في إنجاز دولي جديد لمصر، اختار المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو، اليوم الخميس، الدكتور خالد العناني مديرًا عامًا للمنظمة، بعدد أصوات غير مسبوق بلغ 172 صوتًا من أصل 175، وذلك خلال التصويت الذي جرى ضمن أعمال الدورة الثالثة والأربعين للمؤتمر العام، المنعقد بمدينة سمرقند بجمهورية أوزبكستان.
ويأتي هذا التصويت عقب حصول الدكتور العناني في السادس من أكتوبر الماضي على 55 صوتًا من أصل 58 دولة عضوًا بالمجلس التنفيذي لليونسكو، ما عكس إجماعًا دوليًا واسعًا على دعم المرشح المصري، ومهّد لاعتماده رسميًا في المؤتمر العام.
وأكد السفير علاء يوسف، سفير مصر لدى باريس، أن اختيار العناني بأغلبية ساحقة يعكس ثقة المجتمع الدولي في الكفاءة والخبرة المصرية في إدارة واحدة من أهم المنظمات الثقافية والعلمية في العالم.
تصويت تاريخي
وأوضحت منظمة "اليونسكو"، في بيان اليوم الخميس، أنه من المقرر أن يتولى العناني مهامه رسميًا في 15 نوفمبر الجاري لولاية مدتها أربع سنوات، ليخلف بذلك أودري أزولاي، التي تشغل المنصب منذ عام 2017.
وفي 6 أكتوبر الماضي، فاز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام لليونسكو للفترة من 2025 إلى 2029، خلفًا للفرنسية أودري أزولاي، وذلك بعد التصويت الذي جرى بين أعضاء المجلس التنفيذي بمقر المنظمة بباريس.
وحصل العناني (54 عامًا) على 55 صوتًا مقابل صوتين فقط لمنافسه المرشح الكونغولي فيرمين إدوار ماتوكو (69 عامًا)، الذي يشغل منصب نائب المدير العام لليونسكو لشؤون العلاقات الخارجية.
وحُسمت النتيجة لصالح العناني بعد تصويت المجلس التنفيذي عن طريق الاقتراع السري، ليُعلن عن انتخابه لمنصب مدير عام المنظمة الدولية التي تهدف في الأساس إلى المساهمة في إحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في مجالات التربية والتعليم والثقافة.
واليوم اعتمد المؤتمر العام للمنظمة انتخاب العناني مديرًا عامًا للمنظمة. وبهذا الفوز، يُعد الدكتور العناني أول عربي يرأس المنظمة منذ تأسيسها قبل 80 عامًا، خلفًا لأودري أزولاي التي شغلت المنصب على مدار ولايتين، وثاني إفريقي يتبوأ هذا المنصب الرفيع بعد السنغالي أمادو مختار مبو (1974-1987).
مسيرة حافلة
يُعد الدكتور العناني (54 عامًا) شخصية بارزة معروفة بخبراته وإسهاماته البارزة في مجالات متعددة مثل التعليم، البحث العلمي، الثقافة، السياحة، الإدارة، الخدمة العامة، والعلاقات الدولية، وشغل سابقًا منصب وزير السياحة والآثار في مصر، ويشغل حاليًا منصب أستاذ علم المصريات بجامعة حلوان، حيث انضم لهيئة التدريس منذ أكثر من ثلاثين عامًا. ولم يقتصر تدريسه للحضارة والآثار والكتابة المصرية القديمة على مصر فقط، بل امتد ليشمل مؤسسات أكاديمية دولية مرموقة.
وبدأ العناني مسيرته المهنية كمرشد سياحي، وهي المهنة التي أثارت فضوله وتقديره للتنوع الثقافي، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة حلوان عن معابد رمسيس الثاني في النوبة، وهو ما شكل نقطة تحول حقيقية في شغفه بالبحث العلمي وإعجابه بمنظمة اليونسكو.
كما حصل على درجة الدكتوراه في علم المصريات من جامعة بول-فاليري مونبلييه 3 في فرنسا، ونُشرت أبحاثه في مجلات ومجموعات علمية دولية مرموقة، وحظيت بتقدير واسع من قبل المجتمع العلمي، كما تم اختياره عضوًا فخريًا في الجمعية الفرنسية لعلم المصريات وعضوًا مراسلاً لمعهد الآثار الألماني، تقديرًا لتفانيه في تعزيز الروابط الثقافية والعلمية.
وبعد إدارته للمتحف القومي للحضارة المصرية والمتحف المصري بالقاهرة، تم تعيينه وزيرًا للآثار عام 2016، حيث تميز بقدرته على المزج بين الدقة والنهج العلمي، مع تعزيز ثقافة الشفافية والمسؤولية. وفي عام 2019، وبعد دمج وزارة السياحة ضمن اختصاصاته، أشرف بنجاح على عملية دمج وزارتي السياحة والآثار، وقاد إعداد "استراتيجية السياحة المستدامة".
موكب المومياوات الملكية
وأشرف العناني على إنشاء وتطوير أكثر من 20 متحفًا أثناء فترة عمله الوزارية، بما في ذلك المتحف القومي للحضارة المصرية، الذي تم تنفيذه بالتعاون مع منظمة اليونسكو، والمتحف المصري الكبير، أحد أكبر المتاحف في العالم بتكلفة تقديرية تقارب مليار دولار أمريكي. كما نجحت الوزارة في عهده في تنفيذ أكثر من خمسين مشروع ترميم بالمواقع والمعالم والقصور الأثرية والمباني الدينية التاريخية، من بينها الجامع الأزهر، والكنائس القبطية، والأديرة على مسار "رحلة العائلة المقدسة"، بالإضافة إلى الآثار اليهودية مثل معبد إلياهو هانابي في الإسكندرية.
ومن أبرز إنجازاته تنظيم فعاليات ثقافية كبرى مثل "الأقصر طريق الكباش"، و"موكب المومياوات الملكية"، حيث أصبح هذا الموكب التاريخي الذي عبرت فيه المومياوات الملكية شوارع القاهرة في عرض مذهل رمزًا أيقونيًا لحقبته الوزارية، وعكست هذه المبادرات المبتكرة عظمة التراث المصري الممتد لآلاف السنين وأبهرت ملايين المتابعين من جميع أنحاء العالم، وأسفرت عن تحقيق طفرة كبيرة في قطاع السياحة.
في عام 2015، تم تكريمه بلقب فارس بوسام الفنون والآداب في فرنسا، وفي عام 2020 نال وسام الاستحقاق من جمهورية بولندا، ثم في عام 2021 حصل على وسام الشمس المشرقة من اليابان تقديرًا لإسهاماته البارزة.
وسام جوقة الشرف الوطني
وفي سبتمبر 2024، منحته جامعة بول فاليري مونبلييه 3 الدكتوراه الفخرية، وتم اختياره في نوفمبر 2024 سفيرًا للسياحة الثقافية من قبل منظمة الأمم المتحدة للسياحة. وفي سبتمبر 2025، تسلم خالد العناني وسام جوقة الشرف الوطني من فرنسا برتبة فارس، وهو أعلى تكريم مدني فرنسي.
وقدّم خالد العناني خلال حملته الانتخابية رؤية شاملة لمستقبل عمل اليونسكو، تضع الإنسان في صميم رسالتها، دون تمييز أو استثناء. وتحت شعار "اليونسكو من أجل الشعوب"، تؤكد هذه الرؤية على منظمة تعمل بفعالية لتحسين حياة الشعوب أجمع، عابرة للحدود، وتمكّن الدول من الازدهار في عالم يعمه السلام والكرامة.