عرضت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، الأحد 23 يوليو 2023، رؤية بلادها حول تبني نهج شامل للشراكة بين أوروبا ودول جنوب البحر المتوسط لمكافحة الهجرة غير الشرعية، خلال قمة الهجرة والتنمية التي استضافتها وزارة الخارجية الإيطالية بمشاركة 16 رئيس دولة وحكومة، إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وبحضور بعض المنظمات الدولية.
ولم يشهد اجتماع القمة الذي استضافته إيطاليا، حضور فرنسا وإسبانيا، وشهدت القمة خطابًا إيطاليًا شاملًا لمعالجة ملف الهجرة يراعي مصالح دول العبور بعد رفض دول شمال إفريقيا وعلى رأسهم تونس التحول إلى منطقة مستوطنات للمهاجرين غير الشرعيين، خاصة أنها جاءت بعد أيام من اتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي حول تقديم الدعم والمساعدة لتونس.
خطة ميلوني
على الرغم من اقتراحها السابق بفرض حصار بحري على ليبيا لمنع عبور الهجرة غير الشرعية، اعتمدت جورجيا ميلوني خلال 9 أشهر منذ توليها رئاسة الوزراء نهجًا مغايرًا في التفاعل مع محيطها الجنوبي بداية من زيارة الجزائر وليبيا في يناير الماضي استهدفت بصورة أساسية ملفي الطاقة ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
ويمكن الإشارة لخطة ميلوني لقيادة الجهود الأوروبية في مجال الهجرة باعتبارها الوجهة الأوروبية الأقرب لسواحل شمال إفريقيا، من خلال "مسار روما" التي أعلنتها ميلوني خلال القمة، على النحو التالي:
(*) تصفية شبكات الهجرة غير النظامية: يعد أبرز الملفات المطروحة على طاولة مكافحة الهجرة غير النظامية، من خلال تعميق الشراكة الأمنية والمعلوماتية بين أجهزة الدول المشاطئة، بهدف مواجهة الهجرة غير النظامية والقضاء على شبكات التهريب والإتجار بالبشر التي تعد المستفيد الوحيد في ذلك المسار.
(*) تنظيم الهجرة النظامية: تناولت القمة تأكيد الحاجة الأوروبية للهجرة النظامية خاصة إيطاليا التي ضاعفت عدد المهاجرين 3 مرات حسب تصريحات ميلوني. ومن بين الضوابط التي حرصت روما على تصديرها تقاسم الأعباء مع دول الجوار التي تواجه أعباء الهجرة واللجوء الإنساني، كما شملت توفير ممرات إنسانية باتجاه الوجهات النهائية الآمنة، وعدم تحويل دول العبور لمناطق استقرار المهاجرين، لتجنب توسيع حالة عدم الاستقرار جراء الضغوط المتزايدة لأعباء الهجرة واللجوء.
وأشار رئيس الوزراء المصري د. مصطفى مدبولي لأعباء استضافة بلاده نحو 9 ملايين مهاجر بما يعادل 8% من إجمالي تعداد السكان، نظرًا لكون مصر "مصدر، ومعبر، ومقصد" للهجرة، كما استضافت القاهرة 40% من إجمالي الأشقاء السودانيين الفارين من الأزمة التي اندلعت منتصف أبريل 2023.
(*) تعميق الشراكة التنموية عبر المتوسط: أشارت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني خلال المؤتمر عزم حكومتها إطلاق برامج تنموية في القارة الإفريقية، خاصة دول حوض البحر المتوسط، في مجالات (الزراعة، الطاقة، البنية التحتية، التعليم، الصحة، والمياه والصرف الصحي).
وفي إطار تحولها لقيادة الجهود الأوروبية في مكافحة الهجرة عبر المتوسط، وسّعت روما رؤية المواجهة عبر تأسيس تحالف من الدول صاحبة المصلحة شمال وجنوب المتوسط وإفريقيا إلى جانب دول الخليج العربي في إطار عملية روما، ومن المقرر أن تنظم الحكومة الإيطالية مؤتمرًا للمانحين لدعم تلك الجهود، استنادًا للأبعاد المتعددة لظاهرة الهجرة، خاصة لما بات يعرف بـ"لجوء الموارد" و"الهجرة البيئية" التي تتماس مع جهود مكافحة تغير المناخ وتعزيز التحول الأخضر، وفي ذات الصدد أعلنت دولة الإمارات تقديم 100 مليون يورو لدعم الدول المتأثرة خطة ميلوني، في ظل جهود أبوظبي الحثيثة لإعطاء زخم لقمة المناخ نوفمبر المقبلة كوب 28 بدبي.
تحديات خطة الهجرة
تعد تدفقات الهجرة غير الشرعية أحد أبرز التحديات التي تواجه التكتل الأوروبي، إذ أعلنت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس" تسجيل ودخول 132370مهاجرًا في النصف الأول من العام الجاري، وهو الأعلى منذ عام 2016، مسجلًا زيادة بنسبة 10% عن ذات الفترة من العام الماضي. وجاءت منطقة وسط البحر المتوسط على رأس التدفقات مسجلة 65571 مهاجرًا، بنسبة 49% من إجمالي المهاجرين.
(&) تحدي التنمية: لا تزال الخطة على الرغم من تحديد مجالات الشراكة مع دول شمال وغرب إفريقيا في 6 قطاعات، إلا أنها لم تحدد بصورة واضحة إمكانات التمويل المستهدفة وحجم التمويل المخصص لدول القارة الإفريقية سواء الدول الأصلية للمهاجرين أو دول العبور، وحصرها على نماذج اتفاقات شراكة ثنائية بين الجانب الأوروبي ودولة الجوار الإفريقي مثل اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس.
كما أن دول الجنوب لن تقبل المقايضة بين الدعم التنموي والاقتصادي لمواجهة ما تعانيه بعضها من تحديات اقتصادية من جهة وتحويلها إلى مستوطنات في ظل ضغوط الصراعات في بعض المناطق بغرب وشرق القارة الإفريقية.
إن تلازم بعدي التنمية والهجرة في الخطة في إطار مسار يستمر لعدة سنوات، لم تعكس بصورة واضحة مطالبات دول إفريقيا في التنمية الشاملة والمستدامة وعلى رأسها تأهيل البنية التحتية القارية لتعزيز التبادل التجاري والتكامل الإقليمي بين دول القارة ومن ثم خلق حالة استقرار إقليمي تعزز مرونة دول القارة في مكافحة التحديات الأمنية والاقتصادية والبيئية.
(&) حصص المهاجرين: مثل تقاسم أعباء الهجرة واللجوء تحديًا أساسيًا أمام دول الاتحاد الأوروبي لتنظيم عملية الهجرة، في ظل رفض دول مثل بولندا والمجر في 30 يونيو 2023، وضع نسبة محددة من المهاجرين لكل دولة في التكتل وإلزامها بدفع 20 ألف يورو سنويًا على كل لاجئ أو مهاجر رفضت استقباله من حصتها المقررة.
ويمثل الاتفاق مع دول الجوار الجنوبي ودول شرق أوسطية وإفريقية هروبًا من المسئولية الأساسية في توزيع الأعباء أوروبيًا، ومعالجة التحديات الجذرية التي تواجه دول المهاجرين، فضلًا عن تباين المواقف السياسية بين دول الاتحاد التي تنطلق من هدف وقف الهجرة على أسس قومية ودينية في ظل تصاعد تيارات أقصى اليمين، إذ يرتبط الحل بتوسيع قنوات الهجرة الشرعية وتيسيرها كجزء أساسي من حل قضية الهجرة واللجوء، ولعل من اللافت عدم حضور دول مثل فرنسا وإسبانيا للقمة في ظل التوترات التي سادت العلاقات بين روما وباريس في أعقاب انتقاد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان لسياسة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني في التعامل مع الهجرة في ظل تزايد تدفق المهاجرين على حدود بلاده الجنوبية، وهو الانتقاد القائم على أسس أيديولوجية في ظل تزعم ميلوني تيار أقصى اليمين الأوروبي ممثلًا في حزب المحافظين الإصلاحييين الأوروبي، وأحزابه على المستوى الوطني مثل التجمع الوطني في فرنسا، وحزب فوكس في إسبانيا.
وإجمالًا؛ على الرغم من مساعي روما لمعالجة أزمة الهجرة غير النظامية، إلا أن الحلول المطروحة مع أهميتها تظل جزئية تستهدف بالأساس المعالجة الأمنية لظاهرة الهجرة غير النظامية ومواجهة الشبكات القائمة على تلك التجارة، لكنها لم تقدم رؤية شاملة للشراكة بين دول حوض المتوسط ودول إفريقيا والخليج العربي على أساس الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تضمن خفض التدفقات من مصدرها في ظل تفاقم بعض الصراعات من إفريقيا إلى أوكرانيا، فضلًا عن التباينات في المواقف الأوروبية بين تقييد أو تنظيم الهجرة، ومن ثم سيخلق تباين الالتزامات درجة من التضارب في تنفيذها وإعادة النظر في حجم الهجرة النظامية.