الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مواجهة التحديات.. ماذا تحمل أجندة القمة الإفريقية السادسة والثلاثين؟

  • مشاركة :
post-title
الدورة العادية السادسة والثلاثون لقمة الاتحاد الإفريقي 18-19 فبراير 2023

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

بدأت اليوم السبت الدورة العادية رقم 36 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، والمقرر أن تنهي أعمالها غدًا في 19 فبراير 2023 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، نتيجة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وما ترتب عليها من تعطل سلاسل إمداد الغذاء والطاقة، وتأثر أكثرية دول القارة من الأزمة، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية المضطربة التي تعيشها بعض دول القارة. ويُعد مؤتمر القمة أعلى جهاز للسياسة وصُنع القرار في الاتحاد الإفريقي، ويضم جميع رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في المنظمة. وتنعقد هذه الدورة تحت شعار: "تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة الإفريقية". ونعمل في هذا التحليل على الإجابة عن تساؤلات متعلقة بجدول القمة، موضوعاتها المطروحة، وما يُمكِن أن تفضي إليه من إجراءات وسياسات.

ظروف الانعقاد:

يمكن رصد أهم المؤشرات الدالة على تعدد تحديات ظروف انعقاد القمة، كالتالي:

(*) الاستقطاب الدولي: جاء انعقاد القمة رقم 36 لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء في منظمة الاتحاد الإفريقي في ظل حالة الاستقطاب الشديد التي يشهدها النظام الدولي منذ اندلاع النزاع بين روسيا وأوكرانيا العام المنصرم. وفي هذا السياق، أعلنت الدول الإفريقية التزامها مبدأ الحياد وعدم الانحياز لأي من طرفي الصراع داعية للحوار وحل النزاع بالأدوات والطرق السلمية. ومن المُرجح أن تؤكد قمة أديس أبابا على هذا المسار خاصة في ظل تنافس الدول الكبرى على الفرص الاستثمارية المتاحة بالقارة، وإدراك قادة القارة لأهمية الحياد وبناء علاقة إيجابية مع جميع الأطراف الدولية.

(*) تصاعد العنف والإرهاب في الغرب والشرق الإفريقي: يأتي انعقاد القمة الإفريقية في ظل تزايد أنشطة الحركات الإرهابية خاصة في مناطق الساحل وشرق جمهورية الكونجو الديمقراطية، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في كلمته الافتتاحية المتحدة أن يقول: "إن إفريقيا بحاجة إلى العمل من أجل السلام"؛ بعد ما ارتفع عدد نازحي منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأكثر من 15% خلال عام 2022، وذلك وفق إحصاءات الأمم المتحدة. كما تجدر الإشارة إلى تزايد المواجهات بين حركة الشباب الصومالية والحكومة الصومالية وجيرانها من الدول المتأثرة بضربات التنظيم الإرهابي.

(*) الأزمة المالية العالمية: نتيجة للخطوات التي أقدم عليها البنك الفيدرالي الأمريكي برفع الفوائد على الدولار وهروب بعض الأموال الساخنة التي كانت تعتمد عليها عدد من دول القارة، وارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا بسبب تعطل سلاسل الإمداد جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، يشهد الاقتصاد الإفريقي حالة من الركود التي انعكست على أسعار صرف العملات المحلية، وارتفاع الأسعار وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتأتي قمة أديس أبابا في ظل هذه الظروف؛ إذ ترفع شعار ضرورة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين دول القارة لزيادة التبادل التجاري وضمان حرية التنقل، لا سيَّما أن الأزمة العالمية أكدت على أهمية وجود تحالفات سياسية واقتصادية قوية بين الدول لتجاوز الصعوبات كما الحال لدول الاتحاد الأوروبي. وقال الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش إن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت بشكل مباشر على حياة الشعوب في إفريقيا، التي اعتبرها تتحمل أكبر تحديات الأزمة.

قضايا مطروحة:

تأتي القمة رقم 36 لتطرح عددًا من القضايا التي تهم الأفارقة بوجهٍ عام، ونشير فيما يلي إلى أبرز القضايا المطروحة وفقًا لجدول القمة الذي نشره الاتحاد الإفريقي على موقعه الإلكتروني:

جهود التصدي للأوبئة في إفريقيا

(*) تعزيز التعاون الصحي بين دول القارة: يأتي على رأس الموضوعات التي ستطرحها القمة 36 لدول الاتحاد الإفريقي قضيتا تفعيل مركز مكافحة الأمراض في إفريقيا، ومناقشة إنشاء وتشغيل هيئة الأدوية الإفريقية، وذلك بهدف التعاون الصحي بين دول القارة وتبادل الخبرات في التعامل مع الأوبئة مستقبلًا، خاصة أن القارة الإفريقية لا تزال تعاني نقصًا حادًا في الإمكانيات الصحية، وهو ما يظهر في انتشار العديد من الأوبئة مثل الإيبولا والكوليرا والملاريا. في هذا الاتجاه، تمثل القارة فرصة واعدة للتعاون المشترك بين دولها في مجالات تكنولوجيا الخدمات الصحية؛ إذ تعاني القارة نقصًا حادًا في تكنولوجيا الصحة رغم عدد سكانها الكبير، والمتوقع وصوله إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050.

(*) تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة الإفريقية: يُعد تفعيل اتفاقية التجارة الحرة من أبرز القضايا المطروحة على أجندة القمة، وذلك لمحاولة القضاء تدريجيًا على التعريفات الجمركية بين دول القارة. وقد وُقعت الاتفاقية في عام 2018 بالعاصمة الرواندية كيجالي، ودخلت حيز التنفيذ فعليًا في 30 مايو 2019 بعد توقيع 54 دولة إفريقية عليها، وتصديق 44 دولة. وتنص الاتفاقية على تفعيل منطقة تجارة حرة بين دول القارة، وإنشاء سوق موحدة للسلع والخدمات، وضمان حرية حركة رجال الأعمال والتعاون في تطوير البنى التحتية لدول القارة، بما في ذلك العمل على الانتهاء من طريق القاهرة-كيب تاون كخطة طموحة آمنت بها مصر أثناء رئاستها للاتحاد الإفريقي عام 2019 لربط شمال القارة بجنوبها، وتسهيل عبور السلع بين أوروبا والدول العربية للقارة الإفريقية عبر مصر. ومن المُرجح أن توسع منطقة التجارة الحرة حجم اقتصاد إفريقيا إلى 29 تريليون دولار بحلول عام 2050، وارتفاع التجارة بين دول القارة إلى ما نسبته 60% بحلول عام 2034 بدلًا من 15% في الوقت الحالي؛ إذ تزخر القارة بفرص استثمارية هائلة، وهو ما جعلها محط أنظار الدول الكبرى. وأدت جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية واستمرار تأثر القارة بتغيرات المناخ إلى تعطيل تنفيذ الاتفاقية بسبب حالات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي بعددٍ من دول القارة.

جانب من طريق "القاهرة - كيب تاون"

(*) العنف والإرهاب: يُعد موضوع مكافحة الإرهاب واحدًا من أهم الموضوعات المطروحة على جدول القمة الإفريقية؛ حيث أثرت هذه الظاهرة سلبًا على استقرار الدولة الوطنية في إفريقيا، وأدت إلى تزايد أعداد النازحين والمُهجرين بفعل العنف والإرهاب كما الحال في الصومال ومناطق بدولة نيجيريا؛ إذ تنشط حركتا بوكو حرام وشباب المجاهدين الإرهابيتين، وكذلك تسبب الحركات العنيفة في زيادة توتر العلاقات الدبلوماسية بين دول الجوار كما الحال بين رواندا والكونجو الديمقراطية بسبب أنشطة حركة إم 23. وخلال الجلسة الافتتاحية للقمة قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي إن دول القارة تناهض الإرهاب رغم غياب التضامن. ويأتي التباحث في هذا الملف مواكبًا لخروج القوات العسكرية الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو بعد اتهامها بالفشل في وضع حد لنشاط التنظيمات الإرهابية في هذه المناطق.

(*) الوقوف على الخطوات التنفيذية لمبادرة الاتحاد الإفريقي لإسكات البنادق: ستناقش القمة رقم 36 للاتحاد الإفريقي ما توصلت له مبادرة "إسكات البنادق" وفق استراتيجية القارة المتكاملة نحو نبذ العنف ووقف الصراعات. وتواجه هذه المبادرة تحديات كبيرة؛ تتمثل في تمدد أنشطة الجماعات الإرهابية المتطرفة إضافة إلى انتشار عصابات الجريمة المنظمة كالخطف لطلب الفدية أو انتشار تجارة المخدرات في ظل انتشار مكثف للأسلحة الخفيفة والمتوسطة. وتشجع المبادرة الأشخاص الذين يحملون أسلحة بتسليمها للسلطات المختصة في مقابل عدم الكشف عن هويتهم والحصانة من الملاحقة القانونية فيما بعد.

(*) إدارة السياسات العالمية في ملفي الطاقة والغذاء: كانت الأزمة الروسية الأوكرانية كاشفة للأمن الغذائي الإفريقي؛ حيث تأثرت كثيرًا من الدول الإفريقية بتعطل سلاسل إمداد الغذاء العالمية؛ إذ إن روسيا وأوكرانيا من أكبر موردي الغذاء خاصة القمح لدول القارة، إضافة إلى تأثر القارة بعوامل التغير المناخي مثل الجفاف والتصحر وانتشار الفيضانات. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة، يعاني أكثر من 25% من سكان القارة من انعدام الأمن الغذائي بسبب النزاعات، واستخدام الطرق البدائية والتقليدية إضافة إلى الظواهر المناخية المتطرفة كالتصحر والجفاف.

(*) تغير المناخ: يتطلع القادة الأفارقة المشاركون في القمة 36 للاتحاد إلى مناقشة فجوة التمويل ودعم إجراءات التكيف المناخي لدول القارة كأحد أهم مطالب قمة المناخ التي استضافتها مصر بمدينة شرم الشيخ كممثل للقارة، لا سيَّما أن قمة المناخ (Cop 27) كانت قد توصلت إلى إنشاء صندوق الخسائر والأضرار المناخية لمساعدة الدول النامية على التكيف المناخي.

قضايا عالقة:

رغم أن جدول القمة زاخر بالعديد من الملفات والقضايا إلا أن هناك عددًا من القضايا العالقة أمام مؤتمر القمة؛ أبرزها:

(*) تعليق عضويَّة بعض الدول: يأتي انعقاد القمة الإفريقية رقم 36 في ظل تجميد عضوية 4 دول؛ هي مالي والسودان وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها الدول الأربع. ويستخدم الاتحاد استراتيجية تجميد العضوية لحس الدول على تحقيق حوكمة المؤسسات وإعادة بنائها، وتستعيد الدول عضويتها فور وضوح المسار السياسي وعودته لطبيعته. ومن المحتمل أن يُطرح عودة هذه الدول إلى الاتحاد، وذلك دون التكهن بنتائج ذلك خاصة أن عددًا من دول الاتحاد تصر على ضرورة استعادة المسار السياسي لهذه البلدان قبل العودة.

(*) إصلاحات النظام الدولي: من المُقرر أن تطرح الدورة 36 للاتحاد الإفريقي مسألة تمثيل القارة دوليًا خاصة حقها في تمثيلها داخل مجلس الأمن بمقعد دائم، إضافة إلى زيادة حصتها في فئة المقاعد غير الدائمة في المجلس نفسه، وهو الأمر الذي تركزت عليه كلمات القادة الأفارقة في هذه الدورة.

(*) عضوية إسرائيل كدولة مراقب: من المتوقع أن تناقش القمة إلغاء عضوية إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي، لا سيَّما أن افتتاح المجلس التنفيذي لوزراء خارجية الاتحاد شهد غياب السفير الإسرائيلي في أديس أبابا، أليلي أدماسو، وهو ما أثار تكهنات بشأن قرار إفريقي محتمل حول تجميد العضوية، خاصة أن رئيس مفوضية الاتحاد، موسى فكي، منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد بقرارٍ فردي في 22 يوليو 2021 دون استشارة الدول الأعضاء، وهو ما دعا القمة السابقة باتخاذ قرارها في فبراير 2022 بتجميد العضوية وتشكيل لجنة من 7 دول برئاسة الجزائر وجنوب إفريقيا ببحث الملف وتقديم تقريرها إلى القمة الحالية.

في الختام، يأتي اجتماع القمة في ظروف دولية مُعقدة، سواءً على المستوى الإفريقي الذي تشهد فيه بعض الدول الإفريقية حالة من عدم الاستقرار السياسي وتعثر خرائط الانتقال السياسي، وتمدد الأنشطة الإرهابية لحركة "شباب المجاهدين" (فرع تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا) وحركة بوكو حرام في مناطق الساحل والصحراء بالإضافة إلى الظرف الدولي الذي يشهد حالة من الاستقطاب وتعطل سلاسل الإنتاج نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية الممتدة منذ جائحة كورونا. ورغم أهمية ما ستناقشه القمة من قضايا إلا أن مسألة تنفيذ منطقة التجارة الحرة الإفريقية يُعد التحدي الأكبر أمام القادة الأفارقة.