- المتحف المصري الكبير تجسيد لعبقرية المصريين بروح التكنولوجيا اليابانية
- المتحف المصري الكبير قاطرة للتنمية المستدامة ومنارة للتعاون الدولي
- المتحف جسر حضاري يربط بين مصر واليابان
- مصر من الدول الرائدة عالميًا في مجال الآثار بفضل تراثها الحضاري
في لحظة تعد من أبرز المحطات في تاريخ التعاون الثقافي بين مصر واليابان، يترقب العالم افتتاح المتحف المصري الكبير، المقرر له الأول من نوفمبر المقبل، بوصفه أحد أضخم المتاحف في العالم وأيقونة جديدة للحضارة الإنسانية. ومنذ أكثر من عقدين، كانت هيئة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) شريكًا رئيسيًا في هذا الحلم، الذي تحول إلى رمز عالمي للتعاون والتفاهم بين الشعوب.
وفي حوار خاص مع إبيساوا يو، ممثل جايكا في مصر، تحدث المسؤول الياباني عن رحلة بناء المتحف، ومشاعر الفخر عند اكتماله، وأهمية الشراكة المصرية اليابانية التي جمعت بين التقنية والخبرة اليابانية من جهة، والرؤية والإبداع المصري من جهة أخرى، لتقدم للعالم صرحًا يجسّد عبقرية الماضي بروح الحاضر.
ما شعوركم بمناسبة الافتتاح العالمي للمتحف المصري الكبير، الذي يعتبر تتويجًا لسنوات طويلة من التعاون بين وزارة السياحة المصرية وجايكا؟.. وما أبرز اللحظات التي لا تُنسى بالنسبة لكم في هذا المشروع الضخم، سواء في نقل القطع الأثرية أو في عمليات الترميم الدقيقة؟
بالنسبة لنا في جايكا، يُعد المتحف المصري الكبير أكثر من مجرد مشروع ثقافي؛ إنه رمز استراتيجي للتعاون العميق بين اليابان ومصر، ويجسّد التزامنا المشترك بالحفاظ على التراث الإنساني وتعزيز التفاهم بين الثقافات. ويتماشى دعمنا للمتحف مع رؤية الحكومة اليابانية للتنمية الشاملة، التي تؤمن بأن التنمية لا تقتصر على الجوانب المادية، بل تشمل أيضًا بناء الجسور بين الشعوب وتعزيز الهوية الثقافية. ومن هذا المنطلق، جاء دعمنا للمتحف من خلال تمويل ميسر في عامي 2006 و2016، إضافة إلى مشاريع التعاون الفني التي بدأت منذ عام 2008، وشملت تدريب الكوادر المصرية في مجالات الحفظ والترميم وإعداد قاعدة البيانات الأثرية، سواء في مصر أو اليابان.
كما أن مشروع المتحف يُجسّد جوهر فلسفة جايكا في العمل المشترك، الذي يجمع بين التمويل والخبرة والتكنولوجيا اليابانية، وبين الرؤية والإبداع والقدرات المصرية. ومن أبرز الأمثلة على هذا التعاون، مشروع نقل وترميم مركب خوفو الثاني، الذي يُتوقع أن يكون من أبرز معالم المتحف عند افتتاحه.
ولا ننسى أن التعاون الثقافي بين البلدين يمتد لعقود، بدءًا من دار الأوبرا المصرية التي افتُتحت عام 1988 كهدية من اليابان، التي لا تزال حتى اليوم رمزًا حيًا للشراكة والاحترام المتبادل.
المتحف المصري الكبير ليس فقط مشروعًا ثقافيًا ضخمًا، بل منارة للتعاون الدولي، ودليل على أن التنمية الحقيقية تشمل الإنسان، والهوية، والذاكرة الحضارية.
كيف تقيمون أهمية هذا المشروع الضخم في تعزيز العلاقات الثقافية بين مصر واليابان، خاصة بعد أن وُصف بأنه "رمز مستدام للصداقة"؟
إلى جانب التمويل المالي الذي قدمته حكومة اليابان لإنشاء مبنى المتحف، حرصت جايكا على تقديم دعم فني شامل ومستدام للمتحف المصري الكبير، انطلاقًا من إيماننا بأن الحفاظ على التراث الثقافي يتطلب أكثر من مجرد بنية تحتية، بل يحتاج إلى نقل المعرفة، وبناء القدرات، وتبادل الخبرات.
منذ عام 2008، ومع إنشاء مركز ترميم المتحف المصري الكبير (GEM-CC)، بدأنا تنفيذ سلسلة من مشاريع التعاون الفني، شملت تسجيل وأرشفة القطع الأثرية من خلال تطوير قاعدة بيانات متكاملة، ساهمت في تشكيل مجموعة مقتنيات المتحف التي تضم آثارًا من مختلف أنحاء مصر. وقد عمل خبراء يابانيون جنبًا إلى جنب مع نظرائهم المصريين في مجالات الحفظ، والترميم، والنقل، بما في ذلك مشاريع دقيقة مثل ترميم وتجميع مركب خوفو الثاني.
كما قدمنا برامج تدريبية متخصصة للعاملين في مركز الترميم، تضمنت فرص تدريب ودراسة في اليابان، إضافة إلى مشروع الترميم المشترك لـ 72 قطعة أثرية مختارة، من بينها قطع نادرة من كنوز الملك توت عنخ آمون. ولم يقتصر التعاون على الجانب الفني فقط، بل شمل أيضًا دعم القدرات المؤسسية لهيئة المتحف في مجالات الإدارة والتشغيل، لضمان استدامة هذا الصرح الثقافي على المدى الطويل.
وعلى مدار سنوات من العمل المشترك، تم بناء رصيد كبير من الخبرات المشتركة بين الجانبين، وهو ما مكّن جميع أطراف هذه الشراكة من تقديم هذا المشروع للعالم في أبهى صورة، نعتز بها جميعًا. هذا التعاون يُجسد فلسفة جايكا في التنمية، التي تقوم على الشراكة المتكافئة، والاحترام المتبادل، والعمل المشترك من أجل مستقبل أفضل.
متى بدأت رحلة تعاون جايكا مع الحكومة المصرية في مشروع المتحف، وما أهم المراحل التي مر بها هذا التعاون؟
بدأ دعم جايكا للمتحف المصري الكبير منذ أكثر من عشرين عامًا، استجابةً لطلب رسمي من الحكومة المصرية لدعم ما كان يُنظر إليه آنذاك كأحد أكثر المشاريع الثقافية والسياحية طموحًا في المنطقة. ويقع هذا المشروع في موقع استثنائي أمام أهرامات الجيزة، ما يضفي عليه رمزية حضارية وتاريخية فريدة.
الدافع الأساسي لليابان كان الاحترام العميق للتراث الثقافي المصري، والإيمان المشترك بأهمية الحفاظ عليه ليس فقط لصالح الشعب المصري، بل للإنسانية جمعاء. لقد رأت اليابان في المتحف المصري الكبير فرصة للمساهمة في حماية التراث العالمي، وفي الوقت ذاته، رمزًا قويًا للصداقة والثقة المتبادلة بين البلدين.
من أهم مراحل المشروع كان قرار الحكومة اليابانية بتقديم قرض ميسر ثانٍ في 2016 من أجل استكمال إنشاء المتحف، خصوصًا بعد التحديات المحلية وأيضًا الإقليمية والدولية التي أثّرت على الخطة الزمنية للمشروع، ما جعله أكبر تمويل تقدمه جايكا لمشروع مماثل.
كما كان من أهم مراحل التعاون بدء الدعم الفني في إعداد قاعدة البيانات الأثرية التي تضم المعروضات التي يشملها المتحف، وكذلك تدريب العاملين في مركز الترميم منذ إنشائه وما تلاه من أوجه دعم أخرى سواء في الترميم المشترك أو في بناء القدرات في الإدارة والعرض المتحفي.
كما يعد مشروع مركب خوفو الثانية من أهم مراحل التعاون في استخراج وترميم وتوثيق وإعادة تجميع نحو 1650 قطعة خشبية، وسوف تكون المركب واحدة من أهم معروضات المتحف.
المتحف المصري الكبير، بالنسبة لنا، ليس مجرد مشروع، بل جسر حضاري وإنساني يربط بين الماضي والمستقبل، وبين اليابان ومصر، في إطار من الاحترام، والتعاون، والرؤية المشتركة.
كيف تم تنسيق الجهود بين الخبراء اليابانيين والكوادر المصرية في مركز الترميم بالمتحف؟
من المهم تأكيد أن مصر من الدول الرائدة عالميًا في مجال الآثار وعلوم المصريات، بفضل ثروتها الثقافية الفريدة وخبراتها المتراكمة. ولهذا، فإن التعاون بين جايكا والمتحف المصري الكبير لم يكن قائمًا على نقل المعرفة من طرف واحد، بل كان تعاونًا متكافئًا قائمًا على تبادل الخبرات والمعرفة، بهدف الوصول إلى أعلى معايير الجودة في مجالات النقل الآمن، الترميم، والحفاظ على القطع الأثرية، بما في ذلك القطع الدقيقة والثمينة من مجموعة الملك توت عنخ آمون.
وقد أسهم خبراء جايكا بخبراتهم المتقدمة في مجالات متخصصة مثل الحفظ الوقائي، وهو مجال يحظى بتطور كبير في اليابان، لضمان الحفاظ طويل الأمد على المقتنيات الأثرية المتميزة التي سيضمها المتحف.
إلى جانب ذلك، قدمت جايكا دعمًا تقنيًا متطورًا من خلال تزويد مركز الترميم بأجهزة ومعدات حديثة، مثل، الميكروسكوب الرقمي، وجهاز التصوير بالأشعة السينية المحمول، وجهاز المسح الضوئي ثلاثي الأبعاد المحمول، والرافعة الشوكية الكهربائية لنقل القطع الأثرية الثقيلة بأمان.
هذا التكامل بين الخبرة المصرية العريقة والتكنولوجيا اليابانية المتقدمة هو ما ميّز هذا التعاون، وجعل من المتحف المصري الكبير نموذجًا يُحتذى به في مشاريع الحفاظ على التراث الثقافي على مستوى العالم.
ما أبرز التحديات التي واجهت جايكا والحكومة المصرية خلال فترة إنشاء المتحف.. وكيف تم التغلب عليها؟
من أبرز التحديات التي واجهناها في المراحل الأولى من التعاون كانت الاختلافات في مبادئ وأساليب الحفظ والترميم بين الخبراء اليابانيين ونظرائهم المصريين، فالحفاظ الناجح على القطع الأثرية الثمينة يتطلب فهمًا مشتركًا وتوافقًا في الرؤية والمنهجية بين جميع الأطراف المعنية.
ولمواجهة هذا التحدي، حرصت جايكا على تقديم برامج تدريبية متخصصة في كل من مصر واليابان، بهدف تعزيز التفاهم المتبادل وتوحيد المفاهيم المتعلقة بالحفظ الوقائي، الترميم، والنقل الآمن للقطع الأثرية. وقد كان لهذا الاستثمار في بناء القدرات أثر كبير في تأسيس أرضية مشتركة للتعاون الفني، ما مهّد الطريق لنجاح مشاريع الترميم المشترك، خاصةً للقطع الأثرية الدقيقة والنادرة، مثل تلك الخاصة بالملك توت عنخ آمون.
هذا التفاهم المتبادل لم يكن مجرد إنجاز تقني، بل كان ركيزة أساسية لنجاح المشروع ككل، وأحد أبرز مظاهر الشراكة الحقيقية التي قامت على الاحترام المتبادل وتكامل الخبرات بين الجانبين.
باعتبار المتحف الآن قيد التشغيل.. ما خطط جايكا لدعم إدارة وتشغيل المتحف بشكل مستدام.. وهل هناك مشاريع تعاون جديدة قيد الدراسة؟
قامت جايكا بدعم الترتيبات اللازمة للتشغيل والإدارة منذ مرحلة مبكرة من المشروع من خلال خبراء يابانيين ودوليين حتى يُلبي توقعات الزوار، ويؤدي دوره كمتحف عالمي، إضافة إلى إيفاد مساعد أول للمدير التنفيذي من اليابان.
وسوف يستمر هذا التعاون بين جايكا والمتحف المصري الكبير من خلال المشروع الجديد الذي بدأ بالفعل في مايو 2025 ويستمر حتى مايو 2028، ويهدف إلى تنمية قدرات هيئة المتحف المصري الكبير وتعزيز كفاءة تشغيل وإدارة المتحف من خلال الاستعانة بخبراء في مجالات متعددة، مثل إدارة المتاحف، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتسويق والترويج، وتجربة الزائر، والتعليم المتحفي. كما يتضمن المشروع استمرار إيفاد مساعد أول للمدير التنفيذي من اليابان لدعم الإدارة التنفيذية للمتحف.
وبالحديث عن المشاريع الثقافية، يسعدني أيضًا أن أُشير إلى منحة جديدة مقدمة لدار الأوبرا المصرية، التي نعتز بها كثيرًا، بهدف تجديد المسرح الكبير، وهو مشروع قيد التنفيذ حاليًا، ويُعد امتدادًا طبيعيًا للتعاون الثقافي العريق بين بلدينا.
هذه المبادرات تؤكد أن التنمية الثقافية بالنسبة لجايكا ليست وقتية، بل مسار طويل الأمد، نحرص فيه على دعم الاستدامة، وبناء القدرات، وتعزيز الحوار الحضاري بين الشعوب.
ماذا عن مشروع "مركز المتحف المصري الكبير العالمي للحفظ والبحث العلمي"؟.. وما دوره وأهدافه في تعزيز قدرات المتحف كمؤسسة عالمية؟
إضافة إلى دعمنا الذي ذكرته سابقًا، تقوم جايكا الآن بالإعداد لإطلاق مشروع جديد من المقرر أن يبدأ في ديسمبر 2025 ويستمر حتى ديسمبر 2028، ويهدف إلى إنشاء مركز عالمي للترميم والبحث العلمي داخل المتحف المصري الكبير. ويُبنى هذا المشروع على التعاون السابق في مجال الترميم، ليُحوّل المتحف إلى مركز إقليمي ودولي في هذا المجال، من خلال تعزيز البحث العلمي، النشر الأكاديمي، وتقديم برامج تدريبية متقدمة لمؤسسات التراث الثقافي والمتاحف في مصر، ومنطقة الشرق الأوسط، وإفريقيا.
ما رؤية الجايكا للمتحف المصري الكبير كمحرك للسياحة الثقافية في مصر.. وكيف يمكن أن يساهم في دعم الاقتصاد المصري؟
تؤمن جايكا بأن المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح ثقافي، بل هو أداة استراتيجية لتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، من خلال دوره المحوري في تعزيز السياحة، التي تُعد من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد.
يقع المتحف في موقع فريد أمام أهرامات الجيزة، أحد أعظم المعالم الأثرية في العالم، ما يمنحه ميزة تنافسية عالمية كوجهة سياحية متكاملة. ومن هذا المنطلق، ترى جايكا أن المتحف المصري الكبير قادر على أن يصبح مركز جذب عالميًا، ليس فقط لعشاق الآثار، بل أيضًا للباحثين، والطلاب، والمستثمرين في قطاع السياحة الثقافية.
من خلال دعمنا المستمر للمتحف، سواء عبر التمويل المالي أو برامج التعاون الفني، نهدف إلى تعزيز قدراته في مجالات إدارة المتاحف، وتجربة الزائر، والتسويق الثقافي، والتعليم المتحفي، بما يضمن تقديم تجربة ثقافية متكاملة ترتقي إلى المعايير العالمية، وتُسهم في زيادة عدد الزوار الدوليين، ورفع متوسط إنفاق السائح، وتمديد مدة الإقامة.
كما أن المتحف، من خلال مشروعه الجديد لإنشاء مركز عالمي للترميم والبحث العلمي، سيُسهم في تحويل مصر إلى مركز إقليمي للمعرفة والابتكار في مجال التراث الثقافي، ما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي، ويعزز من مكانة مصر على خريطة السياحة الثقافية والتعليمية.
وباختصار، فإن رؤية جايكا للمتحف المصري الكبير تتجاوز كونه متحفًا، إلى كونه قاطرة للتنمية المستدامة، تجمع بين الحفاظ على التراث، وتمكين الكوادر، وتنشيط الاقتصاد، وتعزيز الحوار الحضاري بين الشعوب.