وسط انتهاكات خطيرة وحرب إبادة جماعية تقودها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، يبرز الاعتراف بالدولة الفلسطينية بوتيرة متسارعة من دول غربية مؤثرة، يتساءل الجميع حول مدى قوة الاعتراف لتغيير الواقع على الأرض، أم إنه مجرد خطوة رمزية تُضاف إلى رصيد الخطابات الدبلوماسية فقط؟.
دولة غير واقعية
أعلنت المملكة المتحدة وأستراليا وكندا اعترافها بالدولة الفلسطينية، فيما تستعد فرنسا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى للحاق بهذه الخطوة خلال الأيام المقبلة، غير أن هذه القرارات واجهت انتقادات حادة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي زعم أن الاعتراف "يكافئ إرهاب حماس الوحشي"، أما الولايات المتحدة، الحليف الأوثق لإسرائيل، فقد أعربت عن رفضها القاطع لأي تحرك في هذا الاتجاه.
من الناحية القانونية والسياسية، تعيش فلسطين وضعًا فريدًا ومعقدًا، فهي تحظى باعتراف واسع من المجتمع الدولي، وتملك بعثات دبلوماسية وتمثيلًا رياضيًا في مسابقات عالمية، لكنها تفتقر إلى مقومات الدولة الكاملة، فلا حدود متفق عليها دوليًا، ولا جيش، ولا سيادة على أراضيها، فالضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، بينما تشهد غزة حربًا مدمرة تُفاقم معاناة سكانها.
ولهذا، يرى كثير من المراقبين، وفق شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يحمل طابعًا رمزيًا أكثر من كونه تحولًا عمليًا، لكنه في الوقت ذاته يمثل بيانًا أخلاقيًا وسياسيًا يعكس موقفًا واضحًا ضد استمرار الاحتلال.
إسرائيل تنسف حلم الدولة
وحسب مجلة "+972" الإسرائيلية، فتُشكِّل إسرائيل في مستوطنة معاليه أدوميم التي تطل على بلدة العيزرية الفلسطينية شرق مدينة القدس المحتلة، ملامح واقع جديد، بمشروع استيطاني إسرائيلي قديم-جديد، يُعرف بـ E1، ليمهد الطريق لتمزيق الضفة الغربية إلى أشلاء متناثرة، وعزل القدس الشرقية المحتلة عن عمقها الفلسطيني.
وبينما تكثف دول غربية اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، تتحرك حكومة الاحتلال لدفن هذا الاعتراف عمليًا على الأرض، ليزيد من عزلة الفلسطينيين، وتعظيم خوفهم من مستقبل بلا أفق.
وتتهيأ إسرائيل لبدء تنفيذ خطة بناء 3400 وحدة استيطانية جديدة على سفوح مدينة العيزرية، ضمن مشروع E1، الذي ظل مجمدًا لعقود بفعل الضغوط الدولية، والذي سيؤدي إلى شطر الضفة الغربية إلى نصفين، قاطعًا القدس الشرقية المحتلة عن عمقها الجغرافي الفلسطيني، ومقوضًا أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متواصلة الأراضي.
وأعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أحد أبرز داعمي المشروع، بوضوح أن "الدولة الفلسطينية تُمحى من على الطاولة، ليس بالشعارات بل بالأفعال"، ووقّع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الخطة في حفل رمزي داخل مستوطنة معاليه أدوميم، مؤكدًا أن "هذا المكان ملك لنا".
الأمر لم يتوقف عند ذلك، فقد كشف سموتريتش، الأسبوع الماضي، عن خطة أخرى لضمّ 82% من أراضي الضفة الغربية، تاركًا ست مدن فلسطينية رئيسية فقط كمناطق معزولة، هي: رام الله، نابلس، جنين، طولكرم، أريحا، والخليل، وفي بيان حمل شعار وزارة الدفاع الإسرائيلية، وصف الخطة بأنها "إجماع إسرائيلي" لمنع قيام دولة فلسطينية.
واقع الاعترافات الدولية
حتى الآن، تعترف نحو 75% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بفلسطين، وهي تتمتع بوضع "دولة مراقب دائم" داخل المنظمة الدولية، ما يمنحها حق المشاركة دون التصويت.
ومع انضمام بريطانيا وفرنسا إلى قائمة الدول المعترفة، ستكون فلسطين قد حصلت على دعم أربعة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، باستثناء الولايات المتحدة التي تظل في عزلة متزايدة في هذا الملف.
لماذا الآن؟
لطالما ربطت الحكومات البريطانية الاعتراف بفلسطين بمسار عملية السلام، معتبرة أن التوقيت هو جوهر التأثير، لكن التطورات الأخيرة قلبت المعادلة؛ مشاهد المجاعة في غزة، والتصعيد العسكري الإسرائيلي، والضغط الشعبي والسياسي المتنامي، دفعت عددًا من الحكومات إلى اتخاذ موقف أكثر وضوحًا، وفق "بي بي سي" البريطانية.
لكن الولايات المتحدة، وعلى لسان كبار مسؤوليها، باتت أكثر رفضًا لفكرة الدولة الفلسطينية، فالسفير الأمريكي لدى إسرائيل صرح بأن بلاده لم تعد تدعم قيام دولة فلسطينية، فيما حذر وزير الخارجية ماركو روبيو من أن الاعتراف قد "يُشجع حماس" ويُستفز إسرائيل نحو خطوات أكثر تشددًا، مثل ضم الضفة الغربية، أما نتنياهو، فقد اعتبر أن الاعتراف سيجعل التوصل إلى وقف إطلاق النار أكثر صعوبة.
يبقى الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة بالغة الرمزية، تعكس موقفًا أخلاقيًا وسياسيًا، لكنها لا تكفي وحدها لإنهاء الاحتلال أو ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ومع استمرار المعارضة الأمريكية والإسرائيلية، فإن أثر هذه الخطوة سيتوقف على مدى استعداد المجتمع الدولي لتحويل الرمزية إلى سياسة ملزمة وإجراءات عملية.