الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محاصرة الصين.. دلالات انعقاد القمة الثلاثية لتحالف أوكوس

  • مشاركة :
post-title
الصين وتحالف أوكوس

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء انعقاد القمة الثلاثية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيسي وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز، وبريطانيا ريشي سوناك فى 13 مارس 2023 بقاعدة سان دييجو البحرية في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، للكشف عن تفاصيل خطة تزويد أستراليا بغواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية فى إطار تحالفهم الأمني "أوكوس"، الذي تم تدشينه في سبتمبر 2021، وهي الصفقة التي انتقدتها باريس واعتبرتها طعنة فى الظهر من الحلفاء. وقد أعلن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي بأن مشروع الغواصات يجسد تعهد واشنطن على المدى الطويل لحماية السلم والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فى المقابل عارضت الصين تلك الصفقة، وأبدى وين بن، المتحدث الرسمي باسم الخارجية الصينية، معارضة بلاده الحازمة لصفقة بيع الغواصات لأستراليا، معتبرًا أنها لا تصب في صالح المجتمع الدولي، وأن الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا يمضون فى طريق خطير.

دلالات التوقيت:

عكس انعقاد القمة في هذا التوقيت العديد من الدلالات التي تزامنت مع متغيرات عالمية فارقة، يمكن إبراز أهمها في التالي:

(*)مواجهة الصعود الصيني: يشكل الهدف الرئيسي لتدشين تحالف أوكوس مواجهة الصعود الصيني الذى يشهد نموًا متسارعًا في القوة التكنولوجية والعسكرية، لا سيما البحرية القريبة من منطقة الإندوباسيفيك. وتنص الاتفاقية على دخول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا في تعاون أمني يشمل القدرات السيبرانية والذكاء الاصطناعي وتبادل المعلومات الاستخباراتية، إضافةً إلى تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية.

ووفقًا للبيان المشترك الصادر عن أعضاء التحالف الأمني في سبتمبر 2021، فإن التعاون الثلاثي يشمل الأسلحة الفرط صوتية وقدرات الحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى توسيع مشاركة المعلومات وتعميق التعاون والابتكار. وقد قوبل ذلك التحالف بانتقاد صيني من سفارة بكين في واشنطن التي طالبت الدول الثلاث بالتخلص من عقلية الحرب الباردة والتحيز الأيديولوجي، فيما وصفت الخارجية الصينية التحالف بأنه يخاطر بإلحاق أضرار جسيمة بالسلام الإقليمي، ويزيد من سباق التسلح. ويشكل ذلك التحالف تماشيًا مع استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة فى أكتوبر 2022، إذ أعلن الرئيس بايدن أن التغلب على الصين وكبح جماح روسيا، مع التركيز على استعادة الديمقراطية المتراجعة في الداخل، سيمثلان التحدي الأكبر للولايات المتحدة في السنوات المقبلة، كما أشارت الاستراتيجية إلى أن هذه التحديات ستتم مواجهتها من خلال الاستثمار فى الداخل، وتحديث الجيش، وبناء التحالفات مع الدول ذات الاتجاهات المماثلة، وتدعو الاستراتيجية أيضًا إلى الحفاظ على الاستراتيجية الدفاعية للردع لا سيما مع جمهورية الصين الشعبية المنافس الوحيد الذى يضمر نية إعادة تشكيل النظام العالمي. وترجمةً لتلك التوجهات بلغت ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2023 نحو 858 مليار دولار- أي ما يعادل أكثر من 40% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، بزيادة على ميزانية العام الماضي تصل إلى 136 مليار دولار.

الصين والمملكة المتحدة

(*) المراجعة البريطانية المتكاملة لعام 2023: يعتبر ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا أن الصين أكبر تهديد تمثله دولة للمصالح الاقتصادية البريطانية، كما أنها تشكل تحديًا عامًا للنظام العالمي على حد تعبيره. لذلك جاء إعلان بريطانيا عن تحديث المراجعة المتكاملة المحدثة لعام 2023 المتعلقة بالأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية، التى تزامنت مع انعقاد القمة الثلاثية لاتفاق أوكوس، وأعلنها رئيس الوزراء ريشى سوناك وطرحها وزير الخارجية جيمس كليفرلي في مجلس العموم، وتقوم على ضرورة تأقلم بريطانيا مع وضع عالمي جديد تشكل فيه الصين تحديًا خطيرًا للمملكة المتحدة، ولمواجهة ذلك أعلنت الحكومة تمويلًا كبيرًا لبرامج هدفها تعزيز قدرة بريطانيا على التصدي لمواجهة الصعود الصيني، بما في ذلك الاستثمار في تدريب موظفين حكوميين متخصصين في الشؤون الصينية. كما يتبنى تحديث المراجعة المتكاملة بأن المملكة المتحدة ستستمر في لعب دور قيادي في الأمن الأوروبي والأطلنطي مع تعزيز التحول الاستراتيجي، الذي تحقق مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فضلًا عن تقديم 5 مليارات جنيه إسترليني إضافية إلى وزارة الدفاع على مدى العامين المقبلين، للمساعدة في تجديد مخزون الذخيرة الحيوية وتعزيزها، وتحديث المؤسسة النووية في المملكة المتحدة، وتمويل المرحلة التالية من برنامج الغواصة أوكوس.

(*) التحول الجذري في الدبلوماسية الصينية: جاء انعقاد القمة مع التحول الجذري في الدبلوماسية الصينية، وانخراطها المباشر في تفاعلات الشرق الأوسط، وذلك من خلال نجاحها فى التوصل لاتفاق ما بين السعودية وإيران برعاية الرئيس الصيني شي جين بينج في 10 مارس 2023، لاستئناف العلاقات بين الرياض وطهران المقطوعة منذ 2016 وإعادة فتح السفارتين خلال شهرين. على أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعًا لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء، كما أكد البيان تفعيل الاتفاقات المشتركة بين الدولتين، ومنها اتفاقية التعاون الأمني، واتفاقية التعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب. وهو ما جعل الرئيس الصيني شي جين بينج يدعو في 13 مارس 2023 إلى أن تلعب الصين دورًا أكبر في إدارة الشؤون العالمية، بعد أن لعبت بكين دورًا مركزيًا كمضيف للمحادثات التي أسفرت عن الاتفاق بين السعودية وإيران، مضيفًا أنه يتعين على الصين المشاركة بنشاط في إصلاح وبناء نظام الحوكمة العالمي وتعزيز مبادرات الأمن العالمي، بما سيضيف طاقة إيجابية للسلام والتنمية في العالم.

الرئيس الصيني شي جين بينج

(*) إعادة انتخاب الرئيس الصيني لولاية ثالثة: قام الحزب الشيوعي الصيني بتجديد اختيار الرئيس الصيني شى جين بينج لولاية رئاسية ثالثة تمتد لخمس سنوات أخرى، وألقى الرئيس الصيني كلمة بمناسبة الولاية الثالثة في 13 مارس 2023 التي تزامنت مع انعقاد قمة أوكوس، وشدد الرئيس شي على الحاجة لتعزيز الأمن القومي للصين، وأن يتحول الجيش الصيني إلى جدار عظيم من الفولاذ الذى يحمي بشكل فعال السيادة الوطنية والأمن ومصالح التنمية، مضيفًا أنه يجب تنفيذ الاستراتيجية الشاملة للحزب لحل قضية تايوان في العصر الجديد، والتمسك بمبدأ الصين الواحدة وتوافق الآراء الذى تم التوصل إليه في عام 1992، والعمل بفاعلية على تعزيز التنمية السلمية للعلاقات عبر المضيق، منتقدًا القوى الخارجية التي تتدخل في تايوان.

مجمل القول إن اتجاه الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها مثل "أوكوس" أو إعادة تفعيل تحالف "كواد" بهدف محاصرة الصين، للحد من صعودها لقمة النظام الدولي أو لتأجيل ذلك الصعود الذي يشكل انتقالًا لمركز الثقل الدولي من الغرب إلى الشرق الآسيوي، سيكون له تكلفته الممتدة على تفاعلات النظام الذى بدت بوادر تغييره فى انخراط الصين المباشر فى تسوية الصراعات الإقليمية، وتعزيز قدراتها العسكرية بزيادة مخصصات الإنفاق العسكري فى موازنة 2023، وعقد شراكة استراتيجية مع روسيا، وتبني مبادرة الحزام والطريق لتعزيز مكانتها فى نظام دولي جديد لا يزال قيد التشكيل.