الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما دلالات انعقاد القمة "الروسية الصينية" في موسكو؟

  • مشاركة :
post-title
قمة روسية صينية في موسكو

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

عكست زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينج، إلى روسيا، والتي استمرت ثلاثة أيام في الفترة من 20 إلى 22 مارس 2023، دلالات عديدة، سواءً في التوقيت أو الظرف العالمي الذي أُجريت فيه. وتشهد العلاقة بين الجانبين تطورًا ملحوظًا، يسير نحو تجاوز التاريخ؛ لتعميق تفاهمات استراتيجية راسخة لمواجهة النفوذ الأمريكي في العالم. وكان قد أعلن الجانبان عن "شراكة بلا حدود" بين البلدين قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وقد شهدت العلاقة بين الطرفين تطورًا نوعيًا على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022.

تأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة أبعاد انعقاد القمة الروسية الصينية في موسكو، وأهدافها.

أبعاد كاشفة:

نشير فيما يلي إلى أبعاد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصيني شي إلى موسكو:

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينج

(*)إصدار مذكرة توقيف من الجنائية الدولية بحق "بوتين": جاءت زيارة "شي" إلى موسكو بعد أيام فقط من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتها بتوقيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وهو الأمر الذي يُوحي بقوة العلاقات الثنائية بين البلدين بشكلٍ عام والرئيسين "شي وبوتين" على وجه الخصوص. ورغم تبني بكين تاريخيًا سياسة رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، سواءً بالأدوات الدبلوماسية أو العسكرية، إلا أنها في حالة أوكرانيا يتهمها الغرب بالانحياز للموقف الروسي؛ بسبب رفضها إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بشكلٍ صريح، وهو ما ظهر في تبنيها خيار الامتناع عن التصويت داخل اجتماعات مجلس الأمن والأمم المتحدة.

(*) المبادرة الصينية لحل الأزمة الأوكرانية: اتهم الغرب المبادرة الصينية لحل الصراع بين روسيا وأوكرانيا بالانحياز لبكين، وهو الأمر الذي ترفضه الصين. وقد أبرزت السياسة الخارجية الصينية فاعلية كبيرة؛ إذ نجحت وساطتها الأخيرة في استعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ عام 2016 بين الرياض وطهران. واشتملت المبادرة الصينية على 12 بندًا تركز بشكلٍ رئيس على مسألة إعادة بناء الثقة بين روسيا والغرب، بتجاوز ما أسمته "عقلية الحرب الباردة"، واحترام مبدأ السيادة كأساس للعلاقات بين الدول، واستئناف عملية السلام والحوار المباشر بين كييف وموسكو، وحل الأزمة الإنسانية وضمان أمن المنشآت النووية، ووقف العقوبات أحادية الجانب، ودعم مرحلة إعادة الإعمار.

(*) رغبة صينية في تسوية النزاع الأوكراني: يبرز من التحركات الصينية الأخيرة في الأزمة الروسية الأوكرانية، رغبة صينية حقيقية في إخراج موسكو من مستنقع الحرب في أوكرانيا؛ إذ ترى الصين أن استمرار الحرب يمثل استنزافًا للقوة العسكرية الروسية، وبالتالي تتخوف من انهيارها، والبقاء منفردة في مواجهة النفوذ الغربي. وقد أعلن "بوتين" استعداده لمناقشة خطة السلام التي اقترحتها الصين لحل النزاع في أوكرانيا، وذلك خلال استضافته للرئيس "شي" في الكرملين. ورغم استقبال الزعماء الأوروبيين والأمريكيين للمبادرة بنشر سيل من الشكوك حول الهدف من ورائها، إلا أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد تجاوب بشكلٍ حذر معها، وصرَّح بأنه سيبحث المبادرة مع الرئيس "شي"، وذلك في إطار احترام الصين لوحدة الأراضي الأوكرانية، وضرورة مغادرة روسيا للأراضي الأوكرانية. وتنتظر أوكرانيا مكالمة بين الرئيسين "شي"، و"زيلينسكي"؛ لبحث المبادرة خاصة بعد زيارة "شي" الأخيرة لموسكو، ولكن يبدو أنه لا تزال هناك صعوبات تواجه المبادرة وفق ما أعلن عنه ميخائيل بودولاك، مستشار الرئاسة الأوكرانية.

(*) عمق الصداقة المشتركة بين الرئيسين "شي وبوتين": تجمع بين الزعيمين الصيني والروسي علاقات ودية؛ إذ تقابل الزعيمان أكثر من 40 مرة منذ تولي الرئيسي الصيني زمام السُلطة في عام 2012، ومنها 30 مرة في آخر ست سنوات. وقد كانت الزيارة الخارجية الأولى للرئيس "شي" بعد توليه زعامة الحزب الشيوعي الصيني إلى موسكو عام 2013. تاريخيًا، كانت العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وبكين زاخرة بحالة فقد الثقة المتبادلة، وهو الأمر الذي استطاع الزعيمان تغييره تمامًا؛ إذ استفاد البلدان من العلاقة الشخصية التي تجمع الزعيمين.

تنافس النفوذ:

رغم حالة التماهي الاستراتيجي في المواقف الروسية الصينية، على ما يُمكن أن يجمعهما من تعاون، إلا أن هذا لا ينفي وجود تنافس نفوذ بينهما برزت ملامحه في التسعينيًات وأوائل الألفينيَّات، ولكن تلاشت ملامحه في بروز الاحتياج المتبادل؛ إذ تحتاج الصين للنفط الروسي بأسعار تنافسية، فيما ترغب موسكو في كسر الحاجز الذي يحاول الغرب فرضه على الرئيس بوتين. ويبرز من ذلك الحاجة المتبادلة بين الطرفين، وهو ما أدى إلى تجاوز أي خلاف قد يُعكر صفو هذه العلاقة.

وتُمثل منطقة آسيا الوسطى تنافسًا للنفوذ بين البلدين؛ إذ تعمل الصين على بناء المزيد من خطوط السكك الحديدية، والطرق السريعة، وخطوط أنابيب الطاقة في الجمهوريات السوفيتية السابقة، مثل كازاخستان وأوزبكستان، في إطار خطتها لإحياء طريق الحرير القديم، فيما لا تزال روسيا الاتحادية تعتبر نفسها وريثًا للاتحاد السوفيتي في هذه الجمهوريَّات، وهو ما يبرز في استمرار اعتماد بعض هذه الجمهوريات على روسيا كشريك أمني موثوق به. ورغم أهمية هذا الملف في العلاقات بين البلدين إلا أنه لن يُشكل جوهر العلاقات بين البلدين على الأقل في المدى القصير، اعتمادًا على علاقات الصداقة بين الرئيسين "بوتين وشي"، والانشغال بتمدد النفوذ الأمريكي والغربي في جوارهما الاستراتيجي.

تبادل المصالح:

(*) موازنة الهيمنة الغربية: يجمع بكين وموسكو هدف مشترك يتمثل في التنسيق بهدف تجاوز قوة وتأثير الولايات المتحدة، وقد اعتبر الرئيس الصيني في مقالٍ نُشر له بإحدى الصحف الروسية قبل الزيارة أن روسيا والصين بحاجة إلى التعاون للتغلب على تحديات الهيمنة الغربية. ويأتي هذا الفكر لدى الصين كرد على سياسة احتواء الصين التي تتبعها واشنطن. وفي هذا السياق، يحث الرئيس "شي" القائمين على الصناعات الصينية بتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الغربية.

جدير بالذكر أن بكين وموسكو لا تفضلان مواجهة واشنطن بشكلٍ منفرد؛ فكلتاهما تُفضل الوقوف معًا للتعامل مع الضغوطات الخارجية التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضدهما. وقال الرئيس بوتين في مقاله المنشور بصحيفة الشعب الصينية، والمنشور في 19 مارس: "إن روسيا والصين تعملان باستمرار على إنشاء نظام أمني إقليمي وعالمي مُنصف، ومنفتح، وشامل، وغير موجه ضد دول أخرى".

محادثات صينية روسية بين وفدين عسكريين- أرشيفية

(*) التعاون العسكري: تعمل الصين على شراء المزيد من الأسلحة المتقدمة من روسيا؛ بهدف تحديث جيشها، وارتبط بذلك زيادة التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين. وقد وصل التعاون العسكري بين الجانبين الصيني والروسي إلى أعلى مستوياته، قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم تراجع الصين عدة خطوات في هذا الملف، وتوقفها عن دعم موسكو بتقنيَّات تستخدمها في صناعة الطائرات خوفًا من أن تطالها العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، إلا أن هذا الملف كان مطروحًا في محادثات الرئيسين "بوتين وشي" في الزيارة الأخيرة؛ إذ حضر المحادثات كل من سيرجي شويجو، وزير الدفاع، ودميتري تشاجاييف، مدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون التقني العسكري، وهو ما يعني أهمية البعد العسكري في هذه الزيارة، لا سيَّما مع طرح بكين لمبادرة لحل الأزمة الروسية الأوكرانية. ويبرز التعاون العسكري والأمني بين الجانبين في سياق تبادل الخبرات، والتدريبات والمشاورات العسكرية المشتركة داخل منظمة شانجهاي للتعاون.

(*) رغبة صينية في تأمين حدودها البرية، والتفرغ لأمن محيطها البحري: يبلغ طول الحدود البرية بين الصين وروسيا 4300 كيلومتر، وعملت بكين على حل المشكلة الحدودية بينها وبين موسكو منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1992؛ إذ ستعيق مسألة الانشغال بتأمين الحدود البرية مع روسيا تفرغ الصين وتركيزها على محيطها البحري في منطقة الإندوباسيفيك التي تسعى واشنطن لبسط نفوذها عليها عبر بناء شراكات استراتيجية في المنطقة، بهدف احتواء الصين فضلًا عمَّا يُمكن أن يمثله ذلك من استنزاف لمواردها.

(*) رغبة روسية لتجاوز العقوبات: عملت روسيا منذ فرض العقوبات الاقتصادية عليها بعد ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014 على التهرب من هذه العقوبات، عبر التعاون مع الصين الذي زادت وتيرته بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير عام 2022. وأشار الرئيس بوتين في مقاله المنشور في صحيفة الشعب الصينية في 19 مارس 2023 إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد وصل عام 2022 إلى 185 مليار دولار أمريكي، متطلعًا إلى كسره حاجز المائتي مليار دولا بحلول عام 2024. بالإضافة إلى ذلك، تضاعف التبادل التجاري بالعملات المحلية بين البلدين منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وهو ما يؤسس لإعلان "شراكة بلا حدود" الذي اتفق الطرفان عليه قُبيل الأزمة الروسية الأوكرانية.

محطة لضغط الغاز تابعة لمشروع "قوة سيبيريا"

(*) حاجة صينية لمصادر الطاقة الروسية: ازداد اعتماد الصين على مصادر الطاقة الروسية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ استفادت بكين من اضطرابات شبكة إمدادات الطاقة العالمية، وزادت من واردات النفط والغاز الروسيين بأسعارٍ مخفضة لا سيَّما بعد فتح اقتصادها، وتخليها عن سياسة "صفر كوفيد". وتستورد الصين الغاز الطبيعي الروسي عبر خط أنابيب "قوة سيبيريا"، الذي بدأت الإمدادات عبره إلى الصين في 2 ديسمبر 2019، ومن المُقرر إطلاق مشروع "قوة سيبيريا 2" لتوريد الوقود الأزرق عبر منغوليا، ومن المتوقع أن يرفع هذا الخط صادرات الغاز الطبيعي إلى الصين بواقع 50 مليار متر مكعب إضافية سنويًا.

إجمالًا؛ تعكس زيارة الرئيس "شي" إلى موسكو دعمًا ضمنيًا للرئيس "بوتين"، خاصة أنها تأتي بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية لمذكرة توقيف بحقه. وكانت زيارة الرئيس "شي" إلى موسكو أول زيارة خارجية يجريها منذ انتخابه للمرة الثالثة لرئاسة الصين. وعلى الرغم من تاريخ التنافس بين البلدين سابقًا، وتنافسهما على النفوذ في منطقة آسيا الوسطى، إلا أن التنسيق والتفاهمات بين زعيمي البلدين، يُؤشر إلى تجاوز أي خلاف أو تنافس بين الجانبين لمصلحة تعميق الشراكة غير المحدودة في علاقاتهما على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكذلك تنسيق المواقف الدبلوماسية.