بواحدة من 13 دولة لا تزال تقيم علاقات دبلوماسية بالجزيرة، بعدما أعلنت هندوراس إقامة علاقات مع جمهورية الصين الشعبية بالتزامن مع قطع العلاقات بتايوان، في وقت تشهد فيه الجزيرة استحقاقًا انتخابيًا مصيريًا في يناير المقبل. وجاءت رسائل الزيارة للأطراف التالية:

(*) تهدئة مخاوف الناخب التايواني: مثلت الزيارة محاولة من "لاي" لتهدئة مخاوف الناخبين من تداعيات موقفه المتشدد تجاه الاستقلال الكامل عن الصين، وذلك سعيًا لحصد أصوات أكبر عدد من أصوات الناخبين داخل الحزب الديمقراطي التقدمي المعبرين عن التيار الأكثر اعتدالًا في العلاقة مع الصين والمنادين بالحفاظ على الوضع القائم عبر مضيق تايوان وتمثله الرئيسة الحالية تساي إنج-وين، وكذلك الناخبين من خارج الطيف السياسي الداعم للحزب من المتمسكين بعلاقات طيبة مع الصين.

وليام لاي خلال توقفه في نيويورك

(*) اكتساب دعم المجتمع الدولي: مثل توقف "لاي" بنيويورك قبيل التوجه لباراجواي والتوجه إلى سان فرانسيسكو في طريق العودة لتايوان، رسالة طمأنة إضافية لواشنطن من خلال كلماته أمام الجالية التايوانية بأن المرشح الأبرز ينوي الحفاظ على المبادئ الحاكمة لسياسات الرئيسة الحالية تساي إنج-وين.

كان من اللافت أن يقدم "لاي" في 4 يوليو 2023 بذكرى الاستقلال الأمريكي، أول رسالة للجانب الأمريكي والمجتمع الدولي بصحيفة "وول ستريت جورنال"، أكدت على المحتوى ذاته، على الرغم من تصريحاته السابقة بأنه "براجماتي يعمل لأجل استقلال تايوان".

متغيرات المعركة الانتخابية:

فيما يكتسب الحديث عن التوجه الصيني المحتمل لضم الجزيرة بالقوة زخمًا حول مصير تايوان، إلا أن المعادلة الانتخابية والتحولات المهمة التي تشهدها الساحة التايوانية باتت أكثر أهمية في ضوء تغير مزاج الناخب التايواني على وقع الفضائح التي ضربت الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، وأثرت على شعبية الرئيسة تساي إنج-وين، والضغوط العسكرية التي يمثلها التوغل المتكرر للمقاتلات والسفن الحربية الصينية لأجواء ومياه تايوان، وظهور فاعل سياسي جديد يسعى للعب على تناقضات سياسة الحزبين التقدمي والكومنتانج على المستويين الداخلي والخارجي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

(&) الرأي العام التايواني: جاء صعود حزب شعب تايوان ليحجز مكانة متوسطة في السياسة التايوانية بين الحزب الحاكم بتركيزه على تحسين جودة الخدمات وتعزيز قاعدة التأييد الشعبي، وبين حزب الكومنتانج الذي يعير الاهتمام الأكبر للتوازنات الدولية بين الصين والولايات المتحدة مع الانفتاح الحذر على السياسة الصينية في إطار الحفاظ على الوضع القائم. وأظهر استطلاع لمؤسسة الرأي العام في تايوان "TPOF"، في يونيو 2023 حول نسب التأييد لمرشحي أحزاب "الديمقراطي التقدمي" والكومنتانج" وشعب تايوان، استمرار تفوق نائب الرئيسة "وليام لاي" بنسبة تأييد بلغت 36.5%، مقابل "كو وين جي" مرشح حزب شعب تايوان وحاكم تايبيه السابق بنسبة 29.1%، بينما حل مرشح حزب الكومنتانج وحاكم مدينة تايبيه الجديدة "هو يو-إيه" أخيرًا بنسبة 20.4%، متراجعًا بنسبة 7.2% عن الشهر السابق على صدور الاستطلاع الذي نقلته صحيفة "تايبيه تايمز" المحلية.

ومع التقارب الشديد بين المرشحين، لا يزال مرشح الحزب الحاكم متفوقًا على نظرائه على الأرض بين القواعد الشعبية المؤيدة للأحزاب الثلاثة، حيث يشير الاستطلاع إلى استحواذ "لاي" على ما نسبته 84% من الكتلة الانتخابية لمؤيدي للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، فيما حاز على 8.5% من كتلة حزب الكومنتانج، ونحو 6.8% من حزب شعب تايوان. ويأتي تاليًا "كو" بنسبة تأييد بلغت 77% من كتلة حزب الشعب، و20% من كتلة الكومنتانج، و8.1% من الحزب الديمقراطي.

ومن اللافت في الاستطلاع أن نسبة تأييد "وليام لاي" ارتفعت عن شهر مايو بنحو0,7% فقط، ويرتفع تأييده بين الفئة العمرية التي تبدأ من سن 55 عامًا، مقابل مرشح الشعب الذي تزايدت حظوظه بنسبة 4% عن شهر مايو يتفوق بين فئة الشباب من 20 إلى 35 عامًا. ويتعادل المرشحان تقريبًا في الفئتين العمريتين (35 : 44) و(45 : 54).

ويعكس ذلك أن تنافسًا محمومًا بين مرشح حزب الشعب وسط قاعدة انتخابية شابة ومرشح الحزب الحاكم الذي يكافح لنيل أصوات الناخبين من خارج طيفه السياسي وتياره المتشدد إزاء الاستقلال التام عن الصين، ويشي كذلك بأن الرأي العام التايواني يرغب في تحقيق الهدوء وعدم اتخاذ سياسات تصادمية مع بكين، بينما تمثل السياسة المتوازنة التي تراعي الوضع القائم عبر مضيق تايوان.

الرئيس الصيني ورئيس تايوان الأسبق ما يينج جيو-أرشيفية

(&) سياسة الوضع القائم عبر المضيق: اتصالًا بالموقف عبر مضيق تايوان، يبدو أن العلاقات مع الصين لا تزال تحتل جانبًا مهمًا في السياسة التايوانية الداخلية، وهو ما ينعكس في حجم الاستقطاب بالشارع التايواني بين (التقارب أو التباعد أو التوازن في إدارة العلاقات مع بكين) ووجود حالة من التقارب بين نسب التأييد للأحزاب الثلاثة بعدما هيمن نظام الحزبين على السياسة التايوانية لمدة تزيد على العقدين.

وفي ضوء تلك المتغيرات من الممكن أن يؤثر وجود تنافس ثلاثي على كتلة المعارضة ويعزز من فرص "وليام لاي" مع تفضيله اتخاذ مواقف خارجية معتدلة، إذ يمثل صعود "كو" خصمًا من منافسه "هو يوم-إيه" في السباق الانتخابي، على الرغم من التقدم الساحق الذي حظي به حزب الكومنتانج في الانتخابات المحلية التي أجريت في نوفمبر الماضي باستحواذه على 13 بلدية ومقاطعة منها العاصمة تايبيه، مقابل 5 مقاطعات للحزب الحاكم ومقاطعة واحدة لحزب شعب تايوان ومقاطعتين لمرشحين مستقلين.

ويشي ذلك بأن التقارب بين الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومنتانج القومي على ضوء زيارة زعيم الحزب "ما يينج جيو" إلى الصين بنهاية مارس 2023 في جولة استغرقت 12 يومًا أكدت على الجذور القومية والثقافية المشتركة بين بكين وتايبيه، وأضعفت موقف الحزب لدى الرأي العام بالجزيرة، إذ لم تسهم الزيارة في تحقيق هدفها باستعادة الهدوء على جانبي المضيق مع توغل القطع العسكرية الصيني خط المنتصف الفاصل الوهمي بين الجزيرة والبر الرئيسي الصيني.

وإجمالًا؛ تشير زيارة "وليام لاي" إلى حساسية الموقف السياسي في تايوان قبيل انتخابات رئاسية مصيرية من الممكن أن تحدد مستقبل الجزيرة وتشير إلى سيولة المشهد السياسي وانكشافه على العلاقات مع الصين في ظل تسرب عدم اليقين للشارع التايواني حول سياسة بكين تجاه الجزيرة. وفيما يسعى "لاي" لإعادة صياغة سياسته باتجاه بناء الثقة مع الإدارة الأمريكية وتهدئة المخاوف وردود الفعل الصينية من نزوعه للاستقلال التام مستفيدًا من سياسة حافة الهاوية لتعظيم رصيده الشعبي كمدافع عن حقوق تايوان ودعم قيمها الديمقراطية، يبحث مرشح الكومنتانج "هو يو-إيه" عن حظوظه في واشنطن بعدما أخفقت سياسة الحزب تجاه بكين في تهدئة التوتر عبر مضيق تايوان.