في ليلة تُسطَّر بحروفٍ من نور، ويُكتب فيها فصل جديد من فصول المجد المصري، تتجه أنظار العالم إلى محافظة الجيزة مساء اليوم السبت، حيث تقف الأهرامات شامخةً لتشهد ميلاد صرحٍ ثقافي وتاريخي فريد هو المتحف المصري الكبير، أيقونة الحضارة الجديدة وهدية مصر إلى العالم أجمع.
يُعد المتحف المصري الكبير أضخم مشروع ثقافي في تاريخ مصر الحديث، والذي يمتد على مساحة 500 ألف متر مربع بالقرب من أهرامات الجيزة، ليمثل معجزة هندسية تحتضن تاريخ أمة عظيمة ويكشف أسرار الحضارة المصرية القديمة وكنوزها النادرة.
بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف ليُشيَّد في موقع متميز يطل على أهرامات الجيزة الخالدة، وأعلنت الدولة المصرية، وتحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، عن مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف، وفاز التصميم الحالي المُقدم من شركة هينجهان بنج للمهندسين المعماريين بأيرلندا Heneghan Peng Architects، والذي اعتمد تصميمه على أن تُمثل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هي المتحف المصري الكبير.
بدأ بناء مشروع المتحف في مايو 2005، بتمهيد الموقع وتجهيزه، وفي عام 2006، أُنشئ أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، خُصص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المُقرر عرضها بقاعات المتحف، وافتُتح في عام 2010.
ويمتد المتحف المصري الكبير على مساحة تتخطى 490 ألف متر مربع، ليصبح الأكبر من نوعه في العالم، كما يضم "الدرج العظيم" الذي تصطف على جانبيه تماثيل شامخة لملوك مصر، بارتفاع يصل إلى ستة طوابق، في مشهد مهيب يجسد فخامة التصميم وضخامة البناء.
ويضم المتحف قاعات عرض متخصصة للملك توت عنخ آمون، وقاعة للآثار الملكية، وقاعات تعرض تاريخ الفن والحرف المصرية القديمة، بالإضافة إلى مرافق تعليمية وبحثية متقدمة تدعم دراسة الحضارة المصرية وتعريف العالم بها.
ومن المتوقع أن تجذب المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، الزائرين من مختلف أنحاء العالم، إذ تُعد من أبرز وأندر المجموعات الأثرية في تاريخ الحضارة المصرية القديمة.
وتضم مجموعة الملك توت عنخ آمون نحو 5400 قطعة أثرية، سيتم عرض 300 قطعة نادرة منها داخل قاعات المتحف، إلى جانب فأس حجرية يعود عمرها إلى نحو 700 ألف عام، سيتم عرضها لأول مرة، وأيضًا سيشهد المتحف عرض نحو 15 ألف قطعة أثرية تُعرض لأول مرة.
كما يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي تاريخ الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصر البطلمي، ومن أبرز قاعاته البهو العظيم الذي يستقبل الزوار بالمسلة المعلقة وتمثال الملك رمسيس الثاني، والدرج العظيم الذي يعرض تماثيل ملوك مصر القديمة وفق ترتيب زمني، وقاعة الملك توت عنخ آمون التي تضم المجموعة الكاملة للملك الذهبي لأول مرة في التاريخ، ومتحف مراكب خوفو الذي يضم المراكب الشمسية التي نُقلت في واحدة من أعقد عمليات النقل الأثري في العالم عام 2021.
يضم المتحف المصري الكبير أيضًا متحفًا للأطفال لتعليم الأجيال الجديدة حضارتهم بطريقة تفاعلية، ومركزًا عالميًا للترميم يُعد الأكبر في الشرق الأوسط، إضافة إلى قاعات للمعارض الدولية، ومركز مؤتمرات، وحدائق فرعونية، ومناطق ترفيهية وخدمات سياحية متكاملة.
بافتتاح المتحف المصري الكبير بعد ساعات قليلة، تُضيف مصر إنجازًا جديدًا إلى سجلها الحضاري، ليس فقط لتؤكد مكانتها كوجهةٍ عالميةٍ للثقافة والآثار، لكن ليوم تسجله الذاكرة، ويكتب فيه التاريخ سطرًا جديدًا من سطور المجد المصري.