شيرين بروكنر:
- توت عنخ آمون ما زال يتحدث إلينا حتى اليوم رابطًا الماضي بالحاضر
- الشعب المصري هو قلب المشروع.. والتجربة تدعو للفخر والانتماء والشغف
رحلة استمرت 10 سنوات، قضتها شيرين فرانجول بروكنر، المؤسِّسة المشاركة والمديرة التنفيذية لأتيليه بروكنر في شتوتجارت بألمانيا، إذ كانت العقل الإبداعي وراء تصميم معرض كنوز الملك توت عنخ آمون في المتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه غدًا السبت.
في هذا الحوار لموقع قناة "القاهرة الإخبارية"، تتحدث مصممة معرض كنوز الملك الذهبي عن الرحلة الطويلة لتصميم واحد من أضخم المعارض في العالم، وعن التحديات التي واجهت فريقها، وما الذي يجعل هذه التجربة مختلفة عن أي مشروع آخر، وكيف رأت التجربة المتكاملة في العمل مع فريق من المصريين الذين وصفتهم بالتفاني والإخلاص في العمل.
● كيف بدأت رحلة تصميم هذا المعرض الضخم؟ وكيف تصفينها؟ وما أبرز التحديات التي واجهتكم؟
بدأت الرحلة قبل نحو عشر سنوات، عندما تم اختيار مكتبنا لتصميم قاعتي عرض كنوز توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير، ومنذ البداية شعرنا بمسؤولية هائلة، فنحن نصمم موطنًا لكنوز الملك الذهبي، وهي قطع تنتمي إلى قلب الإنسانية كلها.
أكبر تحدٍ واجهناه كان ترجمة الأبعاد الأثرية والعاطفية لهذه القطع إلى تجربة مكانية متكاملة خلال ستة أشهر فقط، وعملنا عن قرب مع القائمين المصريين على المتحف من أمناء ومُرمّمين، وكان إخلاصهم وتفانيهم مصدر إلهام لنا في كل خطوة.
● ما أكثر ما أدهشكِ خلال عملكِ مع كنوز توت عنخ آمون؟
كل قطعة من هذه المجموعة تحمل سحرًا خاصًا، الحرفية الدقيقة، الرمزية، والجمال الرقيق الذي من الصعب وصفه بالكلمات، وأكثر ما لمسني هو البُعد الإنساني فهذه القطع لا تُعرّفنا بملك فقط، بل بإنسان شاب عاش قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، وما زال يتحدث إلينا حتى اليوم.
كنت أقف جوار القطع داخل مركز الترميم في الجيزة، وأراقب كيف يتعامل معها المصريون بعناية مذهلة، فشعرت أنها لا تزال حيّة، وكأنها لا تزال تتواصل معنا حتى الآن، وتربط الماضي بالحاضر.
كانت مشاهدتي لمدى العناية الفائقة التي أولتها الفرق المصرية لهذه القطع الأثرية والحفاظ عليها أمرًا مؤثرًا للغاية، وجعلني ذلك أدرك مدى حيوية هذه الكنوز حتى اليوم، فهي لا تزال تربطنا عبر الزمن.
● كيف يعكس تصميم القاعتين رحلة توت عنخ آمون عبر الحياة والموت والعالم الآخر؟
تصميم قاعة توت عنخ آمون قائم على عنصرين رئيسيين يعتمدان على السرد المكاني هما: مسار العرض، وهو شريط أسود على الأرض يربط جميع القطع، ومسار الشمس، وهو شريط ضوئي على السقف يوجّه الزائرين عبر القاعة.
استوحينا فكرة "مسار الشمس" من الأساطير المصرية القديمة، إذ يرمز إلى دورة الحياة، ويتكامل الخطّان ليشكّلا رحلة بصرية وروحية تربط بين الحياة والموت والبعث.
أردنا أن يشعر الزائر أن المعرض أشبه بجوهرة مرصعة ومزروعة داخل هيكل المتحف، متكاملة معه، وأنه جزء لا يتجزأ من العمارة الضخمة، مندمجًا بسلاسة ولكن في الوقت نفسه قائماً بذاته، تروي حكايتها بإيقاع الضوء والفراغ.
● وصفتِ المتحف بأنه "ليس للسائحين فقط بل للشعب المصري".. ما الدور الذي تأملين أن يؤديه المتحف في تعزيز الفخر الوطني بالتراث المصري؟
منذ البداية شعرنا أن قلب المشروع هو الشعب المصري، كان من المهم أن نصمم مشروعنا كتجربة تدعو للفخر والشغف والانتماء بالنسبة للمصريين خاصة، يمكن للمتحف المصري الكبير أن يكون مساحة يستعيدون ويتواصلون فيها مع تاريخهم بطريقة نابضة بالحياة ومعاصرة.
آمل أن يُلهم الزائرين تقدير تراثهم الثقافي، لا كشيء من الماضي، بل كجزء من هويتهم الحاضرة.
● ما العناصر الأساسية التي حرصتم على إبرازها في القاعات؟ وكيف جرى ترتيب القطع لتروي قصة متكاملة.
يروي المعرض قصة حياة توت عنخ آمون عبر خمس محطات رئيسية: شخصه وحياته ودفنه وعبوره إلى العالم الآخر وأخيرًا اكتشاف مقبرته.
ما يميز هذا المعرض هو أننا نستطيع سرد القصة كاملة من خلال القطع الأصلية التي اكتُشفت في مقبرته دون الحاجة لأي إضافات، كل قطعة هي "راوٍ للحكاية" يربط السردية بين فصول القصة.
● كيف اُختيرت الألوان والخامات لتعكس روح العصور المصرية القديمة وتتماشى مع معايير العرض الحديثة؟
العنصر الأساسي في التصميم هو الإضاءة، فهي التي تُعيد الحياة إلى القطع وتمنحها عمقًا وهيبة وحضورًا عاطفيًا، وكل ما عداها من ألوان وخامات وهندسة أردنا أن نكبحه، ونبقيه ظلًا بسيطًا ومتواضعًا ليبقى التركيز على الكنوز نفسها.
● لكِ خلفية شرق أوسطية من العراق.. هل وجدتِ أوجه تشابه أو روابط بين مصر والعراق أثناء تنفيذ المشروع؟
نعم، بالتأكيد، نشأت بين ثقافتين "العربية الشرق أوسطية والأوروبية" وهو ما شكلني وأُثر فيّ بشكل عميق، ومنحني القدرة على رؤية العالم من زوايا مختلفة وفهم وجهات النظر المختلفة، أن أتواصل مع الناس من خلال طرق التفكير والعمل المختلفة، ساعدني ذلك كثيرًا في مصر، لفهم طريقة العمل وبناء الثقة والتعاون باحترام متبادل.
ثقافيًا، هناك قواسم كثيرة بين مصر والعراق: تقدير الضيافة والروابط الأسرية القوية والتمسك بالتقاليد إلى جانب الانفتاح على المستقبل، وهذه الروح كانت واضحة في كل من عملت معهم في القاهرة.