الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الردع المتبادل.. لماذا تتصارع القوى الكبرى على بحر الصين الجنوبي؟

  • مشاركة :
post-title
صراع القوى الكبرى على بحر الصين الجنوبي

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

تصدر السجال الأمريكي الصيني بشأن اعتراض طراد الصواريخ الأمريكي حول جزر باراسيل، يومي 23 و24 مارس 2023، الاهتمام العالمي، وسط تكثيف الأنشطة الدبلوماسية والعسكرية بين القوتين المتصارعتين، وآخرها إصدار قيادة الأسطول الأمريكي السابع بيانًا حول أنشطة طراد الصواريخ الموجهة في بحر الصين الجنوبي، الذي يشهد نزاعًا إقليميًا حول السيادة بين الدول المشاطئة على مجموعة جزر غير مأهولة، كما أنه يعد ممرًا حيويًا للتجارة الدولية.

وارتفع منسوب التوتر في بحر الصين الجنوبي على خلفية تزايد انخراط الولايات المتحدة المتزايد في المنطقة، والرغبة الصينية في الحفاظ على مكتسباتها ضمن مجموعة الجزر التي تدعي السيادة عليها، في وقت انسحبت فيه المواجهة الأمريكية الصينية على الأنشطة العسكرية لدول المنطقة.

توتر متزايد:

يمكن فهم تطورات الصراع في بحر الصين الجنوبي على النحو التالي:

(*) دوريات متعارضة: خلقت النزاعات في بحر الصين الجنوبي حول السيادة على بعض الجزر غير المأهولة (جزر باراسيل القريبة من تايوان وجزر سبراتلي القريبة من الفلبين) واتجاه بعض دول المنطقة لتوسيع حدودها البحرية بصورة منفردة وانطلاقًا من نقاط أساس والنتيجة خطوط تقسيم لا تحظى بالإجماع ودون اللجوء لقواعد القانون الدولي، ما أدى إلى اشتعال التوترات بين دول المنطقة. وفي هذا السياق أعلنت بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني في 23 مارس 2023 أنها أبعدت طراد الصواريخ الموجهة الأمريكي ميليوس الذي دخل قبالة سواحل جزر باراسيل التي تتنازع كل من الصين وفيتنام وتايوان السيادة عليها، باعتباره دخولًا غير قانوني لمياه إقليمية صينية.

وردت قيادة الأسطول الأمريكي السابع في 24 مارس الجاري بأن طراد الصواريخ الأمريكي أجرى للمرة الثانية خلال 24 ساعة، عملية حرية الملاحة في المنطقة المذكورة، مستخدمة "حق المرور البريء" في مياه دولية، والتي تشير إلى حرية المرور السريع والمتواصل دون القيام بأي أنشطة تدريبية أو قتالية. وبرر البيان خطوته بتحدي القيود المفروضة على الملاحة في المياه الدولية من قبل كل من الصين وفيتنام وتايوان.

وتعكس الأنشطة العسكرية المتبادلة ارتفاعًا للتوتر بين الدول المشاطئة، فعلى الرغم من لقاء الرئيسين الصيني والفلبيني في يناير الماضي واتفاقهما على تهدئة التوترات وإطلاق خط مباشر بين وزيري الخارجية، إلا أن مانيلا عززت تعاونها العسكري مع واشنطن باتفاق على تسيير دوريات مشتركة في بحر الصين الجنوبي

وكشف خفر السواحل الفلبيني أن مركبًا صينيًا، أجرى في 6 فبراير الماضي، "مناورة خطيرة" على مسافة 140 مترًا من سفينة فلبينية على بُعد نحو 20 كم من منطقة سكيند توماس شول التي تسيطر عليها الفلبين من جزر سبراتلي، واستهدفها بشعاع ليزر يستخدم لأغراض عسكرية، ما تسبب في فقدان طاقم السفينة للرؤية بشكل مؤقت، وهو ما اعتبرته مانيلا استمرارًا للأعمال العدائية تجاهها.

وذكرت رويترز في 28 فبراير الماضي أن الفلبين تجري محادثات مع اليابان وأستراليا لتسيير دوريات مشتركة في بحر الصين الجنوبي، في ضوء ما يمثله البحر من ممر حيوي لنحو 80% من النفط الخام لكل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان عبر مضيق ملقا الاستراتيجي.

بحر الصين الجنوبي

(*) تدريبات عسكرية: تتزايد الأنشطة العسكرية في بحر الصين الجنوبي بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وجمهورية الصين الشعبية من جهة أخرى، حيث يجري 200 جندي من القيادة الجنوبية لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني تدريبات "التنين الذهبي" مع البحرية الكمبودية، التي انطلقت في 20 مارس الجاري وتستمر لمدة 20 يومًا في قاعدة بحرية بمقاطعة جوانجدونج.

وتستبق التدريبات، مناورات بالذخيرة الحية هي الأضخم بين قوات الأسطول الأمريكي السابع والقوات البحرية في الفلبين بمشاركة 17600 جندي، منهم 12 ألفًا من القوات الأمريكية، في أعقاب مضاعفة التعاون العسكري بين مانيلا وواشنطن.

(*) توسع القواعد العسكرية: اتفقت الولايات المتحدة والفلبين في 1 فبراير الماضي على السماح بنشر قوات أمريكية في أربعة قواعد عسكرية في شمال البلاد، علاوة على 5 قواعد سابقة ينتشر فيها نحو 500 جندي أمريكي، ليرتفع عدد الارتكازات الأمريكية ذات الطبيعة المؤقتة في الفلبين إلى 9 قواعد عسكرية. ويثير توسع القواعد العسكرية الأمريكية في الفلبين مخاوف العديد من السياسيين وأصوات شعبية عدة نددت بعودة قوات الاحتلال السابقة وأخرى تخوفت من انخراط بلادها في الصراع حول جزيرة تايوان.

ارتكازات صينية مزدوجة الاستخدام في جزر سبراتلي-تقرير القوة العسكرية للصين

وذكر تقرير البنتاجون عن القوة العسكرية للصين الصادر في نوفمبر 2022، أن جيش التحرير الشعبي الصيني نصب أنظمة دفاع جوي متكاملة ورادارات في جزر صناعية ببحر الصين الجنوبي، وبحسب التقرير دشنت بكين في جزر سبراتلي مواقع ثنائية الاستخدام (مدنية عسكرية)، من بينها مطارات تقول الصين إنها منشآت مدنية، بينما يؤكد البنتاجون إنها تدعم أي عمليات عسكرية مستقبلية أو دعم دفاعات الصين على الجزر، حيث تنشر منذ 2018 أنظمة صاروخية متطورة مضادة للسفن والطائرات.

ويظهر في الخريطة المرفقة من التقرير خط النقاط التسعة (باللون الأحمر) الذي تعتمده الصين خطًا لحدودها البحرية، متداخلًا مع الحدود البحرية المتقاطعة لدول الجوار.

استراتيجيات القوى المتنافسة:

يشير نمط العسكرة المتزايدة للتفاعلات في بحر الصين الجنوبي إلى صراع محموم على النفوذ يحفزه نزاعات إقليمية على السيادة بين الدول المشاطئة والتي تتباين أوزانها النسبية وكتلتها الحرجة أمام الصين، ويمكن استعراض استراتيجيات الولايات المتحدة والصين حول بحر الصين الجنوبي على النحو التالي:

(*) الردع الأمريكي المتكامل: أتت الاستراتيجية الأمريكية بمفهوم الردع المتكامل ضمن سياق واسع من الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والتقنية والعسكرية في محاولة لمنع فرض نفوذ الصين العسكري بمنطقة بحر الصين الجنوبي من خلال تحريك العدائيات والنزاع حول السيادة الإقليمية في المنطقة الحيوية التي تفصل بين المحيطين الهندي والهادئ والتي تعد معبرًا حيويًا للتجارة الدولية بقيمة 5 تريليونات دولار سنويًا، وتسيير دوريات بحرية بصورة شبه يومية.

تنخرط الولايات المتحدة عسكريًا بغرض تأمين جبهة إقليمية واسعة مناهضة للنفوذ العسكري الصيني، تحول دون سيطرتها على تايوان في المقام الأول كما تعمل على مزاحمتها في بحر الصين الجنوبي من خلال تنفيذ دوريات يومية تقوض خط النقاط التسعة باعتباره حدًا فاصلًا لحدود الصين البحرية، وهو ما توفره خريطة الانتشار العسكري الأمريكي في شمال وجنوب الفلبين. وتتوقف فاعلية الدور الأمريكي (بعيد المدى) على إمكانية بناء تحالف أمني يضم قوى إقليمية تؤمن باستراتيجيتها بشأن المحيطين.

(*) الاحتواء المضاد: تتبع الصين استراتيجية مزدوجة لمواجهة الضغوط الأمريكية المدعومة من قوى إقليمية تتخوف من نهج بكين وتنامي نفوذها العسكري. وفي هذا الإطار تنتهج بكين آلية لاحتواء المخاوف الإقليمية وتحييد الثقل العسكري الأمريكي عن موازين القوى العسكري في بيئة استراتيجية ملبدة بالنزاعات الجامدة.

ففي حين تتمسك الصين باستعراض قوتها العسكرية بصورة منفردة أو بالتعاون مع شركائها الإقليميين، تبرز في المقابل التواصل والعمل الدبلوماسي المؤسسي لحل الخلافات مع دول الجوار على غرار الفلبين أو تقويض أحلام الاستقلال لدى سلطات جزيرة تايوان التي تعتبرها جزءًا من أراضيها وفق مبدأ الصين الواحدة الذي يقره غالبية أعضاء المجتمع الدولي، حيث وبالتزامن مع التدريبات العسكرية، عقد نائب وزير الخارجية الصيني سون ويدونج ووكيلة وزارة الخارجية الفلبينية ماريا تريزا لازارو، الاجتماع السابع لآلية التشاور الثنائية في 24 مارس الجاري في أول اجتماع منذ تفشي جائحة كورونا. وتعزز بكين من مطالبتها باستكمال قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي مع مانيلا خاصة ودول جنوب شرق آسيا عامة لوضع حد للتوترات ومنع تصعيد الأنشطة العسكرية، بما يحقق الهدف الأهم للصين وهو تقليص الوجود العسكري الأمريكي.

وإجمالًا؛ تدلل التوترات بين واشنطن وحلفائها من جهة والصين من جهة أخرى إلى الأهمية المحورية للبحار في التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، نظرًا لحجم الثروات المتنازع عليها وكونه ممرًا رئيسيًا لموارد الطاقة وحركة التجارة البحرية العالمية، ويظهر البحر كأحد مفاصل الاستراتيجيتين الأمريكية والصينية في منطقة المحيطين لرسم معالم النظام الدولي. وخلافًا لتايوان، يوفر التنافس الأمريكي الصيني الحالي فرصة للأطراف المشاطئة، لانتزاع امتيازات من كلا الجانبين في إطار حدود انخراط كل منهما وقدرتهما على تأمين مصالح تلك الدول مما يعزز التعاون المرحلي بين بعض الدول مع واشنطن لحين الوصول لتسوية ملائمة مع بكين، نتيجة لعدم رغبتهم في تحمل أعباء الوقوف أمام الصين دعمًا لتايوان.