استهدفت غارات إسرائيلية، فجر اليوم السبت، منشآت مدنية قرب مدينة صيدا جنوبي لبنان، رغم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 27 نوفمبر الماضي، وهو ما أثار المخاوف من عدم التزام جيش الاحتلال باتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي تم التوصل إليه في مشاورات شرم الشيخ، حول تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ومنذ 27 نوفمبر الماضي، يسري اتفاق لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه برعاية أمريكية وفرنسية، ينص على تراجع حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني (على مسافة نحو 30 كيلومترًا من الحدود) وتفكيك بنيته العسكرية فيها، وحصر حمل السلاح في لبنان بالأجهزة الرسمية.
وألزم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 27 نوفمبر، إسرائيل بسحب قواتها من جنوب لبنان في غضون 60 يومًا، وبنقل حزب الله قواته شمالًا، وطلبت إسرائيل مزيدا من الوقت للقيام بذلك، ومدد الموعد النهائي لسحب قواتها، لكنها منذ ذلك الحين، تشنّ غارات جوية على لبنان.
وأبلغت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) مجلة "نيوزويك" الأمريكية، في رسالة بريد إلكتروني أنها وثقت ما يقرب من 6300 انتهاك جوي، بما في ذلك ما يقرب من 100 هجوم جوي، ونحو 950 مسارًا جويا "تم رصده من الجنوب إلى الشمال" منذ 27 نوفمبر.
وإضافة إلى الغارات، أبقت إسرائيل على قواتها في 5 تلال في جنوب لبنان، بعكس ما نص عليه الاتفاق، وتطالب بيروت المجتمع الدولي بالضغط على تل أبيب لتنفيذ التزاماتها.
ووجهت إلى إسرائيل اتهامات بارتكاب العديد من الانتهاكات الأخرى في لبنان -لا سيما في المناطق المدنية- خلال الأشهر القليلة الماضية، وأفادت الأمم المتحدة أن إسرائيل قتلت أكثر من 100 مدني في لبنان منذ الهدنة.
وتثير هذه الانتهاكات المعلنة للهدنة تساؤلات حول ما إذا كان وقف إطلاق النار في غزة سيختلف، إذ قال سامي نادر، مدير معهد العلوم السياسية في بيروت، لـ"نيوزويك": "الضمان الحقيقي الوحيد لاستمرار وقف إطلاق النار هذا هو قدرة ترامب على الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة نهائيًا.. وبدون هذه الإرادة السياسية من واشنطن، يخشى أن يتعثر التنفيذ كما كان من قبل".
وأضاف أن اتفاق غزة يمثل "اختراقًا كبيرًا"، وهو وصف ردده جزء كبير من المجتمع الدولي، إذ رحب الإسرائيليون والفلسطينيون وقادة العالم بالإعلان، وأشاد الكثيرون منهم بمشاركة ترامب.
ومع ذلك، أشار نادر إلى أن "النجاح سيعتمد على ما إذا كان سيؤدي إلى عملية نزع سلاح موثوقة قبل الحوكمة وإعادة الإعمار، بدلًا من مجرد توقف مؤقت قبل جولة القتال التالية".
وقالت حنين غدار، زميلة فريدمان البارزة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في مقابلة هاتفية مع نيوزويك، أمس الجمعة، إن هذا "ليس كأي اتفاقات وقف إطلاق نار سابقة أو محاولات للتوصل إلى اتفاق.، إنه مختلف".
وأضافت أن الدول العربية مارست ضغوطًا شديدة على حماس، وأن "إسرائيل تعرضت أيضًا لضغوط كبيرة من ترامب"، وأشارت غدار إلى أن "الزخم" من ترامب والدول العربية من حيث الضغط الخارجي، من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من إنفاذ وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى، ومع ذلك، قالت: "إنه وقف إطلاق نار، وليس اتفاق سلام بعد.. ووقف إطلاق النار هش تاريخيًا، انظر إلى لبنان".
هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت، يشعر بالقلق من استمرار وقف إطلاق النار، حيث صرح لنيوزويك في رسالة بريد إلكتروني: "يمكن لإسرائيل استخدام نفس المبررات التي استخدمتها ضد حزب الله لاستهداف حماس والجهاد الفلسطيني، وخاصة رفضها نزع سلاحهما أو محاولة إعادة بناء بنيتهما التحتية العسكرية بالكامل".
وأضاف خشان: "يمكن لإسرائيل أيضًا التذرع بمبدأ الدفاع عن النفس -سواء كان حقيقيًا أو مُتخيلًا- ضد حماس والجهاد الفلسطيني".
المرشحة السابقة في انتخابات الرئاسة الأمريكية لحزب الخضر جيل شتاين، كتبت في منشور على منصة "إكس" أمس الجمعة: "أرجوكم، لقد انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار في لبنان 4500 مرة في عام واحد.. دعكم من ثرثرة ترامب.. أرسلوا قوة حماية إلى غزة الآن".
وحث رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، المجتمع الدولي على الالتفات إلى لبنان عقب اتفاق غزة، سعيًا لتعزيز الهدنة الإسرائيلية.
قال بري، في حديثه إلى جمعية الصحفيين الاقتصاديين في لبنان، أمس الأول الخميس: "كنا سنكون سعداء لو توقفت حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة.. لكن يجب الحذر من تراجع إسرائيل عن الاتفاق.. لطالما تهربت من الاتفاقات والمواثيق، وآخرها اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في نوفمبر الماضي".
ومع تراجع دوي الطائرات الحربية وانسحاب القوات الإسرائيلية من عمق غزة، يعود آلاف الفلسطينيين إلى منازلهم المدمرة، وكثير منهم يعودون لأول مرة منذ عامين.
ويأتي هذا الهدوء المؤقت في أعقاب اتفاق بين حماس وإسرائيل لبدء المرحلة الأولى من خطة ترامب للسلام المكونة من 20 نقطة، والتي تدعو حماس إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين، وإسرائيل إلى إطلاق سراح نحو 2000 أسير ومعتقل فلسطيني.