يتجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقديم خطة جديدة للخدمة العسكرية الطوعية يوم الخميس، في خطوة تحظى بتوافق نادر بين مختلف القوى السياسية الفرنسية المتصارعة، في حين يأتي هذا التوجه في ظل تنامي المخاوف الأوروبية من التهديد الروسي، مع تحذيرات متزايدة من احتمال إقدام موسكو على مهاجمة إحدى دول حلف الناتو بحلول 2028.
من التجنيد الإجباري إلى الخدمة الطوعية
تمثل هذه الخطوة تحولًا جديدًا في السياسة الدفاعية الفرنسية، حيث كانت فرنسا تطبق نظام التجنيد الإجباري حتى عام 1997 عندما قرر الرئيس الراحل جاك شيراك إلغاءه والاعتماد على جيش يتكون من جنود ومقاتلين يختارون المهنة العسكرية بإرادتهم كوظيفة دائمة يتقاضون عليها رواتب ومزايا، بدلًا من نظام إجبار جميع الشباب على الخدمة لفترة محددة ثم عودتهم للحياة المدنية.
وبعد نحو ثلاثة عقود من هذا النظام، تعود فرنسا لإشراك المواطنين في المنظومة الدفاعية، لكن بصيغة طوعية هذه المرة وليست إلزامية.
وتختلف الخطة المقترحة عن التجنيد الإجباري القديم، إذ ستكون المشاركة اختيارية تمامًا، بينما كان التجنيد الإجباري يفرض على جميع الشباب الفرنسيين الخدمة العسكرية.
ورغم أن بعض الأصوات السياسية مثل جوردان بارديلا زعيم حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد تدعو لعودة التجنيد الإجباري في نهاية المطاف، إلا أنه اعترف بأن القوات المسلحة لا تملك حاليًا الموارد المالية الكافية لتدريب جميع الشباب الفرنسيين، حسبما أوردت صحيفة "بوليتيكو".
خطة طموحة لتعزيز القدرات الدفاعية الفرنسية
من المقرر أن يكشف ماكرون عن تفاصيل المشروع خلال زيارته للواء المشاة الجبلي السابع والعشرين في منطقة فارس، إذ سيؤكد على ضرورة إعداد الأمة وقواها المعنوية لمواجهة التهديدات المتصاعدة، وفقًا لما أعلنه قصر الإليزيه.
ووفقًا لـ"بوليتيكو"، فإن البرنامج المقترح يستهدف توفير كوادر مدربة للقوات المسلحة النشطة أو لصفوف الاحتياط العسكري، مع التركيز على التدريب العسكري الجاد.
وتسعى فرنسا لبناء قوة احتياطية ضخمة تضم 105 آلاف فرد بحلول 2035، بمعدل جندي احتياطي مقابل كل جنديين عاملين في الخدمة الفعلية، وهو ما يمثل قفزة هائلة مقارنة بالعدد الحالي البالغ قرابة 44 ألف جندي احتياطي فقط في 2024.
وتأتي هذه الخطوة استجابة لمخاوف القيادات العسكرية الفرنسية من تراجع معدلات النمو السكاني وتأثيره السلبي على عمليات التجنيد المستقبلية.
إجماع سياسي نادر في المشهد المستقطب
على خلاف معظم مبادرات ماكرون التي تواجه معارضة شرسة عادة، نجحت فكرة الخدمة العسكرية الطوعية في كسب تأييد واسع عبر الطيف السياسي الفرنسي بأكمله، إذ أيَّد المشروع كل من المحافظين واليمين المتشدد، بما في ذلك سيدريك بيران رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ من حزب الجمهوريين، وجوردان بارديلا الذي اعتبر إلغاء التجنيد الإجباري سابقًا بمثابة "خطأ فادح".
وأشارت هيلين كونواي-مورييه، النائبة الاشتراكية في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، في تصريحات لـ"بوليتيكو" إلى أن "فرنسا ليست وحيدة في التفكير بشأن حشد الأمة خارج نطاق القوات العسكرية المنخرطة، وهذا أكثر أهمية الآن في ضوء وجود تهديد روسي واضح"، مؤكدة أنها لا تتوقع أي مقاومة من اليسار قائلة: "طالما أن الأمر طوعي، فلا أرى سببًا لأي معارضة".
موجة أوروبية لإحياء الخدمة العسكرية
تندرج الخطوة الفرنسية ضمن توجه أوروبي أشمل لتعزيز الاستعداد العسكري، إذ تدرس دول عديدة إعادة تفعيل الخدمة العسكرية بصيغ متنوعة، فقد اتفقت الأحزاب الحاكمة في ألمانيا مطلع الشهر الجاري على إلزام الشبان في سن 18 عامًا بالتسجيل والخضوع للفحص الطبي، مع ربط أي انتقال نحو الخدمة الإجبارية بقرار برلماني منفصل لا يُفعّل إلا إذا فشلت الخدمة الطوعية في تلبية احتياجات الجيش.
كما كشفت بولندا هذا العام عن خطتها لتدريب جميع الذكور البالغين على القتال، لكنها أيضًا امتنعت عن إعادة التجنيد الإجباري.
وسيتطلب تنفيذ الإصلاح الفرنسي "إجراء تعديلات تشريعية"، بحسب مسؤول فرنسي، فيما تعهدت الحكومة بتقديم قانون تخطيط عسكري محدث بحلول 21 ديسمبر المقبل.
وكان ماكرون قد طرح الفكرة للمرة الأولى في يوليو الماضي، قبل أن يلمح مكتب رئيس الوزراء في سبتمبر إلى قرب إطلاق نسخة معدلة من الخدمة العسكرية الطوعية.